(الحلقة
الثانية)
وظيفة
المعلم :
إن
وظيفة المعلم لا تقف عند حشو الطلاب بالمعلومات فحسب ، بل يتجاوزها إلى تربية
شاملة تقوم على تصفية العقائد والسلوك ، مما ينافي الدين القويم ، فعلى المعلم
الناجح أن يجعل كلام طلابه وسلوكهم في الفصل مستمداً من الهدي النبوي الصحيح ، قال
الله تعالى :
{قُلْ
إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ
لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } .
وسيرة
الرسول صلى الله عليه وسلم تدل على أنه كان مربياً حكيماً ، ومعلماً ، ومرشداً ،
وناصحاً ، ورءوفاً ، ومحبوباً ، ومخلصاً .
فعلى
المعلم أن يتصف بهذه الأوصاف ، ولا سيما الإخلاص ، فعليه أن يخلص عمله لله ، ولا
ينظر إلى المال ، فـإن أعطي ولو قليلاً شكر ، وإن لم يعط صبر ، وسيرزقه الله تعالى
في الدنيا ، ويكتب له الأجر في الآخرة .
من
واجبات المعلم :
1- إلقاء
السلام : على المعلم إذا دخل الفصل أن يسلم فيقول : السلام عليكم ورحمة الله
وبركاته ، وليعلم أن هذا السلوك الإسلامي العظيم يقوي أواصر المحبة والثقة بين
الطلاب بعضهم مع بعض ، وبين المعلم والطلاب ، ذلك لأن رسول الله صلى الله عليه
وسلم يقول : (أو لا أدلكم على شئ إذا فعلتموه تحاببتم ، أفشوا السلام بينكم)
ولا
يغني إن السلام كلمة " صلاح الخير أو مساء الخير" ، ولا بأس بها بعد
السلام مع تغيير لها كأن يقول " صبحك الله بالخير ، فتحمل معنى الدعاء ، ولا
بد عنا من التنبيه علـى شئ مُهم قد وقع فيه كثير من المعلمين - سامحهم الله -
تأثراً بالعادات والتقاليد ، وهو تمثل قياماً لمعلمهم زاعمين أن هذا من الأدب
المطلوب ، وأنه رمز لتوقير المعلم وتبجيله ، وقد أخطأوا ، فما يسمى خلاف الشرع
أدباً إلا في قاموس المعرضين عن شرع الله ، ذلك أن أنس بن مالك رضي الله عنه قال :
( ما كان شخـص أحب إليهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكانوا إذا رأوه لم
يقوموا له ، لما يعلمون من كراهيته لذلك) .
وقال
الرسول صلى الله عليه وسلم يحذر الناس من عادة القيام : (من أحب أن يتمثل له الناس
قياماً ، فليتبوأ مقعده من النار) .
ويجـوز
لصاحب البيت أن يقوم إلى استقبال ضيوفه ، أو يقوم إلى معانقة قادم من سفر ، لأن
الصحابة رضوان الله عليهم فعلوه ، وهو من إكرام الضيف ، والترحيب بالقادم .
ولا
عبرة بقول الشاعر :
قم
للمعلم وفه التبجيلا كاد المعلم أن
يكون رسولا
لمخالفته
قول الرسول صلى الله عليه وسلم الذي كره القيام له ، وهدد من أحبه بدخول النار ،
علماً بأن الاحترام لا يكون بالقيام ، بل يكون بالطاعة ، وامتثال الأمر ، وإلقاء
السلام والمصافحة ، وغيرها من الآداب .
2- من
واجب المعلم أن يعلم طلابه الاستعانة بالله ، ويعلمهم حديث ابن عباس رضي الله
عنهما ، وهو قوله صلى الله عليه وسلم : ( إذا سألت فاسأل الله ، وإذا استعنت
فاستعن بالله).
3- إن
يحذر المعلم طلابه من الشرك : وهو صرف العبادة لغير الله : كدعاء الأنبياء
والصالحين وغيرهم ، عملاً بوصية لقمان لولده التي قال فيها :
{وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ
يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} .
4- على
المعلم أن يعلم طلابه الصلاة في المدرسة ، ويأخذهم إلى المسجد ليصلوا مع الجماعة ،
ويشرف عليهم بنفسه ليتعلموا آداب المسجد ، فيدخلوه بنظام وهدوء ، ويبدأ بتعليم
الطلاب الوضوء والصلاة منذ السابعة للبنت والصبي على السواء لقوله صلى الله عليه
وسلم : ( علموا أولادكم الصلاة إذا بلغوا سبعاً ، وأضربوهم عليها إذا بلغوا عشراً
، وفرقوا بينهم في المضاجع) .
