Featured Video

الأحد، 27 نوفمبر 2016

اضطراب التوحد..التشخيص والعلاج

اضطراب التوحد..التشخيص والعلاج(2)

                                                                              بقلم: عادل فتحي عبدالله

تكلمنا في الورقة السابقة عن تعريف التوحد وأنواعه وأسبابه، وصفات الطفل التوحدي باختصار

، وسوف نتناول أيضاً التشخيص وطرق العلاج في هذه الورقة باختصار أيضاً، ونحيل القارئ لبعض المراجع لمن أراد الاستزادة، والتوسع في المعرفة.

تشخيص التوحد
الحقيقة أن مسألة تشخيص حالة الطفل التوحدي ليست من السهولة بمكان وتعتمد على الخبرة لدى من يقوم بالتشخيص، وينبغي أن تعرض مثل هذه الحالات على عدد من المختصين، مثل الطبيب النفسي، والمعالج النفسي، وطبيب مخ وأعصاب، وطبيب أطفال، وأخصائي تخاطب، ويفضل أن تعرض الحالة على أحد المراكز المتخصصة في التوحد، لما لديهم من خبرة كافية في التعامل مع مثل هذه الحالات، كما أن هناك بعض الاختبارات التي يمكن تطبيقها على الأطفال للتأكد من اصابتهم بهذا الاضطراب، أم لا.
علاج التوحد
يختلف علاج التوحد حسب الحالة، فكما تحدثنا من قبل أن للتوحد أنواع مختلفة، وأن كل طفل توحدي هو حالة خاصة به، ولذلك سوف تختلف أدوات العلاج وطريقته حسب الحالة، وهناك عدة نظريات، وإن شئت فقل عدة مدارس في علاج التوحد، فهناك أصحاب المدرسة السلوكية والذين يعتمدون في علاجهم على التعزيز والمكافأة للسلوك الحسن، ومنع ذلك التعزيز عند السلوك غير المرغوب فيه،
وهناك من يقوم بعلاج الأعراض بطريقة كلية، فهناك عدة مراكز تقوم باستخدام تكنولوجيا الحاسبات والنظم في العلاج اللغوي والسلوكي للأطفال التوحديين، وكذا علاج ضعف التواصل لدى هؤلاء الأطفال، وهناك عدة برامج أعدت خصيصاً لهذا الغرض، كما وأن هناك العلاج بالحقن بهرمون السكرتين، ويعتقد أنه يساعد في علاج بعض الحالات.
ومن المهم هنا أن نعرف أن علاج التوحد يعتمد في الأصل على علاج أعراضه الأساسية، وأننا يجب أن نعرف أيضاً أن لكل في التوحد لكل حالة خصوصيتها، وأن ما يجدي مع حالة قد لا يجدي مع أخرى، ولهذا فإنه من الأفضل أن يتم علاج الطفل التوحدي عن طريق برامج تعديل السلوك، لأن هذه الرامج تعتمد خصوصية تلك الحالات، والتعامل معها بطريقة تدريجية، منتظمة.
ولا ننسى الدور المهم والكبير للأبوين، والخادمة المشرفة على الطفل-إن وجدت- ينبغي أن يتعاون الجميع في تطبيق التعليمات الواجب اتباعها مع الطفل.


