Featured Video

الأربعاء، 12 مارس 2014

الغضب تعريفه، مضاره،وطرق علاجه

الغضب تعريفه، مضاره،وطرق علاجه[i]


الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله ، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه ، وبعد :
فمما لا شك فيه أن الإسلام دينٌ معجزٌ كله ، فكتاب الله العظيم معجزٌ في سوره وآياته ، و رسوله الكريم e معجزٌ في قوله وعمله ، و سُنته الطاهرة معجزةٌ في لفظها ومعناها . وفي هذه العُجالة طوافٌ سريعٌ ببعض الجوانب الإعجازية -التي أشار إليها الهدي النبوي المبارك -ذات العلاقة بموضوع الغضب كخُلقٍ سلوكي مذموم جاء النهي عنه في أكثر من موضع من كتاب الله العظيم وسنة رسوله الكريم عليه أفضل الصلاة و التسليم ؛ نظراً لما يترتب عليه من عظيم الخطر ، وكبير الضرر . فعن أبي هريرة t أن رجلاً قال للنبي e : أوصني ، قال  : " لا تغضب " ، فردَّد مراراً ، قال : " لا تغضب " ( البخاري ، الحديث رقم 6116 ، ص 1066 ) .
وهنا نرى أن النبي e وهو المعلم الأول ، والمربي الأعظم للأمة قد أوصى من طَلَبَ منه الوصية بعدم الغضب ، ثم كرر النهي مراراً .
فما هو الغضب ؟ وما هي مضاره ؟ وما علاجه وفق منهج التربية النبوية التي جاء بها معلم الناس الخير ليكون لنا في ذلك منهج نهتدي به ، وسبيل نتبعه ؟

تعريف الغضب :

يُعرَّف الغضب بأنه " ثورانٌ في النفس يحملها على الرغبة في البطش و الانتقام " ( 1 ) . وقد يُعرَّف بأنه " حالةٌ نفسيةٌ انفعالية تُصيب الإنسان "( 2 ) . وقيل فيه : " إن الغضب غريزي في الإنسان فلا يُذم و لا يمدح إلا من جهة آثاره ؛ فمن غضب وكظم غضبه وغيظه مُدح ، ومن غضب فثار وتصرف تصرفاً شائناً نتيجة الغضب كان مذموماً بقدر ما وقع منه من تصرف "(3).
والمعنى أن الغضب طبعٌ بشريٌ فطريٌ يؤدي بصاحبه إلى الثوران والانفعال ، وعدم القدرة على التحكم في أقواله وأفعاله غالباً .
مضار الغضب :
         للغضب كثيرٌ من المضار العظيمة التي تمتد لتشمل جميع جوانب الحياة الفردية ،  والاجتماعية ، والجسمية ، والنفسية ، والفكرية والتي تؤكد جميعها أن الغضب مفتاح الشرور لأنه يجمع الشر كله كما أشار إلى ذلك أحد عُلماء السلف بقوله : " إن الغضب جماع الشر ، وإن التحرُّز ( التوقي ) منه جماع الخير " ( 4 ) .
 فمن مضاره الفردية أنه يُفقد الإنسان صوابه ، ويسلبه عقله ، ويدفعه إلى السب ، والشتم ، والسخرية ، والتلفظ بالألفاظ البذيئة وغير المؤدبة التي قد تُسبب له الحسرة والندامة فيما بعد ، وقد تُسقطه من أعين الناس ؛ إضافةً إلى ما قد يقوم به الإنسان حين غضبه من التصرفات الطائشة البعيدة عن الحكمة ، والمُجانبة للصواب . وهو ما يُشير إليه أحد كبار الكُتاب بقوله : " الإنسان مخلوقٌ متميز ، فيه شيء من الملائكة ، و شيءٌ من الشياطين ، و شيءٌ من البهائم والوحوش ؛ فإذا عصف به الغضب ، أوتر أعصابه ، وألهب دمه ، وشد عضلاته ، فلم يعد له أُمنيةً إلا أن يتمكن من خصمه فيعضه بأسنانه ، و يُنشب فيه أظفاره ، ويُطبق على عنقه بأصابعه ، فيخنقه خنقاً ، ثم يدعسه دعساً ، غلبت عليه في هذه الحال الصفة الوحشية ، فلم يبق بينه وبين النمر والفهد كبير فرق " ( 5 ) .
          ومن مضار الغضب الاجتماعية:

 أنه " يوَّلد الحقد في القلوب ، وإضمار السوء للناس ، وهذا ربما أدى إلى إيذاء المسلمين وهجرهم ، ومزيد الشماتة بهم عند المصيبة ، وهكذا تثور العداوة والبغضاء بين الأصدقاء ، وتنقطع الصلة بين الأقرباء ، فتفسد الحياة وتنهار المجتمعات " ( 6 ) .

