Featured Video

الأحد، 9 مارس 2014

تنمية الجانب الإيماني لدى الأبناء

تنمية الجانب الإيماني لدى الأبناء[i]

حين نتحدث عن الإيمان بمفهومه الشرعي فنحن نتحدث عن الدين كله بكافة جوانبه، فالإيمان شعب أعلاها قول لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق.
 فالتربية الإيمانية بهذا المفهوم تشمل كافة جوانب التربية، بدءاً بتصحيح الاعتقاد والصلة بالله عز وجل، وانتهاءً بغرس الآداب العامة والخاصة، وتشمل كل ما يعين على القيام بواجبات الإيمان من علم ودعوة،
وإعداد للإنسان للقيام بهذه المهام. لكنها تطلق باصطلاح أخص، يشمل جوانب الصلة بالله عز وجل وتحقيق التقوى والإيمان، وهو الاصطلاح السائد في الأدبيات التربوية اليوم بديلاً لاصطلاح (التربية الروحية) الذي يمثل تأثراً بالمصطلحات النصرانية والصوفية،

وقد شاع هذا الاصطلاح وغيره نتيجة للاحتكاك الفكري بطوائف شتى من أهل الملل الأخرى والفرق الضالة، ونتيجة لضعف العلم الشرعي لدى كثير ممن يكتب في التربية الإسلامية والفكر الإسلامي.

قال الشيخ بكر أبو زيد: "ومعلوم أن لفظ الروحانية، وهذه البلاد فيها روحانية، وهذه المجالس فيها روحانية، وهكذا كلها مصطلحات صوفية لا عهد للشريعة بها ، فعلى المسلمين تجنبها، وإن كان لها بريق، فعند تأمل البصير لها يجدها خواء، أو تشتمل على منابذة للشريعة بوجه ما" ( 1).

 والأولى الالتزام بالأسماء الشرعية (الإيمان، الإسلام، الصلاح، التقوى، الإحسان، الطاعة، المعصية، الفسوق....وغير ذلك).

ففي غيرها من الألفاظ الطارئة محاذير عدة منها:
1- التشبه بأهل الملل الأخرى والطوائف الضالة.
2- أن هذه الألفاظ والأسماء لا تتلقى مجردة عن دلالاتها ومعانيها، ومن ثم يتسرب الانحراف إلى المعاني بعد أن كان في الألفاظ والأسماء.
 3- أن الأسماء الشرعية لها معان ودلالات لا يفي بها أي اسم أو لفظ آخر
. 4- أن الأسماء الشرعية تترتب عليها أحكام دنيوية كالعدالة التي تعد شرطاً لتولي التربية والتعليم، وقبول الشهادة والرواية…إلخ،

وتترتب عليها أحكام أخروية، فالبعد عنها ينشأ عنه الخلط في هذه الأحكام. وسيكون حديثنا عن الجانب الأخص في التربية الإيمانية، والفصل إنما هو لضرورة البحث، وإلا فالكائن البشري كل لا يتجزأ، والإيمان هو الأصل وهو المبتدأ وإليه المنتهى. أهمية التربية الإيمانية: تبدو أهمية التربية الإيمانية وضرورة الاعتناء بها من خلال أمور عدة، من أهمها ما يلي:
 الأول: الإيمان هو أفضل الأعمال: عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل: أي العمل أفضل؟ فقال: "إيمان بالله ورسوله" قيل: ثم ماذا؟ قال: "الجهاد في سبيل الله" قيل: ثم ماذا؟ قال: "حج مبرور" ( 2).

وعن أبي ذر- رضي الله عنه قال: سألت النبي صلى الله عليه وسلم أي العمل أفضل؟ قال: "إيمان بالله وجهاد في سبيله" قلت: فأي الرقاب أفضل؟ قال: "أعلاها ثمناً وأنفسها عند أهلها" ( 3).

وعن عبد الله بن أبي قتادة عن أبي قتادة أنه سمعه يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قام فيهم فذكر لهم أن الجهاد في سبيل الله والإيمان بالله أفضل الأعمال( 4).