وهذه بعض الأفكار العامة والضرورية لعلاج حالات التوحد  
·      استخدام الصورة مع الكلمات أمر ضروري جداً، بل إن الصورة تسبق الكلمة عند الطفل التوحدي.
·      استخدام عنصر التكرار، واستخدام العادة، والنمطية كجزء أساسي في التعليم، حيث أن هذه طبيعة الطفل التوحدي.
·      محاولة مراعاة حساسية حواس الطفل التوحدي، فهو ينزعج بشدة من الأصوات المرتفعة والإضاءة العالية..إلخ
·      كن مختصراً ولا تكثر الأوامر والتعليمات للطفل التوحدي فهو لا يحفظ الكلمات الكثيرة، ولديه مشكلة في الحفظ، والتذكر، بل هو قد ينسى بسرعة عالية غير متوقعة.
·      الطفل التوحدي عادة لديه فرط في الحركة، وقد يرى البعض محاولة تقييد هذه الحركة بطرق مختلفة، قد تكون ضارة بصحة الطفل، وهذا من وجهة نظرنا أمر غير صحي، بل يمكننا الاستفادة من هذه الحركة في التعليم، وهناك طرق حديثة تسمى التعليم باللعب، ولها قواعد وأسس.
·      يجب استخدام التكنولوجيا الحديثة في تعليم الطفل التوحدي، فهي سوف توفر علينا الكثير من الجهد، والطاقة، كما وأنها سوف تساعده في الفهم والتركيز بشكل أسرع، وأعمق.
·      استخدم ما لدى الطفل التوحدي من صفات في تنمية قدراته، ومنحه الثقة بالنفس، إذ أن الطفل التوحدي لديه قدرة عالية على الرسم، والتعامل مع الصور، وكذا التعامل مع الحاسوب لفترات طويلة دون ملل، ويمكن تنمية هذه النقاط والاستفادة بها في مجالات مختلفة، تعود بالفائدة على الطفل وعلى المجتمع ككل، وتقوي ثقة الطفل بنفسه، علماً بأن هناك من الأطفال التوحديين من هم من المبدعين، في مجالات مختلفة.

مراجع للإستزادة والاضطلاع
·      الذاتوية ( إعاقة التوحد لدى الأطفال ) –د/عبد الرحيم سيد سليمان - كلية التربية -جامعة عين شمس2000 م
·      (التوحد – الإعاقة الغامضة) –د/فضيلة الراوي وآمال صالح حماد ، الدوحة 1999م 0
·      (التوحد- مظاهرة الطبية والتعليمية) - د/س ، جيلبرج و ت  بيترز - ترجمة : وضحة الوردان 0 إصدار مركز الكويت للتوحد- من سلسلة نشر الوعي بالفئات الخاصة -15

·      (معاناتي والتوحد) –د/ سميرة السعد - دار ذات السلاسل-الكويت1997م


الخميس، 24 نوفمبر 2016

العبقرية والإبداع

العبقرية والإبداع
بقلم عادل فتحي عبدالله



"ليس هناك حدود للعقل يقف عندها سوى تلك التي اقتنعنا بوجودها"
نابليون هيل
كاتب أمريكي  ومستشار الرئيس الأمريكي
                                السابق فرانكلين روزفلت

العقل البشري.. ذلك المخلوق العجيب، الذي لا نستخدم منه إلا جزءً يسيرًا، ولا ندرك إمكاناته الخارقة التي حبانا الله تعالى بها.

 يقول كثير من العلماء إننا لا نستخدم سوى 10% من إمكانياتنا العقلية فقط.. وأننا لو استخدمنا 20% من إمكانياتنا العقلية نستطيع أن نحفظ عشر معلومات كل ثانية لمدة 70 سنة تقريبًا، أو على الأقل نخزن هذه المعلومات في الذاكرة، 
هذا الجهاز العجيب (المخ) يتبادل مع جميع أجزاء الجسم عددًا من الرسائل يقدر بخمسين مليون رسالة عصبية في الثانية الواحدة، في جميع أوقات اليوم، وحتى ساعات النوم.

وهذه الرسائل المخية تنطلق من المخ إلى جميع أجزاء الجسم بسرعة مذهلة، هذه السرعة قدرها العلماء بسرعة 360 ميلاً في الساعة.

ولكي تعرف مدى القدرة الهائلة للدماغ في نقل وتبادل المعلومات وفي التخزين، يكفيك أن تعرف أن طول الأوعية الدموية الدقيقة في 1 مم مكعب من المخ حوالي  1400مم.

أما مساحة سطح جدران تلك الأوعية فيساوي 500 ملم مربع، وهذا يعني أننا لو استطعنا مد هذه الأوعية الدقيقة في خط مستقيم لبلغت نحو 1120 كيلو مترًا!!

