النمو الأخلاقي عند الطفل ([1](2
نمو
الضمير(الأنا العليا)
تبدأ مؤشرات ظهور الضمير في نهاية السنة
الثانية، عندما يُبدأ باستخدام النواهي والأوامر على سلوكاته من قبل الوالدين،
وعندما يحرّمان عليه بعضها ويجيزان بعضها الآخر، حيث يبدأ شيئاً فشيئاً باستدماج
السلوكات المرغوبة وغير المرغوبة التي تمثل تصورات عامة عما يجب وعما لا يجب، وفي
هذه المرحلة لا يتم فقط تعلم عدم إتيان السلوك غير المرغوب، بل السلوك المقبول
المقابل له أيضاً، فلا يُنهى عن أن يكون عدوانياً تجاه الآخرين فقط، بل ويجب أن
يكون عطوفاً متسامحاً محترماً لمصالح الآخرين وحقوقهم ومدافعاً عنها، أي إنه يبدأ
بتعميم السلوكيات المحسوسة الخاصة بما يجب وما لا يجب لتشمل كل السلوكيات المرتبطة
بالحلال والحرام في كافة مجالات تعامله مع الآخرين ومع ذاته أيضاً.
يعتمد نمو الأنا الأعلى بالضرورة على
المعايير الأخلاقية للوالدين، وعلى طبيعة العلاقة بين الطفل ووالديه، فالوالدان
ذوو المعايير الأخلاقية الناضجة وغير المتطرفة يساهمان بدرجة كبيرة بنمو أنا أعلى
ناضج وغير متطرف أيضاً لدى ابنهما؛ فإذا تمتع الوالدان بعلاقة دافئة مع ابنهما
فإنهما يسهلان عملية توحده بهما مما يجعله أكثر ميلاً للارتباط بهما بموافقة سلوكه
لسلوكهما إلى الدرجة التي تجعله يشعر بالقلق إذا لم يتوافق سلوكه معهما؛ لأن ذلك
يعني بشكل أو بآخر فقدان تأييدهما له، وبالتالي فقدان محبتهما التي يحرص كثيراً
عليها، آخذين بالحساب أن الطفل في هذه المرحلة لا يعرف بالضرورة لماذا هذا السلوك
صحيح وذاك خاطئ، إنه يتعلم فقط أن هذا السلوك يقال له صحيح وذاك يقال له خطأ.
من المهم الإشارة إلى أنه يمكن أن ينمو
أنا أعلى غير ناضج أو غير سوي إذا لم يستطع الطفل التوحد بوالديه أو بأحدهما، أو
إذا لم تكن لدى الوالدين معايير أخلاقية ناضجة ومقبولة أساساً من المجتمع؛ فالطفل
قد يكون عارفاً بالمعايير المقبولة وغير المقبولة، ولكنه لا يسلك وفقاً لذلك؛ إذ
يبدو أن محتوى الأنا الأعلى محقق في صحته ولكنه لا يقوم بوظيفته بشكل صحيح، وهذا
حال كثير من الجانحين ومرتكبي الجرائم؛
إذ لديهم أنا أعلى جيد في محتواه
يساعدهم على تمييز الخير من الشر والمقبول من غير المقبول من السلوك، ولكنه لا
يقوم بوظيفته في منعهم من إتيان السلوك المنحرف، فنراهم يشعرون بالندم بعد إتيان
السلوك غير المقبول، دون أن يكون لهذا الندم دوره في عدم تكرار حدوث هذا السلوك
مرات أخرى..
إن نمو الأنا الأعلى نمواً سليماً لا
يتحقق إن لم تتوافر للطفل الفرص المناسبة لتطبيق المعايير بشكل فعلي؛ إذ لا يكفي
أن يقال له فقط أن يسلك كذا أو لا يسلك كذا، بل لا بد أن تتاح له الفرصة للتدرب على
تطبيق هذه المعايير ليصار إلى ممارستها فيما بعد بشكل تلقائي يأخذ صفة العادة أو
أسلوب الحياة.
الأخلاق
والدين
من الواضح أن استخدام الأساليب السابق
ذكرها في تنمية الأنا الأعلى أو الأخلاق له أسسه الجلية في القرآن الكريم، فكم من
آية اعتمدت أسلوب الثواب والعقاب في حضها على ممارسة الأعمال الصالحة والابتعاد
عما سواها، مستندة في ذلك إلى الآثار المترتبة عليها، ليست الآنية فقط، وإنما
المؤجلة أيضاً، وإن كان التركيز يبدو على الأخيرة أكثر؛ الأمر الذي يعطي لفكرة يوم
القيامة والحساب والجنة والنار أهميتها في ضبط السلوك وتوجيهه بعيداً عن المكاسب
السريعة.
