Featured Video

الجمعة، 7 مارس 2014

كيف تعتني بطفلك خلقياً

النمو الأخلاقي عند الطفل[1]
تهدف التربية بمعناها العام للوصول بالإنسان إلى حد الكمال في كل مجال من المجالات التي ينطوي عليها، سواء في الذكاء أو القدرات العقلية أو الشخصية.. إلخ،

وإذا كان تحقيق هذا الهدف مستحيلاً، لعدم تحديد معيار الكمال ودرجاته، فإن الهدف الأكثر خصوصية والممكن تحقيقه هو مساعدة الإنسان على تنمية شخصيته وعناصرها إلى الحد الذي يسمح به نضجه الجسدي واستعداداته الفيزيولوجية التي نشأ عليها.

 من ذلك فمن المتوقع لعملية التربية ألا تكون سهلةً، بل لا بد من التسليم بأنها وسيلة معقدة تدخل في استخدامها وإعدادها جهات متعددة تبدأ بالأسرة الصغيرة وتنتهي بالمجتمع.
والعملية التربوية في أساسها عملية أخلاقية لأنها تتعامل مع الإنسان ككل - جسداً وروحاً ونفساً - بحيث تضمن له أفضل استثمار لقدراته وإمكاناته إلى الحد الذي يشعره هو والمحيطين به بالرضى والسعادة؛
لذا ليس من المستغرب أن أطلق (جون ديوي) مقولته: (إن عملية التربية والأخلاق شيء واحد، ما دامت الثانية لا تخرج عن كونها انتقال الخبرة باستمرار من أمر سيء إلى آخر أحسن منه)، وهو ما يجعل النمو الأخلاقي الهدف الأسمى للعملية التربوية والمدرسية كلها.

تؤكد النظريات التربوية والنفسية المعاصرة على النزعة الفردية الذاتية لدى الناشئة أكثر مما تؤكد على النزعة الغيرية، وهي بذلك -تقريباً- تنحّي جانباً مهماً من جوانب الإنسان، والمتمثل في الأخلاق، باعتباره يمثل الأنا الأعلى أو الضمير الذي يحكم كل سلوك يقوم به ويضبطه.

ويبدو أن تنحّي الأخلاق ودورها في تنمية المجتمع الإنساني ككل في هذه النظريات إنما يعكس جوانب ذاتية في شخصية المنظرين أنفسهم،
كما تعكس البيئات التي عاشوا فيها، والتي حكمتهم بمعاييرها ومحكّاتها المختلفة التي تؤكد النزعة للتملك وللمكاسب المادية والمصالح أياً كانت الطريقة المتبعة في ذلك، وفي ضوء مقولة (الغاية تبرر الوسيلة).

لذلك فإن التربية الأخلاقية تبدو عملية صعبة شاقة تتطلب منظرين أكفاء ومنفذين قادرين على غرسها في نفوس النشء، متجاوزين عناصر الذاتية ودوافع التملك والسيطرة وتعارض المصالح.

إن مراجعة يسيرة للأسس التربوية السائدة في معظم دولنا العربية والإسلامية تبين ميلنا لتقليد ومحاكاة معايير المجتمعات الأخرى الأقوى صناعة وتقدماً، والأكثر سيطرة على العالم،
 متناسين غياب المعايير الأخلاقية فيها أو على الأقل ندرة الاعتماد عليها، ومتناسين أن هذه الأسس التربوية تتفق وطبيعة هذه المجتمعات ولكنها لا تتفق كثيراً مع طبيعة مجتمعاتنا وما يحث عليه الدين الإسلامي الحنيف من التوازن بين الذاتية والغيرية انطلاقاً من مبدأ (لا ضرر ولا ضرار).

ولا شك أن هذا يعني بشكل أو بآخر أننا كمنظرين تربويين ونفسيين عرب ومسلمين تناط بنا مهمة وضع أسس تربوية خاصة بنا تعتمد من ناحية على تراثنا الثري في هذا الميدان وتستند من ناحية أخرى على الاستفادة مما هو جارٍ في عالمنا المعاصر، على أن نأخذ منه السمين ونترك الغث الذي لا يتفق ومعاييرنا الإسلامية والعربية، منطلقين من فكرة علم نفس عربي وإسلامي أو علم تربية عربي وإسلامي بالمعنى الذي يرتبط بأسسنا الدينية المسلم بها، وليس بالمعنى المرتبط بالتفرد والتميز بعيداً عن علم النفس الإنساني ككل.

