ما الحلول
المقترحة للحد من عوامل الخوف لدى الطفل الفلسطيني من منظور تربوي إسلامي؟[1]
وللإجابة
عن هذا السؤال تمت دراسة التراث الإسلامي المتعلق بتربية الطفل تربية تقوم على
ممارسة منهاج الله قولاً وفعلاً، في ميدان التربية والبناء والإعداد والتدريب
للإنسان، فالتربية الإسلامية هي عملية بناء للإنسان فكراً وعقيدةً وتصوراً
إيمانياً وعقلاً متدبراً، ونفسيةً خاشعةً، وعاطفةً صادقة.
فالخوف يعتبر انفعال في
النفس الإنسانية، ينمو لظروف ملائمة ، ويخبو بتلقي العلاج المناسب في الوقت
المناسب، والشك والخيال ظرفان ملائمان لنموه ، والمفاجأة من أخطر أسباب الإثارة له
، وإطفاء هذه المحرضات متعلق بمعرفة العلاج المناط له.
فقد يتعرض الطفل لكابوس أثناء النوم في أي وقت في
حياته؛ ولأن الإنسان لابد وأن يحلم أثناء النوم ولكن قد توجد أحلام مزعجة تسبب
الخوف والفزع أثناء النوم وهي ما يطلق عليها أحلام سيئة أو كوابيس، لذلك فعلى
الطفل أن يتدرب على النطق بدعاء النوم قبل نومه، فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن
النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إذا جاء أحدكم فراشه فلينفضه بصنفة ثوبه
ثلاث مرات ويقول باسمك ربّ وضعت جنبي وبك أرفعه إن أمسكت نفسي فاغفر لها وإن
أرسلتها فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصالحين" (صحيح البخاري، 1987: 2691).
كما أن عدم تجاهل
الآباء لأبنائهم الأطفال وإعطائهم قبلةً على الجبين وتذكيرهم بالدعاء قبل النوم،
وترك باب الغرفة مفتوحاً يقلّل من خوفهم وقد يعين ترك ضوء خافت ليلاً في الغرفة
يبدّد بعض الظلام ويسهل حركته في الغرفة إذا استيقظ لقضاء حاجته في الليل. وإظهار
الوالدين التفهم لمخاوف الطفل، وعدم السخرية أو الاستهانة لها والإنصات لمشاعره
وتركه يعبّر عنها بحرية والاهتمام؛ لأن مجرد الإفصاح والحديث عن المخاوف يقلّل من
التوتر ويساعد على مناقشتها والتماس سبل مواجهتها. وعدم تغيير نمط
التعامل مع الأشياء المألوفة؛ لأن ذلك قد يزيد الطفل وعياً بمشروعية خوفه، وأنه
محق في ذلك فتلافى المرور بجوار منزل به حيوان في الحديقة أو تغيير المسار أثناء
السير لتجنب المرور بجوار الشرطي الذي يخيف مظهره كلها تصرفات قد تكرس لدى الطفل
أن خوفه مبرّر فيزيد هذا الخوف، ويجب أن نعلّم الطفل كيف يتخلص من الخوف تدريجياً
ففي المرة التالية عند إصابته بالخوف أو الذعر اسأله عن حجم الخوف فربما قلّ بعض
الشيء ويمكننا أن نرصد كيف أن التعرّض لموضوع الخوف قد يقلّل من كم الفزع ونلفت
نظر الطفل لكون ذلك دليلاً على أن الخوف سيظل يتضاءل حتى يذهب تماماً، واجعل للطفل
مركزاً ومساحة للأمان ثمّ علمه أن يقترب من المساحة التي تثير ذعره ثم يعود إلى
مركز الأمان ونقطة السلامة، كأن يكون في غرفة مضاءة ثم يقترب هو من غرفته المظلمة
ثم يعود أو أن تسأله أن يأتي بشيء من غرفتك المظلمة ويرجع لك بسرعة وتنتظره أمام
بابها وبذلك يحاول التغلب على خوفه فترة قصيرة تطول مع الوقت حتى يتخلص منه
تماماً.
ومحاولة زيادة ثقة
الطفل بنفسه من خلال الدعاء ففي المناهج الغربية للتغلب على الخوف والذعر يعلمون
الأطفال مجموعة من العبارات لبث الأمان في نفسه، مثل: سأكون بخير وأنا قادر على
التغلب على المشكلة ويمكن أن يعلّم الطفل المسلم عبارات، مثل: الله معي أو أن يقرأ
آيات قرآنية، مثل: الفاتحة والمعوذتين، وكذلك مدح أو تدعيم لأي نجاح يحققه الطفل
في التغلب على خوفه.
