رسالة للأزواج
ادفـع المـلل عنك بالصـلاة
لا أحسب أن أحدًا يبدأ يومه بالصلاة، يناجى رب العالمين،
ويلجأ إليه ويطلب منه العون والقوة ثم يشعر بالملل بعد ذلك، يقول رسول الله "e":
" من صلى الصبح فهو فى ذمة الله "
(رواه مسلم). أى أن الله تعالى يحرسه ويرعاه،
فهو تحذير لكل من أراد أن يؤذيه من شيطان أو إنسان.. نعم فالصلاة تعطى للإنسان
راحة نفسية عظيمة، وقوة روحية كبيرة يستطيع بها التغلب على كدر الحياة، " كان
رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا حَزَبَه أمر فزع إلى الصلاة " (رواه البخارى).
فهل جربت أيها الزوج وهل جربت أيتها الزوجة اللجوء إلى
الله وإلى الصلاة عند الشعور بالملل؟!
وهذا أشهر الأطباء فى الغرب صاحب أشهر المؤلفات:
"الإنسان ذلك المجهول" يقول: "لعل الصلاة هى أعظم طاقة مولدة
للنشاط عرفت إلى يومنا هذا، وقد رأيت بوصفى طبيبًا كثيرًا من المرضى فشلت العقاقير
فى علاجهم، فلما رفع الطب يديه عجزًا وتسليمًا تدخلت الصلاة فأبرأتهم من عللهم..
إننا نربط أنفسنا حين نصلى بالقوة العظمى التى تهيمن على الكون ونسألها ضارعين أن
تمنحنا قبسًا منها نستعين به على معاناة الحياة، بل إن الضراعة وحدها كفيلة بأن
تزيد قوتنا ونشاطنا ولن تجد أحدًا ضرع إلى الله مرة إلا عادت إليه هذه الضراعة
بأعظم النتائج"([1]).
لذلك جعل الإسلام الحنيف فى اليوم والليلة خمس صلوات فى
أوقات مختلفة ومتلاحقة من وقت استيقاظ الإنسان؛ حتى يغتسل الإنسان بين الحين
والآخر من أدران الحياة وهمومها، وقد شرع صلاة تسمى "صلاة الحاجة"
يلجأ إليها الإنسان المسلم كما كان يلجأ إليها رسول الله "e" إذا
حزبه أمر من أمور الحياة، فيطلب العون من الله والمساعدة، وهما ركعتان مثل ركعتي
النافلة يدعو بعدهما العبد بما شاء قال تعالى: { وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا
دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي
وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ
} (البقرة: 186).
أيها الزوج إذا شعرت بالملل أو بسوء خلق زوجت فالجأ إلى
الصلاة وادعوا الله أن يصلح حالها، وانظر إلى قول الله تعالى: { وَأَصْلَحْنَا لَهُ
زَوْجَهُ } (الأنبياء: 90)،
وكان ذلك عن سيدنا زكريا "عليه السلام" لأنه كان من المسارعين فى
الخيرات الداعين الله رغبًا ورهبًا وكان من العابدين.
وانظر إلى هذا الحديث القدسى حين يخاطب الله تعالى عباده
جميعًا قائلاً: "يا عبادي كلكم ضال إلا من هديته، فاستهدوني
أهدكم، يا عبادي كلكم جائع إلا من اطعمته فاستطعمونى أطعمكم، يا عبادى كلكم عار
إلا من كسوته فاستكسوني أكسكم" (رواه
مسلم).
فكيف بمن يدعو الله إلى رحابه! ما له يترك دعاءه
ونداءه؟!
دخل رسول الله "e" المسجد
مرة فوجد أبا أمامة جالسًا فى صحن المسدد فى غير وقت الصلاة فسأله عن سبب ذلك فقال
أبو أمامة: هموم لزمتنى وديون يا رسول الله، فقال رسول الله "e":
" أفلا أعلمك كلامًا إذا قلته أذهب الله همك،
وقضى عنك دينك؟ قال: بلى يا رسول الله، قال: إذا أصبحت وإذا أمسيت فقل: اللهم إنى أعوذ بك من الهم والحزن،
وأعوذ بك من العجز والكسل، وأعوذ بك من الجبن والبخل، وأعوذ بك من غلبة الدين وقهر
الرجال " (رواه أبو داود).