ويمكن القول بأن تحقيقنا لهذه المهمة وتنفيذنا لها إنما يتطلب منا الوقوف على بعض المسائل المتعارف عليها في التربية وعلم النفس والكامنة وراء ظهور سلوك الأفراد، ومنها نذكر:
الأخلاق بين الوراثة والبيئة
كثيراً ما طرحت أسئلة حول موروثية الأخلاق واكتسابها، وكثيراً ما أتت الإجابات مؤيدة لهذا الجانب أو ذاك، دون أن تصل إلى حد يفصل في ذلك، إلا أن واقع الحال يبين أن الأخلاق عملية مكتسبة أكثر منها موروثة؛ فهي لا تنتقل من الآباء إلى الأبناء كما تنتقل الصفات الجسمية؛

فالطفل يولد في أساسه على الفطرة، وهذه الفطرة فطرة خيرة سليمة تميل نحو الدعة ومكارم الأخلاق، أكثر منها فطرة شريرة، وإن كان يبدو أن الجانبين موجودان معاً،

حسبما ذكر الله جل جلاله: (ونفس وما سواها * فألهمها فجورها وتقواها * قد أفلح من زكاها * وقد خاب من دساها)(الشمس: 7-10)، إذ يندر لطفل ينشأ في وسط تربوي سيء أن يبقى ذا أخلاق حسنة، كذلك يندر أن يغدو ذا أخلاق ذميمة إذا نشأ في جو تربوي طيب يعبق بمكارم الأخلاق.

ومع ذلك لا يمكن أن ينكر دور العوامل البيولوجية تماماً، إذ يمكن أن تورث استعداداً لأن يكون الفرد على خلق معين لتأتي التربية فتنميه أو تنحيه، وهذا يعني أن الأخلاق لا تُورث، بل تُورث تركيبة عصبية فيزيولوجية معينة قابلة للمطاوعة والتأثر إيجاباً وسلباً.
اكتساب الأخلاق
من ذلك يبدو أن تعليم الأخلاق يبدأ في مرحلة الطفولة ويرتبط تماماً بأساليب التنشئة الاجتماعية، وما يرافقها من تقنيات وأساليب يتعرض لها الطفل أثناء قيامه بسلوكيات مرغوبة أو غير مرغوبة. إنه بلا شك يكتسب الضمير أو الأنا الأعلى الذي يتحلى به الآباء، ومعاييرهم في الحكم على الصواب والخطأ؛ لذا لا يكون من المستغرب اختلاف المعايير الأخلاقية وشدتها من أسرة إلى أخرى ومن مجتمع إلى آخر.

والسؤال المهم يبقى عن الطريقة التي يتعلم بها الطفل الضمير أو الأخلاق من خلال عملية التنشئة الاجتماعية؟ كما تبقى الإجابة عن هذا السؤال محصورة في اتباع عدة أساليب مستقلة ومتتابعة ومتداخلة في آن واحد، دون الاعتماد على أسلوب وترك غيره؛ لأن التكامل فيما بينها قائم أساساً، بل لأن أحدها قد يؤدي إلى الآخر.