5- وعلى المربي أن يعلم طلابه التوكل على الله كما
قال موسى لقومه :
{وَقَالَ مُوسَى يَا قَوْمِ إِن كُنتُمْ آمَنتُم
بِاللّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّسْلِمِينَ} .
وقوله
صلى الله عليه وسلم : ( لو أنكم توكلون على الله حق توكله لرزقكم كما ترزق الطير
تغدو خماصاً ، وتعود بطاناً) .
وأن
الأخذ بالأسباب واجب ، لقوله صلى الله عليه وسلم لصاحب الناقة : ( أعقلها وتوكل) .
6- على
المدرس كذلك أن يغرس روح التضحية والجهاد في سبيل الله ضد أعداء الإسلام من الكفرة
، واليهود ، والملحدين ، وأن يربط أذهان الطلاب بأمجاد سلفهم ، وغزوات نبيهم محمد
صلى الله عليه وسلم ، ويشحذ هممهم على التآسي بصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم
في إيمانهم وأخلاقهم .
7- ثم
إن عليه أن يقنع طلبته أن العرب قوم أعزهم الله بالإسلام ، فمهما ابتغوا العزة في
غيره أذلهم الله كما قال عمر رضي الله عنه .
فلا
نصر على الكفار إلا بالرجوع إلى تحكيم كتاب الله ، وسنة نبيه محمد صلى الله عليه
وسلم في حياتنا وأمورنا كلها ، مع إعداد القوة من الأسلحة الحديثة ، والشباب
المسلم المدرب ، الذي يكون قد تربى على الرجولة وتشبع بالأيمان ، والتزم النهج
الصحيح ، والعقيدة السليمة .
وعليه
فيمكننا القول بأن المعلم في استطاعته إذا أخلص في عمله والتزم المنهج الإسلامي في
تربيته وتعليمه أن يبني جيلاً قوياً يمكنه دفع عدوان المعتدين ، وأن يحمل راية
التوحيد ليدك حصون الكفر والشرك ، ويحرر الإنسانية الحائرة ، فيرشدها إلى ربها
ويعرفها بخالقها ، ويخلصها من الظلم الذي تعيش فيه ، لذلك خاطب الله تعالى رسوله
محمداً صلى الله عليه وسلم - المعلم الأول والمربي الكبير بقوله :
{الَر كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ
النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ
الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ}
.
ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم عن نفسه :
( إنما أنا رحمة مهداة) .
فعلى
المربي والمعلم أن يجعل قدوته ، وقدوة طلابه رسول رب العالمين إلى الناس أجمعين
لأن الله وصفه بقوله عز وجل :
{وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ
}
8- على
المعلم أن يحذر طلابه من المبادئ الهدامة ، كالشيوعية الملحدة ، والماسونية
اليهودية ، والاشتراكية الماركسية ، والعلمانية الخالية من الدين ، والقومية التي
تفضل غير المسلم العربي على المسلم الأعجمي لقول الله تعالى :
{وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن
يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ}
ويحذرهم من الديكتاتورية والديمقراطية التي
تحكم بغير شرع الله .
9- تحذير الطلبة من عقوق الوالدين ، ووجوب طاعتهما
في غير معصية الله ، لقول الله تعالى : {وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ
وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا
أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا
قَوْلاً كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل
رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا}
وصايا
لقما الحكيم لإبنه :
قال
الله تعالى : {وَإِذْ
قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ}
هذه
وصايا نافعة حكاها الله تعالى عن لقمان الحكيم :
1- {يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ
لَظُلْمٌ عَظِيمٌ}
احذر
الشرك في عبادة اله ، كدعاء الأموات أو الغائبين ، فقد قال صلى الله عليه وسلم
(الدعاء هو العبادة) .
ولما نزل قول الله تعالى : {الَّذِينَ آمَنُواْ
وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ}
شق ذلك على المسلمين ، وقالوا : أينا لا يظلم نفسه
؟ ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ليس ذلك ، إنما هو الشرك ، ألم تسمعوا
قول لقمان لإبنه : يا بني لا تشرك بالله ، إن الشرك لظلم عظيم) .
2- {وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ
أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي
وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ} .
ثم قرن وصيته إياه بعبادة الله وحده البر
بالوالدين لعظم حقهما ، فالأم حملت ولدها بمشقة ، والأب تكفل بالإنفاق ، فاستحقا
من الولد الشكر لله ولوالديه .
