علاج الغضب[i]
انطلاقاً من
كون الغضب طبعٌ بشريٌ فطريٌ لا يُمكن دفعه ، فإن من عظمة الإسلام وكماله أن اعترفت
التربية الإسلامية بذلك وبيَّنت طرق الوقاية منه ، وكيفية علاجه ، بطرقٍ مختلفة ،
ووسائل متنوعة نُجملها في ما يلي :
أولاً /
محاولة البُعد عن دواعي الغضب وتجنب أسبابه ، وعدم التعرض لما يؤدي
إليه من الأقوال والأفعال التي منها : " الكِبـْرُ و التعالي والتفاخر على
الناس ، والهزءُ و السُخرية بالآخرين ، وكثرة المزاح ولاسيما في غير حق ، والجدل و
التدخل فيما لا يعني ، والحرص على فضول المال أو الجاه "(11) .
ثانياً /
الاستعاذة بالله العظيم من الشيطان الرجيم عملاً بقوله تعالى : }
وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ
سَمِيعٌ عَلِيمٌ { ( سورة
الأعراف: الآية رقم 200 ) . فالإنسان الغاضب عندما يستعيذ بالله تعالى من
الشيطان إنما يعتصم بعظمة الله تعالى ويلوذ بها ، ويستحضرها في نفسه لما في ذلك من
طردٍ للشيطان ودحره وإبطال مكره ، ومن ثم يسكن الغضب وتهدأ ثورته – بإذن الله
تعالى -. فعن سليمان بن صُرَد أنه قال : استب رجلان عند النبي e فجعل
أحدهما تحمَّر عيناه ، وتنتفخ أوداجه . فقال رسول الله e : " إني لأعرف كلمةً لو قالها هذا لذهب
عنه الذي يجد ، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم " ( أبو داود ، ج 4 ، الحديث
رقم 4781 ، ص 249 ) .
ثالثاً /
التزام الصمت وعدم الكلام لما في ذلك من الحيلولة – بإذن الله – دون وقوع
الغاضب في ما لا تُحمد عُقباه من بذيء اللفظ وسيئ الكلام ( سباً ، أو شتماً ، أو
سخريةً ، أو نحو ذلك ) . ولأن " من الناس من لا يسكت عند الغضب ، فهو ثورةٌ
دائمة ، وتغيظٌ يطبع على وجهه العُبوس . إذا مسَّه أحدٌ ارتعش كالمحموم ، وأنشأ
يُرغي و يُزبد ، و يلعن ويطعن " ( 12 ) .
ولهذا كان
سكوت الغاضب و تركه للكلام علاجاً مناسباً للغضب لما روي عن ابن عباسٍ رضي الله
عنهما أن النبي e قال :
" إذا غضب أحدكم فليسكت " قالها ثلاثاً . ( أحمد ، ج 1 ، الحديث رقم
2136 ، ص 239 ) .
وهنا يلاحظ
الإعجاز التربوي النبوي المتمثل في توجيهه e للغاضب بالتزام الصمت وعدم الكلام "
وهذا دواءٌ عظيمٌ للغضب ؛ لأن الغضبان يصدر منه في حال غضبه من القول ما يندم عليه
في حال زوال غضبه كثيراً من السباب وغيره ، مما يعظم ضرره ، فإذا سكت زال هذا الشر
كله عنه " ( 13 ) .
رابعاً/ التصاق الإنسان الغاضب بالأرض
لما روي عن أبي سعيد الخُدري t
مرفوعاً أن النبي e قال :
" ألا وإن الغضب جمرةٌ في قلب ابن آدم ، أما رأيتم إلى حُمرة عينيه وانتفاخ
أوداجه ، فمن أحس بشيءٍ من ذلك فليلصق بالأرض " ( الترمذي ، ج4 ، الحديث رقم
2191 ، ص 483 ) . ولعل المقصود بالالتصاق هنا بقاء الغاضب في مكانه وعدم الحركة
كما يُشير إلى ذلك أحد الباحثين بقوله : " نُلاحظ في هذا الحديث لوناً من
ألوان العلاج لثورة الغضب ، وصفه الرسول e ألا وهو اللصوق بالأرض ، والغرض منه تجميد
كُلَّ حركةٍ يمكن أن ينجم عنها آثارٌ غضبية مادية " ( 14 ).
