Featured Video

الأحد، 2 مارس 2014

حاجة طالب العلم الشرعي للعلوم الإجتماعية(الحلقة الثالثة)

بسم الله الرحمن الرحيم

نستكمل الحلقة الثالثة من بحث (حاجة طالب العلم الشرعي للعلوم الإجتماعية)
للأستاذ/أبو بكر أحمد با قادر
..وفي سياق هذه الطبقة أصبحت قضايا علم الاجتماع تهتم بالكثير من تفاصيل حياة المجتمعات الحديثة في أنماط استهلاكها وأسلوب حياتها وفي العلاقات بين الذكور والإناث وفيما بين الأعراق والأثنيات من خلال زاوية تؤكد على قبول التنوع والاعتراف به ، وعلى مستوى الاقتصاد والتنمية أصبح الاهتمام يتمركز على الشركات عابرة الجنسيات والدول . ومن أبرز علماء هذه الطبقة جيدنز وهابرماس وفيذرستون وغيرهم .
أما الطبقة الخامسة وهي قيد الظهور في الوقت المعاصر فإنها تعمل على دراسة آثار العولمة وحوار أو صراع الحضارات وكيفية تأثير الإمبراطورية الأمريكية في حياة الأرض وسكانها .وفي هذه الطبقة أغلب الحديث عن العولمة والإرهاب والهيمنة الأحادية للسلطة والنفوذ الأمريكي ، ومن ثم ظهرت قضايا تتعلق بنهاية التاريخ والعولمة والإرهاب وصراع الحضارات . ومن أبرز علماءها بيتر بيرغر وهنتغتون وفوكوياما وغيرهم كثير .
اعلموا - أصلحكم الله - أن علم الاجتماع الأكاديمي في " فروعه " يدرس العديد من المباحث التي يمكن تقسيمها بشكل عام إلى مباحث تتعلق بالأنساق العامة مثل الدراسات الأسرية والحضرية والريفية والصناعية وغيرها ، وأخرى تدرس الانحراف والعقاب وعملية إصلاح المجتمع ، وأخرى تركز على أنواع وأصناف من الخدمات الاجتماعية لمواجهة العديد من أوجه الانحراف أو الإعاقة أو الحالات المرضية الطارئة ، بالإضافة إلى العمل على تعميق التصور النظري الموجهة للدراسات الاجتماعية وتدريب الباحثين العاملين في حقل العلوم الاجتماعية من خلال تدريس وتدريب هؤلاء على ما يُعرف بالمناهج الكمية والكيفية الصالحة للعلوم الاجتماعية . ومباحث كتب الفروع هذه تشكل الجزء الأساسي من تأهيل المنتسب لهذا العلم وتُدرَّس في الأقسام العلمية المتخصصة . ولقد تراكمت مراجع عديدة توجز وتصنف بل وحتى تنتقد ما تراكم من معرفة علمية في كل هذه المجالات الفرعية . بل أن العديد من علماء الاجتماع يعملون في مؤسسات عديدة يقدمون فيها الرؤية الاجتماعية التي تسهل تحقيق تلك المؤسسات أهدافها سواء كانت في شكل تسويق لسلع أو تقديم نصائح ومشورات تمكّن المجتمع من استصدار سياسات أو قوانين من شأنها – استناداً لما تعلمه علماء الاجتماع من الواقع المعيشي – أن تجعل الحياة الاجتماعية والثقافية أكثر مناسبة وفعالية للمجتمعات المعاصرة.
وغالباً ما يستفاد من علم النفس الاجتماعي في مجالات عديدة تتعلق بأشكال مختلفة من التفاعل والتعامل بين أفراد المجتمع . كذلك تساعد أبحاثه ودراساته من دراسة السلوك الجمعي ومن ثم تمكن الطرف الممتلك لهذا العلم من السيطرة والتحكم في الجهات الاجتماعية المضادة .