فتنشئة الولد منذ
نعومة أظفاره على الإيمان بالله، والعبادة له، والتسليم لجنابه في كل ما ينوب
ويروع.. ولا شك أن الولد حين يربّى على هذه المعاني الإيمانية، ويعوّد على هذه
العبادات البدنية الروحية.. فإنه لا يخاف إذا ابتلى، لا يهلع إذا أصيب. قال تعالى:
" )إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً * إِذَا
مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً * إِلَّا الْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَلَى
صَلاتِهِمْ دَائِمُونَ( (المعارج،
الآيات: 19 - 23)، وإعطاؤه حرية التصرف وتحمل المسئولية، وممارسة الأمور على قدر نموه،
ومراحل تطوره، ليدخل في عموم قوله عليه الصلاة والسلام. فعن ابن عمر عن النبي صلى
الله عليه وسلم قال: " كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته، فالأمير الذي على
الناس راع وهو مسئول عن رعيته، والرجل راع على أهل بيته وهو مسئول عنهم، والمرأة
راعية على بيت بعلها وولده وهي مسئولة عنهم، والعبد راع على مال سيده وهو مسئول
عنه، ألا كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته" (صحيح مسلم،ب.ت:1829).
فعدم إخافة الولد – ولا سيما عند البكاء – بالغول
والضبع، والحرامي، والجني، والعفريت.. ليتحرّر الولد من شبح الخوف وينشأ على
الشجاعة والإقدام ويدخل في عموم الخيرية التي وجّه إليها النبي صلى الله عليه
وسلم. فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "
المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير" (مسند أحمد،
ب.ت:393).
فتمكين الطفل منذ أن يعقل
بالتفاعل الاجتماعي مع الآخرين، وإتاحة المجال له للالتقاء بهم، والتعرّف عليهم،
ليشعر الطفل من قرارة وجدانه أنه محل عطف ومحبة واحترام.. مع كل من يجتمع به،
ويتعرف عليه؛ ليكون من عداد من عناهم الرسول صلى الله عليه وسلم، فعن ابن جريج رضي
الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " المؤمن آلف مألوف ولا خير فيمن
لا يألف ولا يؤلف، وبه خير الناس أنفعهم للناس" ( الذهبي، 1995: 300).
ويرى الباحث أنه لا بأس
أن نجعل الطفل أكثر تعرّفاً للشيء الذي يخيفه، فإذا كان يخاف الظلام فلا بأس بأن
نداعبه بإطفاء النور ثمّ إشعاله، وإن كان يخاف الماء فلا بأس بأن نسمح له بأن يلعب
بقليل من الماء في إناء صغير أو ما شابهه، وإن كان يخاف من آلة كهربائية كمكنسة
مثلاً فلا بأس بأن نعطيه أجزائها ليلعب بها ثم نسمح له بأن يلعب بها كاملة، وخوف
الطفل من جنود الاحتلال والذي شاهدهم بعينيه وسمعهم بأذنيه، فلا بأس بأن نواجهه
بصور تمثيلية كأن نضع أمامه جندي وهو يطلق عليه الرصاص من بندقية بلاستيكية.
إن تلقين الأطفال مغازي رسول الله صلى الله عليه
ومواقف السلف البطولية، وتأديبهم على التخلّق بأخلاق العظماء من القواد والفاتحين
والصحابة والتابعين؛ ليطبّعوا على الشجاعة الفائقة، والبطولة النادرة وحب الجهاد،
وإعلاء كلمة الله.
وهذا ما قاله سعد بن أبي
وقاص رضي الله عنه في هذا المعنى: " كنا نعلم أولادنا مغازي رسول الله صلى
الله عليه وسلم كما نعلمهم السورة من القرآن"، وكذلك وصية عمر بن الخطاب –
رضي الله عنه – للآباء في تعليم أبنائهم مبادئ الفتوّة والفروسية ووسائل الحرب
والجهاد – حين قال: " علموا أولادكم الرماية والسباحة وركوب الخيل، ومروهم
فليثبوا على الخيل وثباً".
وهذا ما يذكرّنا بمسئولية
التربية الإيمانية فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم: " أدبوا أولادكم على ثلاث خصال: حب نبيكم، وحب آل بيته، وتلاوة
القرآن" (مسند أحمد، ب.ت:9415).
ويوم يمشي الآباء
والمربون على هذا المنهج العظيم الذي مشى عليه أجدادنا البواسل الأمجاد، ويوم
يتربّى أولادنا على هذه الخصال، ويوم يأخذون بقواعد التربية الصحيحة في تحرير
الأولاد من الخوف، والجبن والخور، يوم يفعلون كل هذا، يتحول الجيل يومئذ من القلق
إلى الثقة، ومن الخوف إلى الشجاعة، ومن الخور إلى العزيمة، ومن الخنوع والذلة إلى
حقيقة العزة والكرامة. قال تعالى: " ) وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ
وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ( (المنافقون، آية:8)
[1] ) من بحث بعنوان(العوامل المؤدية للخوف لدى الطفل
الفلسطيني وسبل الحد منها من منظور إسلامي) للأستاذ الدكتور عبدالفتاح عبدالغني
الهمص، الجامعة الاسلامية-كلية التربية- غزة
[1] ) من بحث بعنوان(العوامل المؤدية للخوف لدى الطفل
الفلسطيني وسبل الحد منها من منظور إسلامي) للأستاذ الدكتور عبدالفتاح عبدالغني
الهمص، الجامعة الاسلامية-كلية التربية- غزة
0 التعليقات:
إرسال تعليق