قال أبو أمامة: ففعلت لك فأذهب الله همى، قضى عنى دينى.
فهذا دعاء لمن أصابه هم أو حزن أو شعر بالملل، وليس
المهم فى التلفظ باللفظ فحسب بل استشعار المعنى واللجوء إلى الله تعالى خالق
الخلق، ومُسبب الأسباب، والثقة فيما عند الله تعالى.
هذا وقد يعترى الملل الحياة الزوجية نتيجة للروتين
اليومى والذى قد لا يتغير كثيرًا فيبعث على الملل، نعم الحياة بغير تطور تبعث على
الملل، ولكن ما الذى يجعلك لا تتطور ولا تغير عاداتك؟!
حاول أن تقوم أنت وزوجتك برحلة خلوية فى الأماكن
المفتوحة، حاول أن تغير نمط حياتك اليومي، أنواع الطعام والشراب. قم بزيارة لصديق
عزيز، أو لأسرة ذات صلات وثيقة بك. قم بصلة الرحم لأقاربك وإخوتك، زيارة المرضى،
حضور الحفلات والأفراح واصطحاب الأولاد والأسرة معك، هذا فوق أنه تغيير فى الروتين
اليومى فهو يعطى الأولاد فكرة جيدة عن طبيعة المجتمع والتعايش الاجتماعى، اجمع
أولادك على تلاوة كتاب الله، وقراءة سيرة رسول الله "e" وسير
الصحابة الكرام، كما أن اللهو مع الأولاد ليس مضيعة للوقت، كلا، يقول رسول الله "e":
" كل شيء يلهو به ابن آدم فه وباطل إلا ثلاثًا:
رمية عن قوسه، وتأديبه فرسه، وملاعبته أهله فإنهن من الحق " (رواه البخاري ومسلم).
فلنجعل من حياتنا أوقاتًا للهو المباح والمرح، وهذا رسول
الله "e" مع
كثرة مشاغله فى الدعوة إلى الله تعالى فغنه يجعل بين أوقات الجد والجهاد أوقاتًا للمرح
والدعابة، فى إحدى الغزوات وبعيدًا عن أعين الناس وفى وقت الراحة يتسابق مع زوجته
السيدة عائشة "t"
فيسبقها بعد أن تكون سبقته مرة قبل ذلك، فيضحك "e" ويقول
لها: " هذه بتلك "ثم فى إحدى
المرات يطاطئ لها كتفه حتى تنظر إلى الحبشة وهم يلعبون بالحراب فى المسجد، فتقول
السيدة عائشة: "والله لقد رأيت النبي "e"
على باب حجرتى والحبشة يلعبون بالحراب فى المسجد ورسول الله "e" يسترنى
بردائه لأنظر إلى لعبهم بين أذنه وعاتقه ثم يقوم من اجلى حتى أكون أنا التى انصرف،
فقدروا قدر الجارية الحديثة السن الحريصة على اللهو" (رواه البخاري ومسلم).
كما أن الملل قد يتسرب إلى الحياة الزوجية نتيجة بعض
العادات السيئة التى اعتادها الزوج أو اعتادتها الزوجة ولم يحاولا التغلب عليها
بحجة أن هذه عادة ولن تتغير، والحقيقة أن كل عادة قابلة للتغير، نعم قد تكون من
الصعوبة بمكان، لكن ممكن تغييرها، وانظر أيها الزوج الكريم إلى المجتمع الجاهلى
على عهد رسول الله "e" والذى
كان يمتلئ بعادات مرذولة كيف تغير، وكيف تغير الناس فى سنوات قلائل، وكيف تغيرت
عاداتهم!!
استعن بالإيمان بالله فى مواجهة تلك العادات السيئة، ولن
تعجز إذا توفرت النية الصادقة، والعزيمة القوية.
"واعلم أن السمات الشخصية لا تورث .. وإن الكثير من
علماء النفس يعتقدون أن الشخص الناضج انفعاليًا يستطيع أن يعدل سمات شخصيته
ويهذبها بنفس السهولة التى يتعلم بها تسيير آلة معقدة"([2]).
0 التعليقات:
إرسال تعليق