Featured Video

الاثنين، 10 مارس 2014

إلى المربي الناجح(2)


إلى المربي الناجح(2)[i]



(الحلقة الثانية)
وظيفة المعلم :
إن وظيفة المعلم لا تقف عند حشو الطلاب بالمعلومات فحسب ، بل يتجاوزها إلى تربية شاملة تقوم على تصفية العقائد والسلوك ، مما ينافي الدين القويم ، فعلى المعلم الناجح أن يجعل كلام طلابه وسلوكهم في الفصل مستمداً من الهدي النبوي الصحيح ، قال الله تعالى :
{قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } .
وسيرة الرسول صلى الله عليه وسلم تدل على أنه كان مربياً حكيماً ، ومعلماً ، ومرشداً ، وناصحاً ، ورءوفاً ، ومحبوباً ، ومخلصاً .
فعلى المعلم أن يتصف بهذه الأوصاف ، ولا سيما الإخلاص ، فعليه أن يخلص عمله لله ، ولا ينظر إلى المال ، فـإن أعطي ولو قليلاً شكر ، وإن لم يعط صبر ، وسيرزقه الله تعالى في الدنيا ، ويكتب له الأجر في الآخرة .

من واجبات المعلم :
1-   إلقاء السلام : على المعلم إذا دخل الفصل أن يسلم فيقول : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، وليعلم أن هذا السلوك الإسلامي العظيم يقوي أواصر المحبة والثقة بين الطلاب بعضهم مع بعض ، وبين المعلم والطلاب ، ذلك لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : (أو لا أدلكم على شئ إذا فعلتموه تحاببتم ، أفشوا السلام بينكم)
ولا يغني إن السلام كلمة " صلاح الخير أو مساء الخير" ، ولا بأس بها بعد السلام مع تغيير لها كأن يقول " صبحك الله بالخير ، فتحمل معنى الدعاء ، ولا بد عنا من التنبيه علـى شئ مُهم قد وقع فيه كثير من المعلمين - سامحهم الله - تأثراً بالعادات والتقاليد ، وهو تمثل قياماً لمعلمهم زاعمين أن هذا من الأدب المطلوب ، وأنه رمز لتوقير المعلم وتبجيله ، وقد أخطأوا ، فما يسمى خلاف الشرع أدباً إلا في قاموس المعرضين عن شرع الله ، ذلك أن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : ( ما كان شخـص أحب إليهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكانوا إذا رأوه لم يقوموا له ، لما يعلمون من كراهيته لذلك) .
       وقال الرسول صلى الله عليه وسلم يحذر الناس من عادة القيام : (من أحب أن يتمثل له الناس قياماً ، فليتبوأ مقعده من النار) .
ويجـوز لصاحب البيت أن يقوم إلى استقبال ضيوفه ، أو يقوم إلى معانقة قادم من سفر ، لأن الصحابة رضوان الله عليهم فعلوه ، وهو من إكرام الضيف ، والترحيب بالقادم .