ويقول العلماء أنك لو استخدمت 40% من قدراتك العقلية لاستطعت إتقان 7 لغات بطلاقة، وقراءة 100 ألف مجلد وحفظها عن ظهر قلب.

إن العباقرة والمخترعين ليسوا أمرًا نادرًا بين البشر بسبب الوراثة فحسب، بل لأنهم يستطيعون استغلال أجزاء أكبر من المخ مما نستغله نحن،
إليك هذه القصة المشهورة عن أحد ملوك الهند والذي يدعى (شيرهام)
..
قام أحد وزراء شيرهام باختراع لعبة مسلية تحتاج إلى ذكاء وتفكير عميق.. ألا وهي لعبة الشطرنج! وحين عرضها الوزير على الملك شيرهام أعجب بها الملك أيما إعجاب!
ثم نظر إلى الوزير في إعجاب. وقال: أيها الوزير لقد قررنا لك مكافأة عظيمة.. اختر ما تشاء واطلب ما تريد!!

قال الوزير: حسنًا مولاي أنا أريد منك أن تمنحنى حبة قمح واحدة عن المربع الأول في رقعة الشطرنج هذه وعن المربع الثاني حبتين، وعن الثالث 4 حبات قمح، وعن المربع الرابع ثمان حبات.. وهكذا حتى يكتمل حساب حبات القمح عن المربع رقم 64!!

قال الملك: الأمر كذلك.. ذلك شيء يسير، يا حراس: افعلوا ما طلب الوزير، وأعطوه حَبات القمح على ما ذكر..
فجاء الحراس، وجاء أمين المخازن ليعد حبات القمح المطلوبة ليمنحها للوزير مكافأة له على اختراع لعبة الشطرنج..

فماذا حدث؟!!
وضع الحراس في الحاوية حبة قمح عن المربع الأول، وحبتان عن المربع الثاني وأربعة عن المربع الثالث وثمانية عن المربع الرابع و16 حبة عن المربع الخامس و32 حبة عن السادس... وهكذا.

يقول بيل جيتس في كتابه "المعلوماتية بعد الإنترنت" في سرد هذه القصة: "وبانتهاء عد حبات المربع الثامن في نهاية الصف الأول جمع مسئول تموين الملك إجمالي عدد الحبات في الصف فوجدها 255 حبة.

ولم يبد الملك عندئذ على الأرجح أي قلق! صحيح أن مجموع عدد الحبات في الصف الأول من اللوحة ربما فاق العدد الذي توقعه لكن لا شيء مدهشًا قد حدث..
ولو أننا افترضنا أن عد كل حبة يستغرق ثانية واحدة فسيكون عد الحبات حتى الآن استغرق 4 دقائق فقط.

فإذا كان الصف الأول استغرق عد حباته 4 دقائق، فحاول أن تخمن كم من الوقت يستغرقه عد حبات القمح لكل المربعات الأربعة والستين.. أربع ساعات؟ أربعة أيام؟ أربع سنوات؟!!

في اللحظة التي انتهى فيها مسئول التموين من الصف الثاني، كان قد عمل لمدة ثماني عشرة ساعة عد فيها 65535 حبة، وعند نهاية الصف الثالث من الصفوف الثمانية للوحة، كان قد استغرق 194 يومًا في عد 16.8 مليون حبة قمح لعدد 24 مربعًا.
 وكان لا يزال أمامه أربعون مربعًا فارغًا عليه أن يملأها!!!

وبكل تأكيد فإن الملك قد نقض عهده مع الوزير لأن الوصول إلى المربع الأخير في اللوحة معناه وضع كمية من حبات القمح تبلغ 18446744073709551615 حبة، وهذا العدد يستغرق في العد 584 بليون سنة، في حين أن عمر كوكب الأرض الذي نعيش عليه منذ بدء الخليقة حتى الآن لم يتعدى 4.5 بليون سنة فقط، 

وطبقًا لأغلب الروايات لهذه الأسطورة الهندية، فإن الملك في مرحلة ما من مراحل العد أدرك أنه قد خدع، (وأن هذا الوزير خارق الذكاء والعبقرية)، فأمر بقطع رأسه".

