Featured Video

الثلاثاء، 30 سبتمبر 2014

من أنواع التماسك النصي

         من أنواع التماسك النصي(3)



أ. م مراد حميد عبد الله
جامعة البصرة – كلية الآداب – قسم اللغه العربية


-          أنواع التماسك النصي:
    ينقسم التماسك إلى نوعين هما :
-          أحدهما : ما يسمى بالتماسك الشكلي الذي يكون ظاهراً محسوساً داخل التركيب ولولاه لما أصبح الخطاب

-     القرآني جملاً متلاحمة متراصة ، وهذا النوع يتميز بكثرته داخل النص، لأننا لو اقتصرنا على مجموعة روابط محددة لاختل النظام العام للكلام وحصل الخلل والنفور منه لذلك تعددت أنواعه وتشعبت، فالتماسك الشكلي للنص يشكل قاعدة أساسية للتوافق الشكلي بين عناصر الخطاب.
-     والنوع الآخر: هو ما يسمى بالتماسك المنطقي الذي يربط الكلمات أو الجمل أو الفقرات أو النصوص بعضها ببعض، فلا يقتصر التماسك بين العناصر على الأدوات الشكلية فحسب بل يعتمد أيضا على ما بين العناصر المختلفة في داخل الجملة أو الفقرة أو النص من علاقات متنوعة، فقد يكون بين الجمل على سبيل المثال علاقة سبب أو نتيجة أو غيرها، وان ضياع أي عنصر من هذه العناصر قد يؤدي إلى تفكك النصوص إلى عناصر لا رابط بينها أو قد يؤدي إلى غموض النص على أقل تقدير، وهو ما أكده عبد القاهر الجرجاني بقوله: ((واعلم أنك إذا رجعت إلى نفسك علمت علماً لا يعترضه الشك أن لا نظم في الكلم ولا ترتيب حتى يُعلّق بعضها ببعض ويبنى بعضها على بعض وتجعل هذه بسبب من تلك)) (16)
-          الروابط النصية:
           أن الروابط التي تحكم بناء النص في
          اللغة   نوعان هما :
أ‌.        روابط تركيبية إفرادية، وتكون بين الكلمات والصيغ داخل الجملة الواحدة وهو ما يعطينا جملة متماسكة دلالياً.
ب‌.   روابط تركيبية جملية، وتكون بين الجمل والفقرات داخل التركيب النصي،        فالنص بوصفه وحدة دلالية مترابطة الأجزاء(17) لا بدَّ له من روابط نصية                  (Textual Connectors) - وهي ما نحاول أن نوضحه في هذا البحث             المقتضب- أو روابط منطقية((Logical Connectors فجملة: شربتُ الشمسَ عديمة المعنى لان ((علاقة التعدية بين ((الشرب)) و((الشمس)) غير مقبولة منطقياً))(18)
إن الروابط النصية بنوعيها: الإفرادية أو الجملية تقوم بدور رئيس يعمل على تماسك النص عبر الربط الكائن تارة ((بين الكلمات داخل الجملة ومرة يكون بين الجمل والتراكيب))(19) فالجملة مؤلفة من عدد من الكلمات تربطها روابط لتدل


على ما في نفس المتكلم وكلاهما لا يمكنه أن يحقق غرضه من دون هذه الروابط أو تلك.
        فالروابط التركيبية ما هي (( إلا وسائل لغوية تنسج الخيوط التي يتوسل بها الفكر في تنظيم عناصر عالم الخطاب عند الباث مركباً وعند المستقبل مفككاً))(20)، فالتماسك بصورة عامة يعني وجود علاقات منطقية أو أدوات شكلية تسهم في الربط بين الكلمات الداخلة وبين النص والبيئة المحيطة له ، وهو يهتم بالعلاقات بين أجزاء الجملة الواحدة وعلاقتها ببقية الجمل داخل النص، فالمعنى لا يتأتى من تراصف الكلمات كيف جاء واتفق بل يجب أن تتألف وفق قانون تراصف اللغة الذي يسهم في اكتمال الدلالة النهائية التي يستطيع متلقي النص عبرها من النفاذ إلى المعنى الرئيس للنص، ونحاول هنا في هذا البحث المقتضب أن نركز على أنواع الترابط الخطي في الخطاب القرآني مسلطين الضوء فيها على أبرز تلك الأنواع، وهي:

1-       التكرار(Repetition)
    يعد التكرار من أهم أركان التركيب اللغوي الذي يعطي الجملة فوائد جمالية وأخرى دلالية تساهم في رفع كفاءة التركيب لتغطي أكبر قدر ممكن من المعاني، فعلى الرغم من كونه قسماً قائماً بذاته وينتمي إلى المحسنات اللفظية التي تدخل في صميم التركيب فتزيده حسناً لفظياً، وتعطيه معنى إضافيا إلا أننا نجد بعضاً من الباحثين من ينكره ويرده مدعياً أنه لا فائدة منه وقد كفانا الزركشي عناء الرد عليهم إذ يقول: ((وقد غلط من أنكر كونه من أساليب الفصاحة ظناً أنه لا فائدة وليس كذلك بل هو من محاسنها لاسيما إذا تعلق بعضه ببعض)) (21)
  إن تحميل النص اللغوي شحنات إبلاغية تضفي على الخطاب تأثيراً بارزاً يدور حول توجيه عواطف المتلقي وتسخيرها بشكل كامل، والمتكلم يسعى في هذا إلى تسخير كافة فعالياته الذهنية والعاطفية ومعرفة نقاط ضعف المتلقي ليتمكن من الدخول عبرها لئلا يعطيه فرصة لاستعمالها ضده فنجده يسبك نصه سبكاً وينسجه ولا يدع للمتلقي منفذاً واحداً، يقول الجاحظ: ((أجود الشعر ما رأيته متلاحم الأجزاء سهل المخارج، فيعلم بذلك أنه أُفرِغ إفراغاً جيداً، وسبك سبكاً فهو ما يجري على اللسان كما يجري على الدهان)) (22)
      والتكرار بوصفه خصيصة أسلوبية مميزة تعمل على زيادة ترابط النص، فالمنشئ عندما يكرر صوتاً أو كلمة و عبارة في نص ما فإنما يعيد معها معناها، وهو لا يخرج عن معناه اللغوي، فالتكرار في اللغة من الكر وهو ((الرجوع...وكرر الشيء أعاده مرة

أخرى...وكررت عليه الحديث إذا رددته عليه)) (23)، فمن معناه اللغوي يتبين إن التكرار هو عملية إعادة جزء من أجزاء الكلام، وهذه الإعادة إما أن تكون باللفظ والمعنى أو أن تكون بالمعنى دون اللفظ وهو ما يساهم في إيراد التماسك النصي داخل الخطاب من حيث الرجوع إلى الكلام الأول كلما أحس المنشئ بضرورة ذلك فالتكرار (( هو شكل من أشكال الاتساق المعجمي يتطلب إعادة عنصر معجمي أو ورود مرادف له أو شبه مرادف)) (24)على أن يكون ذلك وفق نسق رتيب وإلا فإن وروده عشوائياً يؤدي إلى الركة والملل.

-           أقسام التكرار
يقسم التكرار إلى نوعين هما :
1- التكرار الجزئي(Partial Repetition ) ويقصد به ما يتكرر في جزء صغير في نطاق الكلمة أو الجملة أو المقطع الواحد.
2- التكرار الموضوعي(Subjective Repetition ) و((يقصد به أن يتكرر الموضوع في مواقع معينة في النص ... ويرتبط هذا بالبناء الهندسي للنص إذ يتكرر الموضوع في النص فيكون بمثابة محطة يجتمع عندها الموضوعات المتنوعة)) (25) وتفصيل ذلك ((هو أن يكون عنصر من عناصر النص مقدمة لعنصر آخر، وذلك كأن يكون تركيب ما مقدمة للتراكيب اللاحقة ... فالتماسك بين الكلمات هو الخطوة الأساسية في بناء الجملة، بل هو خطوة مهمة في بناء النص كله، فعدم وجود التماسك بين الكلمات تضيع الجملة ولا تسمى الجملة جملة)) (26)، وتماسك التركيب داخل الخطاب هو ما انتبه إليه الجرجاني آنذاك وأشار إليه عند حديثه عن ملائمة الكلمات لمعانيها التي قبلها والتي بعدها، بقوله: ((فقد اتضح إذن اتضاحاً لا يدع للشك مجالاً أن الألفاظ لا تتفاضل من حيث هي ألفاظ مجردة ولا من حيث هي كلم مفردة وأن الفضيلة وخلافها في ملائمة معنى اللفظة لمعنى التي تليها أو ما أشبه ذلك)) (27) ، فالتماسك عبر التكرار يجعل كلمات الخطاب جزءاً لا يتجزأ، ويضفي على النص لوناً إيقاعياً مميزاً ومتناسقاً، فوظيفة التكرار ((هي الضم، والضم يعني ربط الشيء بما ضم إليه وفي هذا الربط يتحقق التماسك)) (28) ، والتماسك بدوره لا يتحقق إلا إذا تحقق التناسب اللفظي وإلا            (( فالتناسق يعني تتابع الألفاظ وتداعيها وتولد اللفظة من غيرها بحكم ما تملكه من حس قوي يمس ملكة الفن والذوق وتحث فيه تجاوباً عميقاً)) (29). وللحديث بقية

 نقلا عن مجلة جامعة ذي قار- العدد5-حزيران 2010

0 التعليقات:

إرسال تعليق

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More