ولا عبرة بقول الشاعر :
قم للمعلم وفه التبجيلا      كاد المعلم أن يكون رسولا
لمخالفته قول الرسول صلى الله عليه وسلم الذي كره القيام له ، وهدد من أحبه بدخول النار ، علماً بأن الاحترام لا يكون بالقيام ، بل يكون بالطاعة ، وامتثال الأمر ، وإلقاء السلام والمصافحة ، وغيرها من الآداب .
2-   من واجب المعلم أن يعلم طلابه الاستعانة بالله ، ويعلمهم حديث ابن عباس رضي الله عنهما ، وهو قوله صلى الله عليه وسلم : ( إذا سألت فاسأل الله ، وإذا استعنت فاستعن بالله).
3-   إن يحذر المعلم طلابه من الشرك : وهو صرف العبادة لغير الله : كدعاء الأنبياء والصالحين وغيرهم ، عملاً بوصية لقمان لولده التي قال فيها :
       {وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} .
4-   على المعلم أن يعلم طلابه الصلاة في المدرسة ، ويأخذهم إلى المسجد ليصلوا مع الجماعة ، ويشرف عليهم بنفسه ليتعلموا آداب المسجد ، فيدخلوه بنظام وهدوء ، ويبدأ بتعليم الطلاب الوضوء والصلاة منذ السابعة للبنت والصبي على السواء لقوله صلى الله عليه وسلم : ( علموا أولادكم الصلاة إذا بلغوا سبعاً ، وأضربوهم عليها إذا بلغوا عشراً ، وفرقوا بينهم في المضاجع) .
5-   وعلى المربي أن يعلم طلابه التوكل على الله كما قال موسى لقومه :
       {وَقَالَ مُوسَى يَا قَوْمِ إِن كُنتُمْ آمَنتُم بِاللّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّسْلِمِينَ} .
       وقوله صلى الله عليه وسلم : ( لو أنكم توكلون على الله حق توكله لرزقكم كما ترزق الطير تغدو خماصاً ، وتعود بطاناً) .
       وأن الأخذ بالأسباب واجب ، لقوله صلى الله عليه وسلم لصاحب الناقة : ( أعقلها وتوكل) .
6-   على المدرس كذلك أن يغرس روح التضحية والجهاد في سبيل الله ضد أعداء الإسلام من الكفرة ، واليهود ، والملحدين ، وأن يربط أذهان الطلاب بأمجاد سلفهم ، وغزوات نبيهم محمد صلى الله عليه وسلم ، ويشحذ هممهم على التآسي بصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم في إيمانهم وأخلاقهم .
7-   ثم إن عليه أن يقنع طلبته أن العرب قوم أعزهم الله بالإسلام ، فمهما ابتغوا العزة في غيره أذلهم الله كما قال عمر رضي الله عنه .
       فلا نصر على الكفار إلا بالرجوع إلى تحكيم كتاب الله ، وسنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم في حياتنا وأمورنا كلها ، مع إعداد القوة من الأسلحة الحديثة ، والشباب المسلم المدرب ، الذي يكون قد تربى على الرجولة وتشبع بالأيمان ، والتزم النهج الصحيح ، والعقيدة السليمة .
       وعليه فيمكننا القول بأن المعلم في استطاعته إذا أخلص في عمله والتزم المنهج الإسلامي في تربيته وتعليمه أن يبني جيلاً قوياً يمكنه دفع عدوان المعتدين ، وأن يحمل راية التوحيد ليدك حصون الكفر والشرك ، ويحرر الإنسانية الحائرة ، فيرشدها إلى ربها ويعرفها بخالقها ، ويخلصها من الظلم الذي تعيش فيه ، لذلك خاطب الله تعالى رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم - المعلم الأول والمربي الكبير بقوله :
       {الَر كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ} .
       ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم عن نفسه : ( إنما أنا رحمة مهداة) .
       فعلى المربي والمعلم أن يجعل قدوته ، وقدوة طلابه رسول رب العالمين إلى الناس أجمعين لأن الله وصفه بقوله عز وجل :
       {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ }
8-   على المعلم أن يحذر طلابه من المبادئ الهدامة ، كالشيوعية الملحدة ، والماسونية اليهودية ، والاشتراكية الماركسية ، والعلمانية الخالية من الدين ، والقومية التي تفضل غير المسلم العربي على المسلم الأعجمي لقول الله تعالى :
       {وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ}
       ويحذرهم من الديكتاتورية والديمقراطية التي تحكم بغير شرع الله .
9-   تحذير الطلبة من عقوق الوالدين ، ووجوب طاعتهما في غير معصية الله ، لقول الله تعالى : {وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا}