الحقيقة أن أي شخص لديه علم بقواعد الرياضيات ويعمل عقله بسرعة، يدرك منذ بداية القصة أن الوصول إلى المربع 64 أمر مستحيل، بل قبل ذلك بكثير.
لأن تضاعف الأعداد في المربع التالي لكل مربع سيعطينا أعدادًا مهولة، كما سبق ذكره، لكن ما هي المشكلة؟!

المشكلة أننا جميعًا لا نستخدم عقولنا.. ولا نحاول التفكير... وإذا فكرنا نستخدم جزءً بسيطاً جدًا من العقل. ولا نفكر بعمق، ونتسرع في التفكير.. 
وصدق أرسطو حين قال:
"إذا أقنعت الناس أنك تفكر فإنهم سوف يحبونك، لكن إذا جعلتهم يفكرون فإنهم سوف يكرهونك".




الأربعاء، 23 نوفمبر 2016

تربية الأطفال وألعاب الطفولة

تربية الأطفال وألعاب الطفولة


بقلم: عادل فتحي عبدالله

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة ولسلام على رسول الله-صلى الله عليه وسلم-وعلى آله وصحبه ومن والاه،
وبعد:

فإن الطفل يحتاج للعب كما يحتاج للغذاء، سواء بسواء، وقد أدرك هذه الحاجة معلم البشرية محمد صلى الله عليه وسلم، قبل أن يدركها علماء النفس بعدة قرون، فكان يلاعب الأطفال ويمازحهم، ومن ذلك مزاحه مع عمير الأخ الصغير لأنس، حيث كان يقول له:[يا عمير ما فعل النغير]([1]) لعصفور كان يلعب به عمير.

ومن هذا الحديث استنبط العلماء عدة فوائد:
 منها جواز لعب الأطفال ببعض الحيوانات ما لم يكن في ذلك أذى للحيوان.
 ومنها جواز إمساك الطير في القفص ما دام يطعمه ويسقيه، وجواز إنفاق المال فيما يلعب به الطفل من اللعب المباح.

وجاء عن السلف رضي الله عنهم التصابي للصبي، واللعب معه، كيف لا والنبي عليه الصلاة والسلام أطال السجود في الصلاة حين ارتحله الحسين؟
 فقد جاء في الحديث الشريف عن شداد ـ رضي الله - أنه رأى الحسن أو الحسين على ظهر النبي صلى الله عليه وسلم وهو ساجد، فأطال السجود، فلما قضيت الصلاة قال الناس:
"يا رسول الله, إنك سجدت بين ظهراني صلاتك هذه سجدة قد أطلتها فظننا أنه قد حدث أمر أو أنه يوحى إليك".

 قال: (فكل ذلك لم يكن، ولكن ابني ارتحلني، فكرهت أن أعجلة حتى يقضي حاجته)([2]).

ولو أن ذلك الأمر حدث لأحدنا فربما أوقع الصبي من على ظهره، ونهره بعد الصلاة. وهذا الأمر يحدث بالفعل نتيجة جهل بعض الآباء بالسنة النبوية الشريفة وجهلهم كذلك بشخصية الطفل وطريقة التعامل معه.

ومن الأقوال المأثورة في هذا المجال: "داعبوا أبنائكم سبع، وأدبوهم سبع، وصاحبوهم سبع، ثم اتركوا لهم الحبل
على الغارب
".

ومعلوم أن الطفل في سنواته الأولى من العمر، وقبل أن يبلغ الحلم ليس عليه من التكليف شيء، وقبل السنوات السبع الأولى ليس على الوالدين تعليمه الصلاة، ولا تدريبه عليها لأنه لا يحسن ذلك الأمر، إنما حياته كلها لعب.
 ولا يجب أن نضيق على الطفل في اللعب في تلك السن بل يجب أن يشبع رغبته من اللعب، بل وبعد هذه السن يجب أن يسمح الوالدين للطفل باللعب في وقت محدد، ولا يخفى أن النبي الكريم عليه الصلاة والسلام كان يدرك ذلك الأمر، وكان يسمح
للسيدة عائشة رضي الله عنها بتحقيق تلك الرغبة في اللعب حين كانت حديثة السن.

