Featured Video

الثلاثاء، 11 مارس 2014

تنمية الجانب الإيماني لدى الأبناء(2)

 وسائل عامة في البناء الإيماني[i]


إن الوسائل التي تعين على تحقيق التربية الإيمانية وعلى زيادة الإيمان في نفوس الناشئة لا تخفى على الشباب العاملين في الميادين التربوية، لكن نشير إلى أهمها هنا لما يرتبط في بعضها من تفصيلات ربما تكون مهمة.

 ومن هذه الوسائل:
 1 - الاعتناء بالقرآن الكريم تلاوة وحفظاً وتدبراً: القرآن الكريم له أثره العظيم في إصلاح النفوس وتزكيتها، وأهل القرآن هم أهل الله وخاصته، لذا فقد رأينا أثر الاجتماع على تلاوة القرآن الكريم وحفظه وتدارسه لدى شباب الصحوة اليوم، وهذا مصداق ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم. عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"من نفَّس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفَّس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسَّر على معسر يسَّر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستر مسلما ستره الله في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه، ومن سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهَّل الله له به طريقاً إلى الجنة، وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده، ومن بطأ به عمله لم يسرع به نسبه" (11 ).

ونحمد الله تبارك وتعالى أن وفَّق جيل الصحوة اليوم للاعتناء بالقرآن والتربية عليه، حتى صار حفظه وإتقانه هدفاً يتطلع إليه الشاب ويصرف زهرة وقته في تحصيله، وهذا أمارة تأس بالسلف الذين كانت لهم عناية بالغة بتعلم القرآن وحفظه. عن جندب بن عبدالله -رضي الله عنه- قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم ونحن فتيان حزاورة(12 ) فتعلمنا الإيمان قبل أن نتعلم القرآن، ثم تعلمنا القرآن فازددنا به إيماناً( 13).

 وقال ابن عبدالبر: "طلب العلم درجات ومناقل ورتب لا ينبغي تعديها، ومن تعداها جملةفقد تعدى سبيل السلف رحمهم الله، ومن تعدى سبيلهم عامداً ضلَّ، ومن تعداه مجتهداً زلَّ، فأول العلم حفظ كتاب الله عز وجل وتفهمه... " ( 14).

وقال محمد بن الفضل بن محمد: سمعت جدي - يعني ابن خزيمة- يقول: استأذنت أبي في الخروج إلى قتيبة، فقال: اقرأ القرآن أولاً حتى آذن لك، فاستظهرت القرآن، فقال لي: امكث حتى تصلي بالختمة، ففعلت فلما عيدنا أذن لي. وقــال الإمام النووي : "كان الســلف لا يعلِّمـون الحديث والفقه إلا لمن يحفظ القرآن " ( 15).
 ويحكي ذلك ابن خلدون فيقول: "اعلم أن تعليم الولدان للقرآن شعار الدين أخذ به أهل الملة، ودرجوا عليه في جميع أمصارهم، لما يسبق فيه إلى القلوب من رسوخ الإيمان وعقائده، من آيات القرآن وبعض متون الأحاديث، وصار القرآن أصل التعليم الذي ينبني عليه ما يحصل بعد من الملكات " ( 16).

ومما ينبغي أن يضاف للاعتناء بحفظ القرآن ما يلي:

 1- الاعتناء بتلاوته والتلذذ بسماعه، وما أجمل أن يطلب الشباب من أحدهم حين يجتمعون في مجلس من مجالسهم أن يتلو آيات من كتاب الله عز وجل، وكذا كان يصنع عمر -رضي الله عنه-، فعن أبي سلمة أن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- كان إذا رأى أبا موسى -رضي الله عنه- قال: ذكرنا ربنا يا أبا موسى؛ فيقرأ عنده(17 ).
 2- الاعتناء بالتدبر، وتعويد الشباب عليه، وتدارس معاني القرآن الكريم.
 3- الاعتناء بدراسة كتب التفسير، وعلوم القرآن وأسباب النزول… وغير ذلك مما له صلة بكلام الله عز وجل.

 2- التفكر في المخلوقات: لقد أرشد القرآن الكريم في مواطن عدة إلى التفكر في مخلوقات الله تعالى، والاستدلال بعظمتها على عظمة خالقها عز وجل، وجعل ذلك من صفات أهل العقل والحكمة } إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآياتٍ لأولِي الأَلْبَابِ{ (آل عمران:190).