وصايا لقما الحكيم لإبنه :
قال الله تعالى : {وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ}
هذه وصايا نافعة حكاها الله تعالى عن لقمان الحكيم :
1-   {يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ}  
       احذر الشرك في عبادة اله ، كدعاء الأموات أو الغائبين ، فقد قال صلى الله عليه وسلم (الدعاء هو العبادة) .
       ولما نزل قول الله تعالى : {الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ}
       شق  ذلك على المسلمين ، وقالوا : أينا لا يظلم نفسه ؟ ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ليس ذلك ، إنما هو الشرك ، ألم تسمعوا قول لقمان لإبنه : يا بني لا تشرك بالله ، إن الشرك لظلم عظيم) .
2-   {وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ} .
       ثم قرن وصيته إياه بعبادة الله وحده البر بالوالدين لعظم حقهما ، فالأم حملت ولدها بمشقة ، والأب تكفل بالإنفاق ، فاستحقا من الولد الشكر لله ولوالديه .
3-   {وَإِن جَاهَدَاكَ عَلى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ}
       قال ابن كثير ( أي أن حرصا عليك كل الحرص أن تتبعهما على دينهما ، فلا تقبل منهما ذلك ، ولا يمنع ذلك من أن تصاحبهما في الدنيا معروفاً أي محسناً اليهما ، واتبع سبيل المؤمنين) .
       أقول يؤيد هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم : ( لا طاعة لأحد في معصية الله ، إنما الطاعة في المعروف) .
4-   {يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِن تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ فَتَكُن فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ} .
       قال ابن كثير : أي إن المظلمة أو الخطيئة لو كانت مثقال حبة خردل أحضرها الله تعالى يوم القيامة حين يضع الموازين القسط ، وجازى عليها إن خيراً فخير ، وإن شراً فشر.
5-   {يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ} : أدها بأركانها وواجباتها بخشوع .
6-   {وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ} : بلطف ولين بدون شدة .
7-   {وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ} : علم أن الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر سيناله أذى فأمره بالصبر ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم ، أفضل من المؤمن الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم) .
8-   {إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ} : أي إن الصبر على الناس لمن عزم الأمور .
9-   {وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ} : قال ابن كثير : لا تعرض بوجهك عن الناس إذا كلمتهم احتقاراً منك لهم ، واستكباراً عليهم ، ولكن ألن جانبك وأبسط وجهك إليهم ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( تبسمك في وجه أخيك لك صدقة) .
10-  {وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً}  : أي خيلاء متكبراً جباراً عنيداً ، لا تفعل ذلك يبغضك الله ، ولهذا قال الله تعالى : {إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ}
       أي مختال معجب في نفسه ، فخور على غيره .
11-  {وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ} : أي أمش مشياً مقتصداً ، ليس بالبطئ المتثبط ، ولا بالسريع المفرط ، بل عدلاً وسطاً بين بين .
12-  {وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَِ}  : أي لا تبالغ في الكلام ، ولا ترفع صوتك فيما لا فائدة فيه ، ولهذا قال تعالى : {إِنَّ أَنكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ} .
       قال مجاهد : إن أقبح الأصوات لصوت الحمير : أي غاية من رفع صوته أنه يشبه بالحمير في علوه ورفعه ، ومع هذا هو بغيض إلى الله ، وهذا التشبيه بالحمير يقتضي تحريمه وذمه غاية الذم ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( ليس لنا مثل السوء ، العائد في هبته كالكلب يعود في قيئه) .
       (إذا سمعتم أصوات الديكة فسلوا الله من فضله ، فإنها رأت ملكاً ، وإذا سمعتم نهيق الحمير فتعوذوا بالله من الشيطان ، فإنها رأت شيطاناً) .

من هداية الآية
1-   مشروعية وصية الوالد لابنه بما ينفعه في الدنيا والآخرة .
2-   البدء بالتوحيد والتحذير من الشرك لأنه ظلم يحبط الأعمال .
3-   وجوب الشكر لله ، وللوالدين ، ووجوب برهما وصلتهما .
4-   لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق إنما الطاعة في المعروف .
5-   وجوب إتباع سبيل المؤمنين الموحدين ، وتحريم إتباع المبتدعين .
6-   مراقبة الله تعالى في السر والعلن ، وعدم الاستخفاف بالحسنة والسيئة مهما قلت أو صغرت .
7-   وجوب إقام الصلاة بأركانها وواجباتها والاطمئنان فيها .
8-   وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر باللطف حسب استطاعته .
قال صلى الله عليه وسلم : ( من رأى منكم منكراً فليغيره بيده ، فإن لم يستطع فبلسانه ، فإن لم يستطع فبقلبه ، وذلك أضعف الإيمان) .
9-   الصبر على ما يلحق الآمر والناهي من أذى ، وأنه من عزم الأمور .
10-  تحريم التكبر والاختيال في المشي .
11-  الاعتدال في المشي مطلوب ، فلا يُسرع ولا يُبطئ .
12-  عدم رفع الصوت زيادة عن الحاجة ، لأنه من عادة الحمير .





[i] ) من بحث (نداء إلى المربين والمربيات لتوجيه البنين والبنات) –أ/محمد جميل زينو

0 التعليقات:

إرسال تعليق

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More