فكان يسرب بنات صديقات لها ليلعبن معها في البيت، وكان يرى معها بنات لعب تلعب بهن فكان يمازحها في ذلك، وكان يدعها تنظر للحبشة، وهم يلعبون بالحراب في المسجد، تقول السيدة عائشة رضي الله عنها:
"جاء حبش يزفنون (يرقصون) في يوم عيد في المسجد فدعاني النبي صلى الله عليه وسلم فوضعت رأسي على منكبه فجعلت أنظر إلى لعبهم حتى كنت أنا التي انصرفت عن النظر إليهم"([3]).

والأمثلة على تقدير النبي صلى الله عليه وسلم لحاجة الأطفال إلى اللعب كثيرة.
ويرى البعض أن اللعب يجعل الطفل يستمتع بالحياة، ومن ثم يشبع تلك الرغبة والتي عن طريق إشباعها ينشأ نشأة سوية، وعندما يكبر لا يصاب بعقد نفسية ولا غيرها، ولا يحتاج لإشباع رغبات الطفولة التي لم تشبع، ولعل هذا الأمر يلاحظه بعض الآباء الذين يجلبون اللعب لأبنائهم ويلعبون هم بها!

ويرى عالم الانثروبولوجيا ادوارد نوربك:                                        
"أن الهدف الأساسي للعب ذو أهمية أعمق للطفل فالأطفال الذين يلعبون يتم تحريضهم في المقام الأول على الاستمتاع بالحياة تلك هي القيمة المجربة البارزة للعب، ذلك أنه من دون قدرة الاستمتاع بالحياة، قد تصبح سنوات الرشد الطويلة مملة ومرهقة"([4]).

كما أن اللعب مهم جداً في حياة الطفل وذلك من ناحية مساعدته في عملية التخيل، ولا يخفى على كل مطلع ما لهذا التخيل من أثر فعال في حياة الطفل، يقول جون تندول:
"لقد كان انتقال نيوتن من تفاحة ساقطة إلى قمر ساقط عملاً من أعمال الخيال المتأهب..أما فاراداي فقد مارس هذه الموهبة على الدوام، فكانت سابقة مرشدة لجميع تجاربه، وترجع قدرته وخصوبته كمكتشف –إلى حد كبير إلى القوة الدافعة للخيال".

وقد عرف علماؤنا المسلمون هذا الأمر منذ مئات السنين، حيث يقول الإمام أبي حامد الغزالي- أستاذ التربية في عصره – كلاماً جميلاً في هذا الاتجاه، يقول:"..فإن منع الصبي من اللعب، وإرهاقه في التعليم دائماً يميت قلبه ويبطل ذكائه"([5]).




([1]) رواه البخاري.
([2]) رواه أحمد وأبو داوود والنسائي.
([3]) رواه البخاري ومسلم.
([4]) الأطفال والإدمان التلفزيوني-ماري وين-ترجمة/عبد الفتاح الصبحى-عالم المعرفة.
([5]) أبو حامد الغزالي "إحياء علوم الدين" – كتاب رياضة النفس.



  

الأحد، 20 نوفمبر 2016

الفوبيا (الرهاب - Phobia)

الفوبيا (الرهاب - Phobia)
بقلم:عادل فتحي عبدالله
هو خوف من أشياء لا تمثل خطراً حقيقياً على الشخص في تلك الظروف، فمن الطبيعي أن يخاف الشخص من الظلام إن كان في مكان عام مزدحم، فمن الممكن تعرضه للسرقة بسهولة أو للإعتداء من أي نوع، لكن ليس من الطبيعي أن يخاف الشخص من الظلام في بيته، المؤمن تماماً، أو أن يخاف من غلق حجرة النوم، أو من الصراصير، أو غير ذلك من الأمور التي لا تمثل خطراً حقيقياً عليه.

