علاج
الغضب(2)[i]
سابعاً /
المسارعة إلى الوضوء الذي له أثرٌ فاعلٌ في تهدئة ثورة الغضب التي
تتسبب في فوران دم الإنسان الغاضب وارتفاع حرارة جسمه ، وبذلك يعود الإنسان إلى
وضعه الطبيعي – بإذن الله - . فعن عطية بن عروة السعدي أنه قال : قال رسول الله e :
" إن الغضب من الشيطان ، وإن الشيطان خُلق من النار ، وإنما تُطفأ النار
بالماء ، فإذا غضب أحدكم فليتوضأ " ( أبو داود ، ج 4 ، الحديث رقم 4784 ، ص
249 ) . وقد عَلَّق أحد المختصين على هذا الحديث بقوله : " ويُشير هذا الحديث
إلى حقيقةٍ طبيةٍ معروفة ؛ فالماء البارد يُهدئ من فورة الدم الناشئة عن الانفعال
، كما يُساعد على تخفيف حالة التوتر العضلي و العصبي " ( 17 ) .
ثامناً / كظم
الغيظ
بعدم إنفاذ الغضب ، ومحاولة إخماد جذوته لما في ذلك من الفضل العظيم الذي قال فيه
سبحانه وتعالى : }
وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ
الْمُحْسِنِينَ { ( آل عمران :
من الآية 134 ) . وروي عن ابن عباس ( رضي الله عنهما ) عن النبي e أنه
قال : " .. وما من جرعةٍ أحبُ إليَّ من جرعة غيظٍ يكظمها عبدٌ ؛ ما كظمها
عبدٌ لله إلاَّ ملأَ جوفه إيماناً " ( أحمد ، ج 1 ، الحديث رقم 3017 ، ص
327 ) .
وعن معاذ بن
أنس أن النبي e قال :
" من كظم غيظاً وهو يقدر على أن يُنفذه ، دعاه الله على رؤوس الخلائق يوم
القيامة حتى يُخَيَّره في أي الحور شاء " ( الترمذي ، ج 4 ، الحديث رقم 2493
، ص 656 ) . وهذا فيه بُعدٌ تربويٌ يُشجع المسلم على التحكم في انفعالات النفس ،
وعدم الاستجابة لها ، كما أن فيه تعويدٌ لها على قهر الغضب ، والعمل على عدم
إنفاذه رغبةً فيما أعدَّه الله تعالى لمن ابتغى بذلك الأجر والثواب .
تاسعاً /
العمل على ترويض النفس وتربيتها بين الحين والآخر على التحلي بفضائل
الأخلاق وكريم السجايا وحميد الصفات حتى تعتاد الحلم والصفح ، وتألف الصبر والتروي
، وتتربى على عدم الاندفاع والتسرع في الرد والانتقام عند الغضب سواءً بالقول أو
الفعل . وهكذا مرةً بعد مرة يُصبح ذلك طبعاً عند الإنسان المسلم مقتدياً فيه
برسوله e الذي
كان يسبق حلمه غضبه ، وعفوه عقوبته " فالمؤمن الذي يعلم فضل الحلم عند الله ،
ويُلاحظ الثواب العظيم الذي أعدَّه الله للحُلماء ، لا بُد أن يجد في نفسه
اندفاعاً قوياً لاكتساب فضيلة الحلم ، ولو على سبيل التكلف ومُغالبة النفس ، وبعد
التدرب خلال مدةٍ من الزمن قد تطول أو لا تطول فقد يُصبح الحلم سجيةً خُلقية
مكتسبة ، ولو لم يكن في الأصل طبعاً فطرياً " ( 18 ) .
عاشراً /
العمل على التحكم في الانفعالات وامتلاك النفس عند الغضب كنوعٍ من قوة
الشخصية التي حث عليها النبي e في ما
روي عن أبي هريرة أن رسول الله e قال :
" ليس الشديدُ بالصُّرَعَة ، إنَّما الشديدُ الذي يملكُ نفسهُ عند الغَضَب
" ( البخاري ، ص 1066 ، الحديث رقم 6114 ) . والمعنى المُراد يتمثل في كون
" القوة الحقيقية تكمن في امتلاك النفس والسيطرة عليها عند فوران الغضب
" (
19 )
.