وكذلك كم من آية أكدت على
أهمية القدوة الحسنة وأهمية ملاحظة قصص الأولين لأخذهم مثلاً يحتذى به، أو مثلاً
يعتبر به أولو الألباب، بشكلٍ يمثلون لنا ضابطاً مهما لسلوكنا غير السوي
من الواضح أيضاً أنه لا يوجد فصل واضح
بين أي من هذه الأساليب في القرآن الكريم، بل هناك نوع من التكامل في استخدامها
وتطبيقها، أياً كانت الأعمال التي يقوم بها الفرد على صعيده الذاتي الخاص، أو على
صعيد المجتمع، أو العلاقة مع الله عز وجل، حتى ليخيل إلينا أن آيات القرآن الكريم
ككل تأخذ بهذا التكامل في تنشئة الأفراد، وإن كانت في معظمها موجهة إلى الفرد
البالغ العاقل المكلف المسؤول، مؤكدة أن اتباع هذا الأسلوب لا يقتصر على الأطفال،
بل يشمل الراشدين أيضاً.
ولكن بالرغم من ذلك فإن ما يهمنا هنا هو
السؤال عن مصدر الأخلاق المثلى، لنأخذ منه المعايير الخُلُقية اللازم غرسها في
نفوس الناشئة، هل نأخذها من البيئة وما يضعه المنظرون أم نأخذها من الدين؟.
إن الإجابة عن هذه التساؤلات تبين لنا
أن مصدر الأخلاق الأمثل لنا هو الدين، على اعتبار أن هناك ارتباطاً واضحاً بين
الدين والأخلاق بمعناها الإنساني المتجرد عما هو سائد في مجتمع دون آخر. إن تغير
الكثير من المفاهيم الأخلاقية عبر الزمان يؤكد أن الاعتماد فقط على المنظرين دون
الأساس الديني لا يفي بالأغراض المرجوة من وضع المعايير الأخلاقية لضبط سلوك
الأفراد؛ لأن التغير المستمر للمعايير يعطي انطباعاً بعدم ثبات الأخلاق ومن ثم عدم
مصداقيتها، كما يعطي انطباعاً بتدخل العوامل الذاتية والمكاسب الشخصية للمنظرين
والقائمين على اتخاذ القرارات بشأن الأفراد والمجتمع، بغض النظر عن الآثار المؤجلة
المترتبة على ذلك، ولعلّ انتشار مظاهر الفساد، من قبيل البغاء والقتل والانحرافات
الجنسية يعطي مؤشراً واضحاً على ذلك.
بالمقابل فإن اعتماد الدين
كمصدر للمعايير الأخلاقية يعطي انطباعاً بثبات القيم والأخلاق وعدم تغايرها من
مجتمع إلى آخر - لمجرد شيوعها أو عدم شيوعها في هذه المجتمعات - فهذه المعايير
تبدو موضوعية لا ترتبط بمصالح شخص ما أو جهة معينة، ولعل هذا ما يؤكد ضرورة
استمرار الأخذ بالمعايير الأخلاقية الواردة في الدين الإسلامي الحنيف.
ولكن وإن سلمنا بأن مصدر المعايير
الأخلاقية الأمثل هو الدين، فهل نسلم بأننا كمجتمع عربي إسلامي نعتمد هذا المصدر
أم أننا تركناه إلى مصادر أخرى؟.
|
إن الإجابة عن هذا التساؤل
تشير بما لا يدعو للشك أننا لم نعتمد هذا المصدر في تنشئتنا لأبنائنا؛ فنحن نتردد
بين الانقياد للدين وبين تقليد المعايير الأخلاقية الأجنبية عنا؛ مما يجعلنا في
حالة صراع واضطراب غير واضحين، تقودنا في اتجاه غير محدد وفي طريق غير ثابت؛ ولعل
السبب في ذلك هو عدم تغليب الدين وأسسه كنظام أخلاقي أولاً وسلوكي ومجتمعي ثانياً
في مجتمعنا، إلى الدرجة التي أصبح فيها الالتزام ببعض
المبادئ الأخلاقية الدينية قيداً لا
بد من كسره، أو تخلفاً لابد من تجاوزه حتى نوصم بالتقدمية والمدنية!!.
من هنا يبدو أن إعادة تنشئة الأطفال
أخلاقياً - وتربوياً بشكل عام - لا بد من أن ترتكز على القوانين الإلهية وليس
على القوانين الوضعية، دون أن يساء فهم وتفسير وتأويل الآيات والأحكام بحسب
أهوائنا ورغباتنا ومصالحنا؛ لأننا لو فعلنا ذلك فسنعود بشكل غير مباشر إلى
اعتماد القوانين الوضعية ولكن بثوب إلهي.
|
ولعلّ هذه المهمة منوطة
بالتربويين المنفتحين غير المتعصبين والمفكرين المتخصصين، آخذين بالحساب أسس
التربية السليمة التي تتفق والطبيعة البشرية وما فطرت عليه.
0 التعليقات:
إرسال تعليق