إن الفوبيا عبار عن خوف مفرط غير مبرر، قد يعيق صاحبه عن السير بطريقة طبيعية في الحياة، أو يسبب له درجة عالية من القلق، والتوتر.

والفرق بين الفوبيا( الخوف المرضي) والخوف الطبيعي -الذي هو سلوك بشري طبيعي تحت ظروف معينة- فرق في النوع وليس في الدرجة، لأن الفوبيا درجات أيضاً، ومريض الفوبيا خوفه غير مبرر وغير منطقي وغير عقلاني، أما الخوف الطبيعي من أشياء قد تهدد حياة الشخص فهو خوف مبرر وعقلاني.

أسباب الفوبيا

تصنف الفوبيا على أنها مرض نفسي، وهي تعود في الغالب إلى مرحلة الطفولة،حيث يرتبط خوف المريض عادة من أشياء معينة نتيجة ارتباطها في ذهنه بمواقف مخيفة ومرعبة، وقد تكون الفوبيا نتيجة عدم ثقة بالنفس، أو ضعف عام في القدرات العقلية، أو نتيجة أفكار متسلطة.

وفي الغالب ما تلعب الأسرة دورا كبيرا في زرع المخاوف غير المبررة لدى الأطفال، ومن ثم تؤثر سلباً على مدى ثقتهم بأنفسهم، وتؤدي إلى اصابتهم بالفوبيا بدرجاتها المختلفة.

أشهر أنواع الفوبيا

1.   الخوف من الاماكن المغلقة  
2.   الخوف من الاماكن المفتوحة
3.   الخوف من الأماكن المزدحمة
4.   الخوف من الغرباء
5.   ، الخوف من الالم
6.   الخوف من الظلام
7.   الخوف من بعض الحيوانات
8.   الخوف من المرض
9.   الخوف من الحقن
10.                     الخوف من الدم
11.                     الخوف من علاج الاسنان

علاج الفوبيا

هناك عدة مدارس لعلاج الفوبيا، من أهمها مدرسة التحليل النفسي،المدرسة المعرفية،والمدرسة السلوكية.
أولاً:  مدرسة التحليل:
 وهي تعتمد على سبر أغوار النفس البشرية والوصول للذاكرة اللاشعورية عند المريض من أجل معرفة السبب الكامن وراء تلك المخاوف المرضية، ومن ثم وقوف المريض على السبب الحقيقي وراء مخاوفه غير المبررة، مما يؤدي إلى الشفاء من تلك المخاوف، وتتبع مدرسة التحليل النفسي عدة فنيات أهمها:
1.  التداعي الحر، 
2.  التنفيس الإنفعالي، 
3.  التحويل أو الطرح، 
4.  المقاومة
5.  تحليل الأحلام
6.  التفسير

ثانياً:المدرسة السلوكية:

وهذه المدرسة تعتمد في علاجها على قوانين ونظريات التعلم الشرطي، حيث تفترض أن معظم سلوك الإنسان متعلم مكتسب، فيتم من خلال هذه المدرسة تعديل السلوك باستخدام عدة أساليب علاجية أهمها المحو والإطفاء.

ومن أهم فنيات النظرية السلوكية

1. التحصين التدريجي
2. النموذج العملي
3. الغمر
4. التعزيز الموجب
5. التعزيز السالب
6. العقاب
7. الإطفاء والتعزيز
8. الكف المتبادل
ثالثاً: المدرسة المعرفية

تعتمد المدرسة المعرفية على أساليب تمكنها من تغيير الأفكار والمعتقدات، حيث يعتقد أصحابها أن السبب في المشكلات الإنفعالية يكمن في الأفكار السلبية والمعتقدات غير المنطقية، أو غير العقلانية، ومن ثم تسعى إلى تغيير هذه الأفكار والمعتقدات.
أهم فنيات العلاج المعرفي

1. التعبير اللفظي عن الذات
2. الإبعاد التركيز
3. تدقيق الاستنتاجات
4. التقليد
5. إعادة صياغة المشكلة
6. الواجبات المنزلية

وللحديث بقية..