وهذا فيه
تربيةٌ للإنسان المسلم على مُجاهدة النفس ومُغالبتها على عدم الغضب " لأن
تعلم التحكم في انفعال الغضب إنما يُقوي إرادة الإنسان على التحكم في جميع أهواء
النفس وشهواتها ، ويُمكِّن الإنسان في النهاية من أن يكون مالك نفسه وسيدها وليس
عبداً لانفعالاته ، وأهوائه وشهواته " ( 20 ) .
حادي عشر /
صرف انتباه الإنسان الغاضب إلى ما يُبعده عن الغضب بوسيلةٍ أو بأخرى حتى يحول
ذلك دون استمرار ثورة الغضب . يقول أحد الباحثين : " ومما يُساعد على التخلص
من انفعال الغضب أيضاً تغيير حالة الإنسان النفسية ، وتوجيه الانتباه إلى أمور
أُخرى بعيداً عن الأمر الذي أثار الغضب ، فيشتغل الإنسان بالتفكير فيه ، وينصرف عن
التفكير في الأمر الذي أثار الغضب . وكذلك فإن مما يُساعد على التخلص من الانفعال
القيام بمجهودٍ بدنيٍ عنيف لتبديد الطاقة البدنية والتوتر العضلي اللذين أثارهما
الانفعال " ( 21 ) .
ثاني عشر /
التفكر في ما ينتج عن الغضب من النتائج المؤسفة والعواقب الوخيمة التي تؤدي
في الغالب إلى الندم والحسرة على ما كان من قولٍ جارحٍ ، أو عملٍ أهوجٍ ، لا يتفق
مع ما تمتاز به شخصية الإنسان المسلم من جميل الصفات وكريم الخصال . يقول أحد
العلماء : " والغضبان أول ما يجني على نفسه فتقبُح صورته ، و تتشنج أعصابه ،
و يفحُش كلامه ، ويزيد على من ظلمه انتقامه ، و قل أن تراه إلا وهو شعلةٌ من نارٍ
يأكل بعضها بعضاً " ( 22 ) .
وبعد ؛ فهذا هو الغضب
، وتلك بعض آثاره ومضاره الخطيرة على الفرد والمجتمع ، وهذه طرق علاجه ووسائل
الوقاية منه وفق ما بيَّنه معلم البشرية وأُستاذ الإنسانية الأعظم محمد بن عبد
الله e في
تربيته النبوية التي اختصرت ذلك كله في وصيةٍ تربويةٍ واحدةٍ معجزةٍ ، نطق بها
الفم الشريف قائلاً لمن طلبها : " لا تغضب " ؛ فكانت بحق وصيةً
تربويةً موجزةً في مبناها ، معجزةً في معناها لأنها جمعت في كلمةٍ واحدةٍ بين خيري
الدنيا والآخرة
الهامش
17 ) محمد عثمان نجاتي .
( 1413هـ ) . الحديث النبوي و علم النفس . ط ( 2 ) ، القاهرة : دار الشروق ، ص (
122 )
18 ) عبد الرحمن بن حسن حبنكه الميداني، مرجع
سابق ، ص ( 340 ) .
19 ) عفيف عبد الفتاح
طبارة ، مرجع سابق ، ص ( 99 ) .
20 ) محمد عثمان نجاتي ،
مرجع سابق ، ص ( 123 ) .
21 ) المرجع السابق ، ص (
122 ) .
22
) محمد بن سالم البيـحاني . ( 1403هـ ) . إصلاح المجتـمع . بيروت : دار
القلـم ، ص ( 199 ) .
[i] ) من
بحث بعنوان(لا تغضب) للدكتور/صالح بن علي أبوعراد- أستاذ التربية الإسلامية، ومدير
مركز البحوث بكلية المعلمين-أبها
0 التعليقات:
إرسال تعليق