بقلم: عادل فتحي عبدالله
تمهيد:
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه والتابعين.
وبعد:
فإنه مما لا شك فيه أن مسؤولية تربية الأبناء مسؤولية عظيمة، ومهمة جليلة، وتحتاج منا جميعًا الكثير من الجهد والفكر والعلم والمعرفة، فلم تعد التربية كما كانت في السابق مهمة سهلة ميسورة من الممكن أن تُترك للظروف، أو للمؤسسات التعليمية وحدها، أو للمؤسسات الاجتماعية المختلفة، فقد تغيرت الظروف، وتطور المجتمع، وتقدمت وسائله، وتطورت أدواته.
كما لم يعد مقنعًا أن نربي أبنائنا كما تربينا نحن، وبنفس الطرق التقليدية القديمة، إن التربية اليوم تحتاج إلى علم وفن ودراية بنفسية الأبناء وطرائق تفكيرهم، ولقد دلت الأبحاث والدراسات الحديثة على الآثار الخطيرة التي تتركها التربية الخاطئة للطفل على مستقبله.
فكثير من العقد النفسية التي يتعرض لها الطفل في مراحله الأولى تترك في حياته ندبًا وآثارًا ضارة لا تنمحي مع الزمن، وتؤثر تأثيرًا كبيرًا في طرق تعاطيه مع معطيات الأحداث والوقائع المختلفة.
ولا شك أن للطفولة مشاكل يومية كثيرة، وأن التعامل مع هذه المشاكل يحتاج منا إلى فهم لطبيعتها ووعي وإدراك لأبعادها، وبعد نظر لما ورائها، وهذا كله لا يتأتى من دون قراءة وإطلاع لعالم الطفولة المليء بالأسرار.
الكذب عند الأطفال هل هو مشكلة حقًا؟!!
بعد أن تناول أحمد وجبة الإفطار قال لأمه: لقد أمسكت القطة منذ قليل من ذيلها، والحقيقة أن أحمد لم يخرج من البيت، ولم يرَ أي قطة..
ترى هل أحمد يكذب؟!
إن هناك أحد أمرين: إما أنه يتخيل أنه قد أمسك قطة من ذيلها..
وإما أن هذا حدث فعلاً لكن في المنام..
* الكذب الخيالي*
إن الطفل في المرحلة العمرية من (2: 5) سنوات لا يستطيع التفرقة بدقة بين الواقع والخيال، فيخلط بينهما، حتى الأحلام قد يحكيها على أنها حقائق.
إن هذا الموضوع قد يستمر في حالات نادرة مع طفل المرحلة الابتدائية، ففي إحدى المدارس الأهلية في مدينة (جدة) بعد أن ذهب أحد الأطفال إلى بيته في يوم من الأيام، حكى لوالده أن الأستاذ فلان أخذه من يده وذهب به إلى البحر، ومشيا سويًا على الشاطئ، فاتصل الأب مباشرتًا بالمدرسة مستنكرًا ما حدث، وكادت أن تحدث مشكلة كبيرة للمعلم.
حيث أن المعلم لم يخرج مطلقًا من المدرسة في ذلك اليوم، وكذا الطفل لم يغادر المدرسة إلا عند وقت الانصراف.
لكن ماذا يفعل الجميع، والطفل يدّعي أن هذا حدث؟! وفي اليوم التالي حين جاء الأب بالابن ليستنكر ما حدث وليحقق في الموضوع، وتبين له بما لا يدع مجالاً للشك أن الابن لم يغادر المدرسة إلا وقت الانصراف، عُرض الطفل على المرشد الطلابي، والذي توقع أن يكون هذا الموضوع حلمًا لدى الطفل، فأخذ الطفل، وسأله: أنت طبعًا يا بني تحب الأستاذ فلان؟، قال: نعم، قال: ربما أنك حلمت أن الأستاذ فلان أخذك في رحلة إلى البحر؟ قال الطفل: نعم..
فقد كان الموضوع كله حلمًا، لا حقيقة له، وتم حل الموضوع، بحمد الله..