السبت، 19 نوفمبر 2016

مضار أسلوب القسوة والعنف في التربية

مضار أسلوب القسوة والعنف في التربية ( 1 )
بقلم:عادل فتحي عبدالله

يظن بعض الآباء أن الشدة والقسوة هما عماد التربية، وأن الطفل لن يتربى، ولن يلتزم بالخلق القويم إلا إذا أخذ بالشدة، إنهم يقولون أن هذه طريقة الآباء والأجداد، وأنهم تربوا هكذا، وأنه لا ينفع الدلع الذي يتبعه آباء هذه الأيام مع أولادهم...!
والحقيقة أننا نحن الآباء نريد أن نسيطر على أبنائنا، ولا نريد لهم أن يتصرفوا بحرية مسؤولة ومنضبطة، لأننا هكذا تم السيطرة علينا من قبل آبائنا، وهكذا تربينا، ومن ثم نريد أن نكرر نفس التجربة مع أبنائنا.......
وقد يكون السبب أننا لا نعرف غير هذه الطريقة في التربية، أو أن هذه الطريقة هي أسهل الطرق من وجهة نظرنا، فهي لا تحتاج أكثر من حنجرة قوية، وعصا غليظة-أو رفيعة مؤلمة-ووجه عابس، مكفهر..! وكل هذه الأمور من السهولة بمكان عند الكثيرين.
أما التفكير في طريقة تربوية في استيعاب مشاكل الأولاد، والبحث وراء الدوافع الحقيقية وراء بعض سلوكياتهم-والتي عادة ما تتسم بقدر من العناد، أو عدم الطاعة، أو حتى التمرد والعصيان- أمر يحتاج منا إلى بعض الجهد، والتعب، والنصب..
مضار اسخدام أسلوب الشدة والقسوة في التربية
ولو أننا علمنا الأضرار التي تسببها الشدة والقسوة في التعامل مع الأولاد، لما تساهلنا في استخدام مثل هذا الأسلوب في التربية، ومع أن الله تعالى أرشدنا في القرآن الكريم إلى استخدام اللين والرحمة في التعامل، حيث قال في كتابه العزيز:
 {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ } آل عمران159
{خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ }الأعراف199
    وتلك كانت نظرة المتقدمين والمتأخرين من علماء التربية، والاجتماع من العرب والمسلمين،
 ومن غيرهم من العلماء الغربيين في العصر الحديث، يقول العلامة بن خلدون:
(إن إرهاف الحد مضر بالمتعلم لا سيما صغار الولد ، لأنه من سوء الملكة ، ومن كان مرباه بالعسف والقهر من المتعلمين أو المماليك أو الخدم سطا به القهر ،وضيق على النفس في انبساطتها..
وذهب بنشاطها ، ودعا إلى الكسل ، وحمل على الكذب والخبث ، والتظاهر بغير ما في ضميره خوفا من انبساط الأيدي بالقهرعليه،
وعلمه المكر والخديعة لذلك ، وصارت له هذه عادة ، وفسدت لديه معاني الإنسانية من حيث الإجتماع والتمدن ، وهي الحمية والمدافعة عن نفسه ومنزله ، وصار عيالا على غيره في ذلك ،
بل وكسلت النفس عن اكتساب الفضائل والخلق الجميل ، فانقبضت عن غايتها ، ومدي انسانيتها ، فارتكس وعاد في أسفل السافلين ، وهكذا وقع لكل أمة حصلت في قبضة القهر ، ونال منها العسف .

فينبغي للمتعلم في متعلمه ، وللوالد في ولده أن لا يستبدوا عليهم في التأديب .