ولقد طوّر علماء الاجتماع وسائل كمية وكيفية عديدة لدراسة وتحليل الواقع الاجتماعي ، ولعل من أبرز هذه الوسائل ما يعرف بالمسوح الاجتماعية واستخدام الوسائل الإحصائية الكمية في تحليل البيانات ، ولتسهيل استخدام الحاسوب في هذه العمليات لتبلغ مكانة عالية يمكن الاعتماد عليها .
ولقد فرض تقدم علم الاجتماع نفسه في المجال العام ، بحيث أصبحت مصطلحاته وأساليبه في الطرح العام غاية في الأهمية والتأثير فيما بين المجتمعات ، ومن ثم أصبح تأثر الدراسات الاجتماعية وبالذات ذات الأسلوب الأنثروبولوجي الميداني ذات تأثير كبير في إقناع الناس وتقديم القضايا وبالذات الثقافية الاجتماعية على أنها تشكل إحاطة علمية موضوعية لها ومن ثم أصبحت موضع تصديق ومصداقية . ولقد أثرت العديد من الدراسات الاجتماعية عن العالم العربي والإسلامي كثيراً في تقديم الصورة المتداولة لمجتمعاتنا ، ومن ثم كان من الضروري والملحّ بالنسبة لنا أن نعرف عن كثب هذه الدراسات ، أولاً لنفيد منها فهي قائمة على ما يقع في المجتمع ، وكذلك أن نتفهم ونتفاعل قبولاً ونقداً بالكيفية التي درست بها ، وربما توضح كيف أن أمثال الحالات المدروسة إنما تتناول حالات نادرة أو شاذة أو محدودة ، ومن ثم تقديمها على أنها تمثل المجتمع برمته تزييف للواقع وتضليل للقارئ .
لكن لعل الأهم هو دفعنا إلى دراسة مجتمعاتنا بصراحة علمية وفعالية ابتكارية تجعل الآخر يتعرف علينا من خلال أقلامنا وعيوننا ، والعمل على إبراز خطاب جديد ينطلق من مسلماتنا وأصالتنا ، لكنه خطاب يتحدث عن العالم وليس خطاب موجها للذات عن الذات لمجرد التفاخر دونما تقديم حقائق ووقائع يمكن للجميع أن يطالعها . وقد رأينا - أصلحكم الله - أن كمية الظواهر والقضايا التي يمكن تقديمها كثيرة جداً ، ولعل تقديمنا لها في إطار علمي جذاب سيمكننا من الخروج من العزلة الفكرية التي تعيشها مجتمعاتنا في تواصلها مع بقية العالم بحيث يحتاج إلى خبراء "منصفين" يقدمونها !.
قد تقولون - أعزكم الله - ما سمعناه عن العلوم الاجتماعية ليس له كبير علاقة بالدراسات الفقهية أو الإسلامية بشكل عام ، لكنني سأرد موضحاً أن العكس هو الصحيح . ولعل الحاجة إلى تقديم نماذج توضح لماذا ؟ . لقد قامت دراسات عديدة عن العالم العربي العديد منها بأيدي غربية لكن بعضها بأقلام مسلمة وعربية .
ما رأيكم لو أوضحت لكم أن هناك تراكم معرفي لدراسة "الفقيه العالم" ودوره في حياة المجتمع المسلم ، فلقد نشرت شخصياً بالإنجليزية كتاباً كاملاً يركز على أثر العالم الفقيه في العلاقة بحركات التحرر والاستقلال من ناحية وبتوجيه الدولة الحديثة لمواجهة قضايا ومشاكل المجتمع اليوم .وهناك دراسات تاريخية اجتماعية استفادت من كتب تراجم العلماء لتبرز خلفياتهم الاجتماعية والثقافية والقضايا الاجتماعية والسياسية التي اشتغلوا بها وكان لهم كبير الأثر فيها من أمثال دراسة جرين عن علماء تونس عشية التدخل الفرنسي في الحياة السياسية التونسية .