أما مضاره الجسمية و النفسية فكثيرةٌ جداً حيث " ثبت علمياً أن الغضب كصورةٍ من صور الانفعال النفسي يؤثر على قلب الشخص الذي يغضب تأثيراً يُماثل تمامًا تأثير العدْو أو الجري في إجهاده للقلب لا يستمر طويلاً ؛ لأن المرء يُمكن أن يتوقف عن الجري إن هو أراد ذلك " ( 7 ) .
كما أشارت بعض الدراسات إلى أن للغضب العديد من المضار الجسمية على صحة وسلامة الإنسان التي منها التعرض لارتفاع ضغط الدم ، واحتمال الإصابة بالأزمات القلبية نتيجة التوتر الشديد الذي يُصاب به الإنسان الغاضب الذي يتعرض " لتغير لونه ، وطفح دمه ، وانتفاخ أوداجه ، وارتعاد أطرافه ، واضطراب حركته ، وتلجلج كلامه " ( 8 ) .
وليس هذا فحسب ؛ فهناك بعض المضار الأُخرى التي ربما أودت بحياة الإنسان حيث يمكن أن تؤدي " شدة الغضب والانفعال إلى سرعة خفقان القلب أو انفجار شرايين المخ ، أو الإصابة بالجلطة القلبية إذا كان الغاضب يشكو من ضعفٍ في القلب " ( 9 ) .
وللغضب تأثيراتٌ سيئة على الجانب الفكري عند الإنسان إذ إن " الانفعال الشديد يُعطل التفكير ، ويُصبح الإنسان غير قادرٍ على التفكير السليم أو إصدار القرارات السليمة ، وبذلك يفقد الإنسان أهم وظائفه التي يتميز بها وهي الاتزان العقلي " ( 10 ) .
وهذا معناه أن الإنسان الغاضب غير قادرٍ - في الغالب - على ضبط نفسه ، والتحكّم في تصرفاته نتيجةً لقوة غضبه ، وشدة انفعاله ، التي تحول دون ضبطه لنفسه والتحكم في تصرفاته ، وتدعوه في الغالب إلى المواجهة أو الانتقام أو نحو ذلك من الأقوال أو الأفعال .

الهامش
1 ) مصطفى البـغا و مـحي الدين مستو . ( 1410هـ ) . الوافي في شرح الأربعين النووية ، ط ( 7 ) ، المدينة المنورة : مكتبة دار التراث ، ص ( 110 ) .
2 ) بدر عبد الرازق الماص . ( 1418هـ ) . أخلاق المسلم وآدابه ، الكويت : مكتبة الفلاح ، ص ( 54 ) .
3 ) حسن أيوب . ( د . ت ) . السلوك الاجتماعي في الإسلام ، لبنان : دار الندوة الجديدة ، ص ( 78 ) .
4 ) عبد الرحمن بن رجب الحنبلي . ( 1393هـ ) . جامع العلوم والحكم ، ط ( 4 ) ، القاهرة : مطبعة مصطفى البابي الحلبي ، ص ( 135 ) .
5 ) علي الطنـطاوي . ( 1412هـ ) . تعريف موجـز بدين الإسلام ، جدة : دار المنارة ، ص ( 17 ) .
6 ) مصطفى البغا و محي الدين مستو ، مرجع سابق ، ص ( 113 ) .
7 ) محمد كامل عبد الصمد . ( 1417هـ ) . الإعجـاز العلمي في الإسلام ( السُّنة النبوية ) . ط ( 4 ) ، القاهرة : الدار المصرية اللبنانية ، ص ( 31 ) .
8 ) مصطفى البغا و محي الدين مستو ، مرجع سابق ، ص ( 113 ) .
9 ) عفيف عبد الفتاح طبَّارة . ( 1986م ) . الحـكمة النبويـة . ط ( 2 ) ، بيروت : دار العلم للملايين ، ص ( 99 ) .
10 ) بدر عبد الرازق الماص ، مرجع سابق ، ص ( 56 ) .

ويستكمل في المرة القادمة إن شاء الله




[i] ) من بحث بعنوان(لا تغضب) للدكتور/صالح بن علي أبوعراد- أستاذ التربية الإسلامية، ومدير مركز البحوث بكلية المعلمين-أبها

0 التعليقات:

إرسال تعليق

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More