وقال أبو محمد بن أبي زيد في كتابه الذي ألفه في حكم المعلمين والمتعلمين :
 لا ينبغي لمؤدب الصبيان أن يزيد في ضربهم إذا احتاجوا إليه على ثلاثة أسواط شيئا .
ومن كلام عمر رضي الله عنه : " من لم يؤدبه الشرع لا أدبه الله " حرصا على صون النفس من مذلة التأديب ، وعلما بأن المقدار الذي عينه الشرع لذلك أملك له فإنه أعلم بمصلتحته 

ومن أحسن مذاهب التعليم ما تقدم به الرشيد لمعلم ولده محمد الأمين فقال:
 " يا أحمران ، أمير المؤمنين قد دفع إليك مهجة نفسه ، وثمرة قلبه ، فصير يدك عليه مبسوطة ، وطاعته لك واجبة ، فكن بحيث وضعك أمير المؤمنين .....
أقرئه القرآن ، وعرفه الأخبار ، وروّه الأشعار ، وعلمه السنن ، وبصره بمواقع الكلام وبدئه ، وامنعه من الضحك إلا في أوقاته ، وخذه بتعظيم مشايخ بني هاشم إذا دخلو عليه ، ولا تمرن بك ساعة إلا وأنت مغتنم فائدة تفيده إياها .
من غير أن تحزنه فتميت ذهنه ، ولا تمعن في مسامحته فيستحلى الفراغ ويألفه ،
 وقومه ما استطعت بالقرب والملاينة ، فإن أباها فعليك بالغلظة والشدة "[1]
وهذا ما يؤكده ابن سينا في ( السياسة ) حيث يقول :
 " إنه من الضروري البدء بتهذيب الطفل وتعويده ممدوح الخصال منذ الفطام ، وقبل أن ترسخ فيه العادات المذمومة ، التي يصعب إزالتها إذا تمكنت من نفس الطفل ، أما إذا اقتضت الضرورة الالتجاء إلى العقاب فإنه يجب مراعاة منتهى الحيطة والحذر.
فلا يؤخذ الوليد أولا بالعنف ، وإنما بالتلطف ثم تمزح الرغبة بالرهبة ، وتارة يستخدم العبوس ، أو ما يستدعيه التأنيب . وذلك وفق كل حالة خاصة ....ولكن الالتجاء إلى الضرب لا يكون إلابعد التهديد والوعيد وتوسط الشفعاء لإحداث الأثر المطلوب في نفس الطفل "
ولقد تبين من الدراسات والأبحاث التي أعدت حديثاً (أن الأطفال الذين تم معاقبتهم بقسوة في منازلهم كانوا أكثر احتمالاً أن يكونوا منحرفين، وضد المجتمع في مرحلة المراهقة، وأكثر عدوانية مع الأطفال الآخرين والمعلمين.

فالطفل عندما يتعامل بالقوة الجسمية، فإنه يتعلم، ليس فقط أن العدوان طريقة مؤثرة وفعالة للوالدين للحصول على ما يريدونه، وإنما في نفس الوقت يتعلم كيف يستخدم العنف والعدوان لأغراضه الخاصة في مواقف أخرى.
 كذلك دلت الدراسات على أن القسوة في عقاب الأطفال على عدوانهم في المنزل، يرتبط ارتباطاً موجباً بمقدار ما يبديه الأطفال من عدوان في خيالاتهم وأوهامهم.
ومعنى هذا أن الأطفال الذين يشتد آبائهم في عقابهم، يزد عندهم العدوان في أفعالهم الوهمية بالدمى والعرائس وما إليها.
وأخيراً يمكن القول أن هناك صلة بين ما يلقاه الطفل في مرحلة تنشئته والدياً،
 واجتماعياً من أساليب معاملة بالتسلط والقسوة والاهمال والرفض وبين العدوان..)[2]
وللحديث بقية.




[1] ) ابن خلدون في المقدمة ، دار مكتبة الهلال ـ بيروت ـ 1983 هـ
[2] )دكتور أحمد السيد محمد إسماعيل(مشكلات الطفل السلوكية وأساليب معاملة الوالدين ص142-143)- دار الفكر الجامعي- الاسكندرية-ط2-1995م

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More