خامساً /
الانشغال بذكر الله تعالى لما في ذلك من حصول الطمأنينة والسكينة مصداقاً
لقوله تعالى : } أَلا
بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ { ( الرعد : من الآية 28 ) . كما أن في ذلك
تذكيرٌ للنفس الغاضبة بعظمة الله جل في عُلاه وقدرته ، وحثٌ على الخوف منه سبحانه
لا سيما متى كان غضب الإنسان على من هو قادرٌ على عقابه والانتقام منه . وقد ورد
أنه " وجد في التوراة مكتوباً : ي ابن آدم اذكرني حين تغضب أذكُرك حين أغضب
فلا أمحقك فيمن أمحق " ( 15 ) .
سادساً /
تغيير الحالة التي يكون عليها الغاضب إلى حالةٍ أُخرى لأن في
ذلك شغلٌ له وانصرافٌ – ولو يسير – عن ما هو فيه من غضب ؛ فعن أبي ذرٍ t أن
رسول الله e قال :
" إذا غضب أحدكم وهو قائمٌ فليجلس ، فإن ذهب عنه الغضب وإلا فليضطجع "(
أبو داود ، ج4 ، الحديث رقم 4782 ، ص 249 ) .
وهنا نلاحظ
إعجازاً نبوياً تربوياً آخر فالغاضب القائم يكون في حالة تهيئٍ واستعدادٍ لسرعة
الانتقام أكثر مما لو كان جالساً أو مُضطجعاً ؛ فجاء التوجيه النبوي الكريم داعياً
إلى تغيير الحالة التي يكون عليها الغاضب منعاً لما قد يتوقع من ردة الفعل
المباشرة ، وعلاجاً لها حيث " أن الجلوس أو الاضطجاع في حالة الغضب يؤديان
إلى استرخاء البدن ، مما يُساعد على مقاومة التوتر الذي أحدثه الغضب ؛ ويؤدي ذلك
في النهاية إلى تخفيف حدة انفعال الغاضب تدريجياً ، ثم التخلص منه نهائياً . كما
أن الجلوس و الاضطجاع يقاومان ميل الإنسان إلى العدوان " ( 16 ) .
الهامش
11 ) مصطفى البغا و محي
الدين مستو ، مرجع سابق ، ص ( 113 ) .
12 ) محمد الغـزالي . ( 1408هـ ) . خُـلق
المسـلم . ط ( 7 ) ، دمشـق : دار القلم ، ص ( 118 ) .
13 ) عبد الرحمن بن رجب
الحنبلي ، مرجع سابق ، ص ( 137 ) .
14
) عبد الرحمن بن حسن حبنـكه الميداني . ( 1407هـ ) . الأخلاق الإسـلامية
وأُسـسها . ط ( 2 ) ، ج ( 2 ) ، دمشق : دار القلم ، ص ( 345 ) .
15
) أبو الحسن الماوردي . ( د . ت ) . أدب الدنيـا والدين . طنطا : دار
الصحابة للتراث ، ص ( 231 ) .
16
) محمد عثمان نجاتي . ( 1413هـ ) . الحديث النبوي و علم النفس . ط ( 2 ) ،
القاهرة : دار الشروق ، ص ( 122 ) .
17 ) المرجع السابق ، ص (
122 ) .
18 ) عبد الرحمن بن حسن
حبنكه الميداني، مرجع سابق ، ص ( 340 ) .
[i] ) من بحث بعنوان(لا تغضب) للدكتور/صالح بن علي أبوعراد-
أستاذ التربية الإسلامية، ومدير مركز البحوث بكلية المعلمين-أبها
0 التعليقات:
إرسال تعليق