الثاني: الإيمان مناط النجاة يوم القيامة: عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أولا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم" ( 5).

 الثالث: تفاوت الناس يوم القيامة على أساس الإيمان: وهذا التفاوت له ميادين منها:

أ - تفاضل أهل الجنة فيما بينهم؛ فعن أبي سعيد الخدري- رضي الله عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن أهل الجنة ليتراءون أهل الغرف من فوقهم كما تتراءون الكوكب الدري الغابر من الأفق من المشرق أو المغرب لتفاضل ما بينهم" قالوا: يا رسول الله، تلك منازل الأنبياء لا يبلغها غيرهم، قال: "بلى والذي نفسي بيده رجال آمنوا بالله وصدقوا المرسلـــــين" ( 6).

ب - تفاوت العصاة من الموحدين في النار؛ فعن معبد بن هلال العنزي قال: اجتمعنا ناس من أهل البصرة فذهبنا إلى أنس بن مالك -رضي الله عنه- وذهبنا معنا بثابت البناني إليه يسأله لنا عن حديث الشفاعة، فإذا هو في قصره فوافقناه يصلي الضحى، فاستأذنا فأذن لنا وهو قاعد على فراشه،

 فقلنا لثابت: لا تسأله عن شيء أول من حديث الشفاعة، فقال: يا أبا حمزة، هؤلاء إخوانك من أهل البصرة جاءوك يسألونك عن حديث الشفاعة، فقال: حدثنا محمد صلى الله عليه وسلم قال:

" إذا كان يوم القيامة ماج الناس بعضهم في بعض فيأتون آدم...الحديث، وفيه: فأقول يا رب، أمتي أمتي، فيقول: انطلق فأخرج منها من كان في قلبه مثقال شعيرة من إيمان فأنطلق فأفعل، ثم أعود فأحمده بتلك المحامد ثم أخرُّ له ساجداً، فيقال يا محمد، ارفع رأسك، وقل يسمع لك، وسل تعط، واشفع تشفع،

فأقول: يا رب أمتي أمتي فيقول: انطلق فأخرج منها من كان في قلبه مثقال ذرة أو خردلة من إيمان فأخرجه، فأنطلق فأفعل، ثم أعود فأحمده بتلك المحامد ثم أخر له ساجداً، فيقول: يا محمد، ارفع رأسك، وقل يسمع لك، وسل تعط، واشفع تشفع، فأقول: يا رب، أمتي أمتي، فيقول: انطلق فأخرج من كان في قلبه أدنى أدنى أدنى مثقال حبة خردل من إيمان فأخرجه من النار فأنطلق فأفعل" ( 7).

 وفي حديث الشفاعة الطويل: "...فما أنتم بأشد لي مناشدة في الحق قد تبيَّن لكم من المؤمن يومئذ للجبار، وإذا رأوا أنهم قد نجوا في إخوانهم، يقولون: ربنا إخواننا كانوا يصلون معنا، ويصومون معنا، ويعملون معنا، فيقول الله تعالى: اذهبوا، فمن وجدتم في قلبه مثقال دينار من إيمان فأخرجوه،

 ويحرم الله صورهم على النار، فيأتونهم وبعضهم قد غاب في النار إلى قدمه، وإلى أنصاف ساقيه، فيخرجون من عرفوا، ثم يعودون، فيقول: اذهبوا فمن وجدتم في قلبه مثقال نصف دينار فأخرجوه، فيخرجون من عرفوا، ثم يعودون، فيقول: اذهبوا فمن وجدتم في قلبه مثقال ذرة من إيمان فأخرجوه، فيخرجون من عرفوا.. " (8 )

 الرابع: الإيمان هو الأساس والأصل في التربية الإسلامية، وسائر الأمور إنما هي فروع وثمرات لهذا الأصل العظيم، فالسلوك والعلم الشرعي والجهاد والدعوة والكف عن الحرمات إنما هو ثمرة ونتيجة من نتائج تحقق الإيمان.

 وحين نعنى بتربية الإيمان في النفوس، ويأخذ الجانب الإيماني نصيبه وحظه نختصر خطوات عدة، ونوفر الجهد في ميدان ومجال واحد.