3- {وَإِن جَاهَدَاكَ عَلى
أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا
فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ
مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ}
قال
ابن كثير ( أي أن حرصا عليك كل الحرص أن تتبعهما على دينهما ، فلا تقبل منهما ذلك
، ولا يمنع ذلك من أن تصاحبهما في الدنيا معروفاً أي محسناً اليهما ، واتبع سبيل
المؤمنين) .
أقول
يؤيد هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم : ( لا طاعة لأحد في معصية الله ، إنما
الطاعة في المعروف) .
4- {يَا بُنَيَّ إِنَّهَا
إِن تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ فَتَكُن فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي
السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ
خَبِيرٌ} .
قال
ابن كثير : أي إن المظلمة أو الخطيئة لو كانت مثقال حبة خردل أحضرها الله تعالى
يوم القيامة حين يضع الموازين القسط ، وجازى عليها إن خيراً فخير ، وإن شراً فشر.
5- {يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ} : أدها بأركانها وواجباتها
بخشوع .
6- {وَأْمُرْ
بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ} : بلطف ولين
بدون شدة .
7- {وَاصْبِرْ
عَلَى مَا أَصَابَكَ} : علم أن الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر
سيناله أذى فأمره بالصبر ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( المؤمن الذي يخالط
الناس ويصبر على أذاهم ، أفضل من المؤمن الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم)
.
8- {إِنَّ
ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ} : أي إن الصبر على الناس لمن عزم الأمور
.
9- {وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ
لِلنَّاسِ} : قال ابن كثير : لا تعرض بوجهك عن الناس إذا كلمتهم
احتقاراً منك لهم ، واستكباراً عليهم ، ولكن ألن جانبك وأبسط وجهك إليهم ، قال
النبي صلى الله عليه وسلم : ( تبسمك في وجه أخيك لك صدقة) .
10- {وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ
مَرَحاً} : أي خيلاء متكبراً
جباراً عنيداً ، لا تفعل ذلك يبغضك الله ، ولهذا قال الله تعالى : {إِنَّ
اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ}
أي مختال معجب
في نفسه ، فخور على غيره .
11- {وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ} :
أي أمش مشياً مقتصداً ، ليس بالبطئ المتثبط ، ولا بالسريع المفرط ، بل عدلاً وسطاً
بين بين .
12- {وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَِ} : أي لا تبالغ في الكلام ، ولا ترفع صوتك فيما
لا فائدة فيه ، ولهذا قال تعالى : {إِنَّ أَنكَرَ الْأَصْوَاتِ
لَصَوْتُ الْحَمِيرِ} .
قال مجاهد : إن أقبح الأصوات لصوت الحمير :
أي غاية من رفع صوته أنه يشبه بالحمير في علوه ورفعه ، ومع هذا هو بغيض إلى الله ،
وهذا التشبيه بالحمير يقتضي تحريمه وذمه غاية الذم ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم
قال : ( ليس لنا مثل السوء ، العائد في هبته كالكلب يعود في قيئه) .
(إذا سمعتم أصوات الديكة فسلوا الله من
فضله ، فإنها رأت ملكاً ، وإذا سمعتم نهيق الحمير فتعوذوا بالله من الشيطان ،
فإنها رأت شيطاناً) .
من هداية الآية
1- مشروعية وصية الوالد
لابنه بما ينفعه في الدنيا والآخرة .
2- البدء بالتوحيد
والتحذير من الشرك لأنه ظلم يحبط الأعمال .
3- وجوب الشكر لله ،
وللوالدين ، ووجوب برهما وصلتهما .
4- لا طاعة لمخلوق
في معصية الخالق إنما الطاعة في المعروف .
5- وجوب إتباع سبيل
المؤمنين الموحدين ، وتحريم إتباع المبتدعين .
6- مراقبة الله تعالى في السر والعلن ، وعدم
الاستخفاف بالحسنة والسيئة مهما قلت أو صغرت .
7- وجوب إقام الصلاة
بأركانها وواجباتها والاطمئنان فيها .
8- وجوب الأمر
بالمعروف والنهي عن المنكر باللطف حسب استطاعته .
قال صلى الله عليه وسلم : ( من رأى منكم
منكراً فليغيره بيده ، فإن لم يستطع فبلسانه ، فإن لم يستطع فبقلبه ، وذلك أضعف
الإيمان) .
9- الصبر على ما
يلحق الآمر والناهي من أذى ، وأنه من عزم الأمور .
10- تحريم التكبر
والاختيال في المشي .
11- الاعتدال في
المشي مطلوب ، فلا يُسرع ولا يُبطئ .
12- عدم رفع الصوت
زيادة عن الحاجة ، لأنه من عادة الحمير .
0 التعليقات:
إرسال تعليق