Featured Video

السبت، 27 سبتمبر 2014

مضار أسلوب الشدة والقسوة في التربية

مضار أسلوب الشدة والقسوة في التربية

بقلم/عادل فتحي عبدالله
لو علمنا الأضرار التي تسببها الشدة والقسوة في التعامل مع الأولاد، لما تساهلنا في استخدام مثل هذا الأسلوب في التربية، ومع أن الله تعالى أرشدنا في القرآن الكريم إلى استخدام اللين والرحمة في التعامل، حيث قال في كتابه العزيز:
 {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ } آل عمران159
{خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ }الأعراف199
    وتلك كانت نظرة المتقدمين والمتأخرين من علماء التربية، والاجتماع من العرب والمسلمين، ومن غيرهم من العلماء الغربيين في العصر الحديث، يقول العلامة بن خلدون:
(إن إرهاف الحد مضر بالمتعلم لا سيما صغار الولد ، لأنه من سوء الملكة ، ومن كان مرباه بالعسف والقهر من المتعلمين أو المماليك أو الخدم سطا به القهر ،وضيق على النفس في انبساطتها..

وذهب بنشاطها ، ودعا إلى الكسل ، وحمل على الكذب والخبث ، والتظاهر بغير ما في ضميره خوفا من انبساط الأيدي بالقهرعليه،

 وعلمه المكر والخديعة لذلك ، وصارت له هذه عادة ، وفسدت لديه معاني الإنسانية من حيث الإجتماع والتمدن ، وهي الحمية والمدافعة عن نفسه ومنزله ، وصار عيالا على غيره في ذلك ،

 بل وكسلت النفس عن اكتساب الفضائل والخلق الجميل ، فانقبضت عن غايتها ، ومدي انسانيتها ، فارتكس وعاد في أسفل السافلين ، وهكذا وقع لكل أمة حصلت في قبضة القهر ، ونال منها العسف .

فينبغي للمتعلم في متعلمه ، وللوالد في ولده أن لا يستبدوا عليهم في التأديب .

وقال أبو محمد بن أبي زيد في كتابه الذي ألفه في حكم المعلمين والمتعلمين : لا ينبغي لمؤدب الصبيان أن يزيد في ضربهم إذا احتاجوا إليه على ثلاثة أسواط شيئا .

ومن كلام عمر رضي الله عنه : " من لم يؤدبه الشرع لا أدبه الله "
حرصا على صون النفس من مذلة التأديب ، وعلما بأن المقدار الذي عينه الشرع لذلك أملك له فإنه أعلم بمصلتحته

ومن أحسن مذاهب التعليم ما تقدم به الرشيد لمعلم ولده محمد الأمين فقال:
 " يا أحمران ، أمير المؤمنين قد دفع إليك مهجة نفسه ، وثمرة قلبه ، فصير يدك عليه مبسوطة ، وطاعته لك واجبة ، فكن بحيث وضعك أمير المؤمنين .....

أقرئه القرآن ، وعرفه الأخبار ، وروّه الأشعار ، وعلمه السنن ، وبصره بمواقع الكلام وبدئه ، وامنعه من الضحك إلا في أوقاته ، وخذه بتعظيم مشايخ بني هاشم إذا دخلو عليه ، ولا تمرن بك ساعة إلا وأنت مغتنم فائدة تفيده إياها .

من غير أن تحزنه فتميت ذهنه ، ولا تمعن في مسامحته فيستحلى الفراغ ويألفه ، وقومه ما استطعت بالقرب والملاينة ، فإن أباها فعليك بالغلظة والشدة " [1]

وهذا ما يؤكده ابن سينا في ( السياسة ) حيث يقول :
 " إنه من الضروري البدء بتهذيب الطفل وتعويده ممدوح الخصال منذ الفطام ، وقبل أن ترسخ فيه العادات المذمومة ، التي يصعب إزالتها إذا تمكنت من نفس الطفل ، أما إذا اقتضت الضرورة الالتجاء إلى العقاب فإنه يجب مراعاة منتهى الحيطة والحذر.

فلا يؤخذ الوليد أولا بالعنف ، وإنما بالتلطف ثم تمزح الرغبة بالرهبة ، وتارة يستخدم العبوس ، أو ما يستدعيه التأنيب . وذلك وفق كل حالة خاصة ....ولكن الالتجاء إلى الضرب لا يكون إلا بعد التهديد والوعيد وتوسط الشفعاء لإحداث الأثر المطلوب في نفس الطفل " [2]

ومع هذا فإن كثيراً ممن يعتمدون أسلوب القسوة، والعنف، في التربية نجدهم قد أسقط في أيديهم، وباءت جهودهم في ضبط سلوك الأبناء بالفشل، بل وكثرت مشاكل الأولاد إلى الحد الذي لم تستطع قدراتهم استيعابه،

 فلجأوا لغيرهم من الأقارب والأصحاب ملتمسين منهم التدخل في الموضوع، لمحاولة حل المشاكل التي تنشأ بينهم وبين الأبناء، محاولين استعادة الثقة بينهم وبن أبنائهم، بعدما صارت بينهم الهوة عميقة، والبون شاسعاً!
وربما السبب في بعض هذه المشاكل يرجع إلى أن الأباء قد استنفذوا ما عندهممن وسائل الشدة والقسوة، وان الأولاد قد تعودوا على ذلك الأسلوب، ومن ثم فقدوا الاحساس، وسهل عليهم احتمال تلك الآلام!!

وقد تكلم في هذا الأمر أستاذ التربية في عصره الإمام أبي حامد الغزالي في معرض كلامه عن تربية الولد في ( الإحياء ) فقال :

"ولا تكثر من القول عليه بالعتاب في كل حين ، فإنه يهون عليه سماع الملامة ، وركوب القبائح ويسقط وقع الكلام في قلبه ، وليكن الأب حافظا هيبة الكلام معه ، فلا يوبخه إلا أحيانا"[3]

ومع هذا قد يكون هناك نوع من الشدة في التربية، ولكن هذه الشدة لا تكون هي الأسلوب والديدن المتبع دوماً في تربية الأبناء، بل نحتاج إليها
أحياناً، لظروف معينة بشروط معينة.

ويمكننا إجمال بعض مخاطر استخدام أسلوب القسوة والشدة في تربية الأولاد فيما يلي[4]:
·        تخويف الطفل وإرهابه مما يؤدي به إلى حالة من الضعف النفسي والجبن الأخلاقي .
·        شعور الطفل الذي يمارس عليه العنف بالقلق والاضطراب الدائم مما يجعل شخصيته مهتزة ويفقده الثقة بالنفس .
·        لجوء الطفل إلى الكذب والخداع ، واختراع أساليب ملتوية للافلات من العقوبة .
·        يجعل الطفل عنيدا جدا ، ولا يستجيب للأوامر بسهولة ويتعمد إثارة الوالدين في غالبية الأحيان
·        يكتسب الطفل بعض الصفات العدوانية ويصبح عنيفا في التعامل مع الآخرين خصوصا من هم أصغر سنا فهو يمارس عليهم سلطان الأب والأم ، ويقسو عليهم تعويضا عما فقده من أمن نفسي كان سببه قسوة الوالدين عليه هو .





 . ابن خلدون في المقدمة ، دار مكتبة الهلال ـ بيروت ـ 1983 هـ .[1]
 . ابن سينا ( السياسة ) [2]
[3] ) إحياء علوم الدين ( 3/63) للامام حجة الإسلام أبي حامد الغزالي .
[4] ) "أخطاء في تربية الأبناء" -  للمؤلف

0 التعليقات:

إرسال تعليق

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More