الخامس: الإيمان هو الزاد للمرء في مواجهة الشهوات التي عصفت بشباب المسلمين اليوم، وهي مسؤولة عن حالات كثيرة من الإخفاق والتراجع.

 السادس: قوة الإيمان هي العلاج الأنجع لكثير من المشكلات التي يشتكي منها الشباب اليوم (قسوة القلب، ضعف العناية بالعبادات، الفتور...) والاعتناء بتقوية الإيمان والتقوى في النفوس خير من التداعي لعلاج هذه الأمراض بعد وقوعها.

السابع: قوة الإيمان هي أهم ما يعين المرء على الثبات على دين الله، خاصة ونحن اليوم نعاني من كثير من حالات التقهقر والتراجع؛ لذا فحين سأل هرقل أبا سفيان -رضي الله عنه- عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال: "وسألتك أيرتد أحد سخطة لدينه بعد أن يدخل فيه؟ فذكرت أن لا، وكذلك الإيمان حين تخالط بشاشته القلوب" ( 9).

الثامن: قوة الإيمان هي أعظم حاجز بين المرء وبين مواقعة الحرام والمعاصي، قال تعالى عن الشيطان: } إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ{ (النحل:99). وقال صلى الله عليه وسلم:"لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشرب وهو مؤمن، ولا يسرق حين يسرق وهو مؤمن، ولا ينتهب نهبة يرفع الناس إليه فيها أبصارهم حين ينتهبها وهو مؤمن" ( 10)، فالذي يحول بينه وبين الوقوع في هذه المعاصي وغيرها هو الإيمان. وحتى حين يواقعها العبد فالمؤمن هو أقدر الناس على الإقلاع والتوبة }إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ{ (الأعراف:201).

هذه الأمور وغيرها تؤكد على المربين ضرورة إعادة النظر في مدى الاعتناء بالجانب الإيماني في تربيتهم، وأين موقعه ضمن أولوياتهم؟ والنظر السريع اليوم في واقع جيل الصحوة يدعونا إلى إعطاء الجانب الإيماني مزيداً من الرعاية والعناية.

الحاشية   
 ( 1) إن تقرير هذه الحقيقة لا يعني أن المراهق في المجتمع المسلم المعاصر لا يعاني من مشكلات أفرزها الواقع التربوي والاجتماعي والحضارة المعاصرة.
 ( 2)مقاييس اللغة (2/451).
 ( 3) لسان العرب (10/128-131).
 (4 ) سيكيولوجية المراهق المسلم المعاصر. ص 14.
 ( 5) انظر علم نفس النمو. حامد زهران (293).
 ( 6) روى الرامهرمزي (188) بإسناده عن الثوري رحمه الله أنه قال:"يُثغِر الغلام لسبع، ويحتلم لأربع عشرة، ويكمل عقله لعشرين، ثم هو التجارب" قال: وقد رُوِي نحو من هذا عن علي.
 ( 7) يفسر كثير من المربين هذه الظاهرة تفسيراً سيئاً، ويرون أنها من مظاهر العشق، ويبالغون في التعامل معها، ومع أنها قد تؤدي لشيء من ذلك، لكنها سمة طبيعية في هذه المرحلة، وليست بالضرورة مَرَضية.
( 8) تم تلخيص سمات المرحلة من المراجع الآتية: النمو في مرحلة المراهقة. محمد عماد الدين إسماعيل/ المراهقون. عبدالعزيز النغيمشي/ المراهق. نوري الحافظ/محاضرات في سيكيولوجية النمو. جامعة الزقازيق/ سيكيولوجية المراهق المسلم المعاصر. عبدالرحمن العيسوي/ علم نفس النمو. حامد زهران. علم نفس المراحل العمرية.عمر المفدى.
 ( 9) رواه البخاري (1358) ومسلم (2658).
 ( 10) الشعور الديني عند المراهق. عثمان جمعة ضميرية. مجلة البيان ع37 ص59-60.





[i]  ) من بحث (تربية الشباب، الأهداف والوسائل) للدكتور محمد الدويش

0 التعليقات:

إرسال تعليق

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More