بل هناك دراسات عن كيفية تكون معارف وعلوم الفقيه المسلم كما فعل روى متحده ، أو هناك دراسات ميدانية لشيخ الجامع وخطيب الجمعة كالتي درسها ريتشار أنطون عن إمام جامع في قرية كفر الماء في الأردن أو دراسة لخطباء الجمعة في طنطا أو دراسة كيفية تكوّن الفقيه والقاضي في المغرب أو حتى خطب وقضايا زعماء الحركات الإسلامية السلفية في المملكة والدراسات تتراكم ، لتقدم لهؤلاء الدارسين معرفة وثيقة ودقيقة بما يجري في عالمنا . ألا تتفقون معي - رعاكم الله - أننا أحوج أن نعرف صورتنا في مرآة العلوم الاجتماعية ، بدلاً من اقتصار ذلك على "خصومنا " أو على الأقل الآخر !! .
لا تقتصر الدراسات الأنثروبولوجية على ذلك وإنما هي تدرس علاقة العلماء والفقهاء والحركات الإسلامية مؤسسياً في سعيها لتقديم الإسلام للدولة الحديثة ، بل إن دراسات تناولت مؤسسات الفتوى ممثلة في دور المفتي و المجمعات الفقهية وكيف تواجه القضايا المعاصرة سواء كانت سياسية أو أخلاقية أو ثقافية ! .
وهناك العديد من الدراسات التي تناولت المؤسسات الإسلامية الأساسية كالقضاء بالدراسة والتحليل . ولقد تعمقت هذه الدراسات في الإجراءات والممارسات القضائية داخل المحاكم وفي الفضاء الثقافي العام ، رغم غياب أمثال هذه الدراسات من طرف أبناء المسلمين !! ولم تقتصر هذه الدراسات فقط على الوقت الحالي وإنما تضافرت معها دراسات اجتماعية تاريخية من خلال دراسة وثائق ومستندات المحاكم لتتجلى صورة الممارسة القضائية في العالم الإسلامي وبالذات في العصر المملوكي والعثماني لتوافر وثائق عن تلك الحقبة . وفي الواقع وضحت هذه الدراسات جوانب عظيمة وراقية عما كان عليه الحال  وهناك مشاريع كبرى لدراسة العلماء وآثارهم ومدى تأثيرهم في المجتمع والاقتصاد والسياسة .
وهناك اهتمامات علمية متقدمة بموضوع المرأة المسلمة وكيفية تعامل المجتمع والثقافة الإسلامية لها . صحيح أن هذا المجال يقوم على نقد صارم وشرس للثقافة المسلمة لكنه يفتح عوالم جديدة ينبغي أن نفيد منها لتجاوز العديد من مكامن التخلف والجمود الذي تعيشه . وقد يدهشكم إن قلت لكم أن موضوع المرأة المسلمة في سياق ثقافة المجتمعات المسلمة الجهود فيه الآن تصدر في شكل موسوعة جديدة من ستة مجلدات ضخمة ، ألسنا نحن الأولى بمعرفة ما تعاني منه المرأة المسلمة بدلاً من أن تكون بحث وتنقيب من طرف الآخر العدو ، الذي ربما تمكن بمثابرته وإصراره على أمثال هذه الدراسات أن يشكل انقلاباً فكرياً في عالم المرأة عندنا أو على الأقل يقدم صورة لن نرضاها عن أنفسنا بين أبناء الإنسانية ، ونحن جزء منها نتواصل معها بالضرورة في عالم الاتصالات الحديثة !! .
ولا تقتصر الدراسات على هذه الجوانب وإنما هي أيضاً تفرض أشكال الحياة الاجتماعية والثقافية التي يعيشها أبناء مجتمعنا ، وبالذات كيفية استقبال العالم الإسلامي لأشكال الحداثة والعولمة ووسائل الاتصال الحديثة وبالذات الفضائيات والإنترنت ، أي أنها تدرس ما يشكل ويوجه عقول الناشئة ! .