إن غالبية الأطفال دون الخامسة لا يفرقون بين الواقع والخيال، وبعض الأطفال في الصفوف المبكرة في المرحلة الابتدائية كذلك يخلطون بين الواقع والخيال ولهذا يجب على الآباء أن يدركوا هذا الموضوع ولا يتسرعوا في الحكم على الأشياء قبل التثبت والتأكد.
إن هذا النوع من الكذب يسمى (الكذب الخيالي)، وهو كذب مؤقت يزول مع تقدم الطفل في العمر.
لكن ينبغي على الوالدين أن يبينا للطفل الفرق بين الواقع والخيال، وأن هذا الذي يدعيه الطفل إنما هو تخيل.. ليس ذلك في كل الأمور طبعًا، فليسمحا له ببعض التخيل، مدركين أن هذه مرحلة، وسوف تمر بسلام إن شاء الله.
* الكذب الدفاعي *
هذا النوع من الكذب شائع بين الأطفال عمومًا، وهو كذب لدفع العقاب والأذى، فإذا كسر الطفل شيئًا مهمًا فلابد أنه سينكر هذا الفعل، لدفع الأذى والعقاب عنه، خصوصًا إذا كان الوالد يسرف في عقاب الطفل.
فالوعيد الشديد والعقاب المبالغ فيه سيؤديان هنا لمزيد من الكذب والإنكار، وحتى نعود الطفل على الصراحة وقول الحقيقة، ينبغي أن نراعي ظروفه، وقدراته، ونلتمس له العذر في كثير من الأحيان، ولا نعاقبه كما نفعل مع الكبار الذين يفهمون ويعقلون ويدركون.
وحتى لا يكبر هذا النوع من الكذب الدفاعي مع كبر الطفل، ينبغي علينا أن نتعامل مع الطفل بنوع من الحكمة، ونشجعه على قول الحقيقة، ولا نكثر من التهديد والوعيد.
* الكذب الانتقامي*
وينشأ هذا النوع من الكذب لدى الأطفال نتيجة لشعور الطفل بالرغبة في الانتقام من أحد الزملاء، والذي ربما يكون قد تسبب له في الأذى، ولم يستطع هو الدفاع عن نفسه، فيتهم ذلك الطفل بعمل ما شنيع لينال عقابًا رادعًا.
أو يحدث نتيجة للغيرة من ذلك الطفل لسبب ما، وكثيرًا ما يلجأ الأطفال لمثل هذا النوع من الكذب، حتى على الأشياء البسيطة والتافهة.
إن الرغبة في الانتقام لدى الأطفال تكون قوية وجامحة وذلك لأنهم ينفعلون بقوة وبسرعة، وإن كانوا يهدأون بسرعة، وينسون بسرعة، إن الكذب الانتقامي عادة ما يستمر لدى الأطفال في سنواتهم المبكرة، لكن المشكلة الحقيقية هي أن بعض الآباء والأمهات قد يساعد في تفاقم هذه المشكلة وليس في دحرها والقضاء عليها.
وذلك بأحد أمرين:
الأمر الأول: تفضيل أحد الأبناء على الآخر وإظهار ذلك في طريقة التعامل أمام الآخرين، مما يدفع إخوته للانتقام منه عن طريق حيلة الكذب وإدعاء ما لم يحدث منه، بغية أن يعاقبه الوالدان.
الأمر الثاني: أن بعض الآباء يصدق هذا الكذب، ويعاقب المدعي عليه بغير تحقيق في الأمر، مما يجعل الطفل الكاذب يكرر هذا الخطأ مرة ومرة، لأنه قد وجد نتيجة إيجابية من هذا الكذب، وعلى الوالدين أن يمتلكا الحس الذي يستطيعون به أن يفرقوا بين كذب الأطفال، وبين صدقهم، وهذا يأتي بالخبرة والفطنة، والملاحظة المستمرة للأطفال.
وللحديث بقية..
0 التعليقات:
إرسال تعليق