ونذكر من هذه الأساليب:
أ) الثواب والعقاب:
تعد أساليب الثواب والعقاب وسيلة هامة يلجأ إليها الآباء والمربون لغرس الضمير أو الأنا الأعلى في نفوس أبنائهم، إنهم يدربونهم عن طريق مكافأة وتدعيم استجابات معينة وإيقاع العقاب على استجابات أخرى، معتمدين في ذلك مبادئ نظرية التعلم التي تؤكد أن السلوك الذي يكافأ يميل لأن يقوى ويتكرر إلى الحد الذي يصبح فيه أسلوب حياة يلجأ إليه الفرد وكعادة سلوكية ثابتة نسبياً، وبالمقابل فإن السلوك الذي يُعاقب عليه يميل لأن يضعف وينطفئ.
وفي حال الأخلاق فإن الثواب والعقاب لا يبقيان خارجيين موجهين من قبل الأفراد المحيطين بالطفل، بل يندمجان ليشكلا جزءاً من الضمير أو الأنا الأعلى لدى الفرد بحيث يصبحان رمزيين أكثر منهما ماديين ملموسين، فقيام الفرد بسلوك يتفق مع معاييره ومعايير الجماعة يشعره بالسعادة والرضى، وهذا بحد ذاته نوع من المكافأة أو الثواب الذاتي، في حين أن قيامه بسلوك لا يتفق مع معاييره التي تربى عليها والمستدمجة فيه، يشعره بالذنب وبتبكيت الضمير، وهذا نوع من العقاب الذاتي، فبقدر ما تكون شدة المكافأة أو العقاب الذاتيين بقدر ما يجعلان الفرد ميالاً لإعادة السلوك وتكراره أو الابتعاد عنه وإطفائه.
ب) الملاحظة والتقليد:
يمكن للأطفال عن طريق ملاحظتهم لسلوك الآخرين، تنمية معايير أخلاقية وأنماط سلوكية محددة، فبمجرد ملاحظتهم لما يقوم به الآخرون فإنهم يتخذونهم قدوة، دون أي حاجة لتدعيم السلوك إيجابياً أو تنحيته سلبياً، وهؤلاء الآخرون يكونون عادة الآباء والمدرسين والأخوة والشخصيات المشهورة في المجتمع الحالي أو عبر التاريخ في أي مجال يقدره الطفل أو من حوله.
ترتبط ملاحظة الطفل لسلوك الآخرين بقدرته على تقليدهم ومحاولة محاكاتهم بدءاً من بداية السنة الثانية، حيث تعتمد المحاكاة على الملاحظة المباشرة للسلوك وليس على صورة ذهنية له، ولكنه لا يلبث أن يتحول تقليده من الصور المادية إلى الصور الذهنية حيث تستدمج هذه الصور داخلياً ويصبح قادراً على استرجاعها فيما بعد.
من المؤكد أن الطفل لا يقلد جميع سلوكيات الأبوين - أو القدوة - لأنه لو فعل ذلك لأصبح صورة طبق الأصل عنهما، إنه يقلد بعضها ويترك بعضها الآخر، مستنداً إلى أسلوب الثواب والعقاب، وما يترتب على السلوك المقلد من نتائج ممتعة له أو غير ذلك.
ولكن لا بد من الإشارة إلى أن الأمر لا يستند فقط إلى نتائج الثواب والعقاب، فالمحاكاة آلية أولية يلجأ إليها الطفل باعتباره كائناً ذاتي الإرادة؛ لأنه هو الذي يختار السلوك الذي يقلده حسب رغبته هو، وليس حسب اختيار الآخرين ورغبتهم فقط؛ مما يعطي مؤشراً على استقلالية إرادة الطفل حتى في موضوع المحاكاة والتقليد؛ مما يجعل السلوك المقلد مستدمجاً داخلياً ليصبح فيما بعد لا شعورياً.
ج) التوحد:
لا يقف ظهور السلوك عند حد الملاحظة والمحاكاة بل يتعداه إلى التوحد الذي يمثل أعلى مرحلة من مراحل التقليد؛ فالطفل يلاحظ وجود شخص يشبهه ثم لا يلبث أن يشاركه في كل سلوكياته، بل يبدو وكأنه يتقاسمها معه انفعالياً ووجدانياً؛ فيتبنى الطفل نمطاً كلياً ثابتاً نسبياً للسلوك الصادر عن الشخص المتوحد به والذي غالباً ما يكون الوالدين أو أحدهما.
يؤكد الثبات النسبي للنمط السلوكي أن السلوك الأخلاقي السائد في الأسرة هو ذاته السلوك الذي يتوحد به الطفل، وهذا ما يؤكد الموروثية الاجتماعية أو الأسرية للسلوك بشكل يصبح تعديله عسيراً، عكس السلوك الذي يعتمد على ملاحظة الآخرين.
في ضوء ما سبق يمكن القول بأن الطفل من خلال عملية التنشئة الاجتماعية يبدأ بالشعور بالقلق إذا لم يطبق المعايير الاجتماعية المقبولة على سلوكه الخاص، إنه يبني منظومة سلوكية ذاتية لا شعورية توجه سلوكه باتجاه ما بعيداً عن رقابة الشخص المتوحد به أو الرقابة الخارجية، إنه يعمل الآن برقابة داخلية نسميها الأنا الأعلى أو الضمير الخلقي.



[1] ) د/ إيمان عز-مجلة النبأ-العدد66-المحرم 1423هـ

0 التعليقات:

إرسال تعليق

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More