 والتفكر الحقيقي في مخلوقات الله يؤدي بصاحبه إلى الإيمان والتقوى واللجوء لخالقه عز وجل؛ ذلك أن آيات الله إنما يعقلها العالمون من عباده، ويتفكر فيها أولو الألباب. لذا فعلى المربي الاعتناء بهذا الجانب والاهتمام به، ومن الوسائل المحققة لذلك ما يلي:

 1- دراسة آيات القرآن الكريم التي فيها الحديث عن عظمة الله عز وجل، ودراسة تفسيرها، وربطها بالواقع.
 2- ربط العلوم المادية التي يدرسها الطلاب -وتتناول جانباً من عظمة خلق الله- بالإيمان، والحديث عن مظاهر عظمة هذا الخلق التي تدل على عظمة الخالق عز وجل، وألا تعرض مادة جافة.
 3- حين يخرج الأب مع ابنه، أو المعلم مع تلامذته إلى الخلاء فيرى جمال المخلوقات وتناسقها فليذكرهم بالله عز وجل، وليربطهم بآياته سبحانه.
 4- دراسة جوانب من نتاج العلم المعاصر التي اكتشفت حقائق تدل على عظمة خلق الله عز وجل( 18).

 3 - جلسات الذكر: لقد كان صلى الله عليه وسلم يعنى بمجالس الوعظ والتذكير، وكان أصحابه يجدون أثر ذلك في نفوسهم، ويفتقدونه حين يغدون إلى بيوتهم ويخالطون أهليهم. عن حنظلة الأسيدي- وكان من كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم - قال: لقيني أبو بكر فقال: كيف أنت يا حنظلة؟ قال: قلت: نافق حنظلة، قال: سبحان الله ما تقول؟ قال: قلت: نكون عند رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكرنا بالنار والجنة حتى كأنا رأي عين، فإذا خرجنا من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم عافسنا الأزواج والأولاد والضيعات فنسينا كثيراً،

 قال أبو بكر: فوالله إنا لنلقى مثل هذا، فانطلقت أنا وأبو بكر حتى دخلنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت: نافق حنظلة يا رسول الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"وما ذاك؟ " قلت: يا رسول الله، نكون عندك تذكرنا بالنار والجنة حتى كأنا رأي عين، فإذا خرجنا من عندك عافسنا الأزواج والأولاد والضيعات نسينا كثيراً،

 فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"والذي نفسي بيده، إن لو تدومون على ما تكونون عندي وفي الذكر لصافحتكم الملائكة على فرشكم وفي طرقكم، ولكن يا حنظلة ساعة وساعة" ثلاث مرات( 19).

 وأثنى صلى الله عليه وسلم على الذين يجتمعون على ذكر الله وطاعته، عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:((إن لله ملائكة يطوفون في الطرق يلتمسون أهل الذكر، فإذا وجدوا قوماً يذكرون الله تنادوا: هلموا إلى حاجتكم، قال: فيحفونهم بأجنحتهم إلى السماء الدنيا، قال: فيسألهم ربهم وهو أعلم منهم: ما يقول عبادي؟ قالوا: يقولون يسبحونك، ويكبرونك، ويحمدونك، ويمجدونك،

 قال: فيقول: هل رأوني؟ قال: فيقولون: لا والله ما رأوك، قال: فيقول: وكيف لو رأوني؟ قال: يقولون: لو رأوك كانوا أشد لك عبادة، وأشد لك تمجيداً وتحميدًا، وأكثر لك تسبيحاً، قال: يقول: فما يسألوني؟ قال: يسألونك الجنة، قال: يقول: وهل رأوها؟ قال: يقولون: لا، والله يا رب ما رأوها. قال: يقول: فكيف لو أنهم رأوها؟ قال: يقولون: لو أنهم رأوها كانوا أشد عليها حرصاً، وأشد لها طلباً، وأعظم فيها رغبة، قال: فمم يتعوذون؟ قال: يقولون: من النار، قال: يقول: وهل رأوها؟ قال: يقولون لا والله يا رب ما رأوها قال: يقول: فكيف لو رأوها؟ قال: يقولون: لو رأوها كانوا أشد منها فراراً، وأشد لها مخافة،

 قال: فيقول: فأشهدكم أني قد غفرت لهم، قال: يقول ملك من الملائكة: فيهم فلان ليس منهم؛ إنما جاء لحاجة، قال: هم الجلساء لا يشقى بهم جليسهم" ( 20).