وهناك العديد من الدراسات الميدانية التي درست قرى ومدن إسلامية ومن ثم قدمت معارف جديدة على تفاصيل الحياة اليومية فيها . وقدمت العديد من هذه الدراسات موضوعات من أمثال الحياة العائلية وقضايا التنمية الاقتصادية والفرص الاقتصادية بين السكان ونوعية حياتهم ومدى انتشار الأمية والفقر والعوز والتشرد والهامشية بين قطاعات من أبناء مجتمعاتنا ، كان الأولى أن يكونوا موضع اهتمامنا وليس اهتمام الآخر . وتخطط بعض الدراسات السكانية الديموجرافية في كيفية تقليل التزايد السكاني لما له من آثار عالمية من هجرة وعنف واضطراب في توازن المجتمع اجتماعياً واقتصادياً ، بل قد تفرض هذه الدراسات توجهات تشكل السياسات الدولية إزاء أوطاننا وشعوبنا ، خاصة وأن معظم المناطق الفقيرة في العالم هي بين أمة الإسلام ، ومشاكل الهجرة الدولية غير القانونية منهم أيضاً ! .
قد تقولون - أعزكم الله - ما ذكرت إنما يوضح كيف أن أعداء الأمة المتربصين بها يستخدمون الدراسات الاجتماعية لمعرفة مشاكلنا ودقائق تخلفنا للكيد لنا وإلحاق أكبر الاضطراب لمجتمعاتنا ، وهذا يجعلنا نعزف عن علوم ودراسات لا أخلاقية من حيث إنها تزود قوى الشر والظلم بما يمكنهم من العزّل والضعفاء . لكن أستطيع أن أنفي صحة بعض ما تقولون  ، لكنني أسألكم الله  ألم يكن من المستحسن استخدام هذه العلوم والمناهج نفسـها أومن خلال تطويرها لما يفيد ويقوي الأمة بدلاً من ترك الأمر لخصومها ! .
قد تقولون لقد سعينا لذلك من خلال التأصيل الإسلامي للعلوم الاجتماعية ، وأنا أوضح أن هذه خطوة جيدة في الطريق المرتجى ، لكن ما المقصود بالأسلمة والتأصيل الإسلامي ، هل ستقدم تصورات ومفاهيم عملية يشاركني الجميع في تقبلها ومن ثم الاحتكام لها بوصفها رؤى علمية موضوعية ، أم سيتحول الأمر لمجرد حديث مع الذات ولها ومجرد مواعظ أخلاقية غير جديرة باحترام الآخرين ؟ ! .
دعوني أهمس في آذانكم موضحاً أن العلوم الاجتماعية قد تكون طوع بنانكم وأن تستخدموها لمعرفة قضايا تهمكم ، حتى في الفقه والمعرفة بمقاصد الشريعة ؟ أعلم أنني فاجأتكم لكن ما رأيكم في القضية التالية : شهدت المحاكم الشرعية الإسلامية في القرن السابع عشر والثامن عشر مثول العديد من النصارى واليهود أمام قضاتها ؟ وليس في قضايا يكون الطرف الآخر مسـلم فقط ؟ بل وليس فقط في قضايا تتعلق بالشؤون العامة ؟ وإنما بقضايا في دائرة الأحوال الشخصية ؟ إن جمع المادة العلمية والعمل على تفسير تلك الأوضاع يتطلب معرفة ودراية بالعلوم الاجتماعية ! .
قضية أخرى هل تأثر الفقه الإسلامي في تأسيسه بالفقه الروماني ؟ نعم أنها فرية قديمة تتكرر ، لكن ما رأيكم أنها قد عولجت من زاوية علم الاجتماع لتنتصر إلى مقولة تؤكد استقلال الفقه الإسلامي على أي أثر أجنبي ؟ ! . وهكذا في قضايا عديدة منها جغرافيا انتشار المذاهب الفقهية في القرون الثلاثة الهجرية الأولى .

عليّ أن أتوقف ، لعلكم تطلبون فهم الكيفية التي يمكن أن يتعلم منها طالب العلم الشرعي الكثير عن علم الاجتماع ليستفيد منه في فهم الحياة الاجتماعية اليوم مما سيمكنه من إنزال الحكم الشرعي على الواقع بشكل أفضل ، وكذلك حتى يصبح أكثر قدرة للدفاع عن الإسلام باستخدام العلوم الحديثة ؟ ! .

0 التعليقات:

إرسال تعليق

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More