 وكان لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم اعتناء بمجالس الذكر، كما سيأتي في الحديث عن التعاون على أداء العبادة.



 4 - المواعظ: الموعظة تحرك القلوب وتثير كوامن النفوس، وكثير من العصاة والمعرضين ارتدعوا عما وقعوا فيه من فسق وفجور بسبب موعظة استمعوا إليها.

 لذا فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يعنى بالموعظة لأصحابه، يحكي أحد أصحابه وهو العرباض بن سارية -رضي الله عنه- عن موعظة وعظها إياهم النبي صلى الله عليه وسلم ، فيقول: وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً بعد صلاة الغداة موعظة بليغة ذرفت منها العيون، ووجلت منها القلوب،

 فقال رجل: إن هذه موعظة مودع فماذا تعهد إلينا يا رسول الله؟ قال: "أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة وإن عبد حبشي؛ فإنه من يعش منكم يرى اختلافاً كثيراً، وإياكم ومحدثات الأمور فإنها ضلالة، فمن أدرك ذلك منكم فعليه بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين عضوا عليها بالنواجذ " (21 ) .

 وحتى تترك الموعظة أثرها ينبغي أن تكون تخولاً (بين الحين والآخر)، وألا تكون بصفة دائمة.
 عن أبي وائل قال: كان عبدالله يذكر الناس في كل خميس، فقال له رجل: يا أبا عبدالرحمن، لوددت أنك ذكرتنا كل يوم، قال: أما إنه يمنعني من ذلك أني أكره أن أملكم، وإني أتخولكم بالموعظة كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يتخولنا بها مخافة السآمة علينا(22 ).

 ومن المواطن التي تناسب الوعظ المواقف المؤثرة؛ فهي تهيئ النفوس، وتزيل قسوتها؛ فتكون أقرب للتأثر، كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم حين وعظ أصحابه في جنازة أحد الأنصار. ومنها رؤية المربي للتقصير والإعراض من الناس، وكذلك فعل صلى الله عليه وسلم ؛ فعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أصحابه شيء فخطب فقال: "عرضت علي الجنة والنار فلم أر كاليوم في الخير والشر، ولو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً" قال: فما أتى على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أشد منه، قال: غطوا رءوسهم ولهم خنين، قال: فقام عمر فقال: رضينا بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد نبياً….( 23).

 5- التعاون المشروع على أداء العبادات: النفس تضعف ويصيبها الفتور والتقصير، لكن المسلم حين يرى ما عليه إخوانه الصالحون يزداد همة ونشاطاً للعمل والاجتهاد فيه، لذا فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم وهو أتقى الناس وأقربهم لله تبارك وتعالى يزداد طاعة وهمة، فعن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل، وكان جبريل يلقاه في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن، فلرسول الله صلى الله عليه وسلم حين يلقاه جبريل أجود بالخير من الريح المرسلة( 24).

الحاشية
( 11) رواه مسلم (2699).
( 12) الحَزَوَّر هو الغلام إذا اشتد وقوي وخدم، وهو الذي قارب البلوغ (اللسان 4/187).
 ( 13) رواه ابن ماجه (61).
( 14) جامع بيان العلم وفضله (2/166).
( 15) المجموع (1/38).
( 16) مقدمة ابن خلدون (537-538) .
( 17) رواه الدارمي (3493) .
( 18) انظر: مفتاح دار السعادة/ النحلة تسبح الله لمحمد حسن الحمصي/ غريزة أم تقدير إلهي لشوقي أبي خليل/ العلم يدعو إلى الإيمان/شريط وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً لأحمد الدعيج.
( 19) رواه مسلم (2750).
( 20) رواه البخاري (6408) ومسلم (2689).
( 21) رواه الترمذي (2676) وابن ماجه (42).
( 22) رواه البخاري (70) ومسلم (2821).
( 23) متفق عليه واللفظ لمسلم (2359).
( 24) رواه البخاري (3220) ومسلم (2308).


[i] ) من رسالة ( تربية الشباب- الأهداف والوسائل) د/محمد الدويش

0 التعليقات:

إرسال تعليق

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More