Featured Video

الاثنين، 3 مارس 2014

المربي ورسالته في ضوء الإسلام

                     
  المربي ورسالته في ضوء الإسلام[1]

إن المربي هو العنصر الفعال في العملية التربوية ، ويكون نجاحه وأثره في أبنائه وطلابه ، مرهوناً بما يحمل في رأسه من علم وفكر ، وما يحمل في قلبه من إيمان برسالته ، ومحبة لتلاميذه ، وما أوتي من موهبة وخبرة في حسن طريقة التعليم .

وكثيراً ما كان المعلم الصالح عِوَضاً عن ضُعف المنهج ، وضُعف الكتاب ، وكثيراً  ما كان هو المنهج والكتاب معاً . ومن هنا كانت عناية النبي صلى الله عليه وسلم بالمعلم ، وتنويهه برسالته ، وما لها شأن عند الله ، وعند المخلوقات كلها . فهو مشغول بمهمته ، وهي مشغولة بالاستغفار له(1) .
يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن الله وملائكته ، وأهل السماوات  والأرض حتى النملة في جحرها ، وحتى الحوت ، ليصلون على معلمي الناس الخير ) رواه الترمذي من حديث أبي أمامة ، وقال : حديث حسن . وأي فضل أعظم من أن تشتغل هذه المخلوفات المبرأة من الذنوب -في السماء -بالصلاة والدعاء لمن يعلم الناس الخير .
ويقول عليه الصلاة والسلام : ( لا حسد إلا في اثنتين : رجل آتاه الله مالاً فسلطه على هلكته في الحق ، ورجل آتاه الله الحكمة فهو يقضي بها ويعلمها ) رواه البخاري ومسلم .
والحسد هنا معناه : الغبطة . وكيف لا يغتبط الغني الشاكر ، العالم المعلم ؟ بل جاء في الحديث  أن الصدقة بتعليم العلم أفضل من الصدقة بإيتاء المال . فعن أبي هريرة رضي الله عنه ، أن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : ( أفضل الصدقة أن يتعلم المرء علماً ثم يعلمه أخاه المسلم ) رواه ابن ماجة . وقال  أيضاً : ( ما من رجل مسلم تعلم كلمة أو كلمتين أو ثلاثاً أو أربعاً أو خمساً مما فرض الله عز وجل ، فيتعلمهن ويعلمهن إلا دخل الجنة ) رواه أبو نعيم .
- أهمية المربي :
أشار القرآن إلى دور المعلمين من الأنبياء وأتباعهم ، وإلى أن وظيفتهم الأساسية دراسة العلم الإلهي وتعليمه . قال تعالى : ) ما كان لبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللهُ الكتابَ والحُكْمَ والنبوة ، ثم يقول للناسِ كونوا عباداً لي مِنْ دون الله ولكن كونوا ربَّانيين بما كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الكتابَ وبما كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ([آل عمران : 3/ 79 ] . ولقد شرف الله تعالى مهنة التعليم بأن جعلها من جملة المهام التي كلف بها رسول الله صلى الله عليه وسلم . وقال تعالى : )لقدمَنّ اللهُ على المؤمنين إذْ بعثَ فيهم رسولاً من أنفُسِهِمْ يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلالٍ مبين ([ آل عمران : 3 / 164 \] .
ويتضح من هذه الآيات أن للمربي وظائف أهمها (2) :
أ - التزكية أي التنمية والتطهير والسمو بالنفس إلى بارئها وإبعادها من الشر،والمحافظة على فطرتها .
ب- التعليم أي نقل المعلومات والعقائد إلى عقول المؤمنين وقلوبهم ليطبقوها في سلوكهم وحياتهم .
ولم تعد وظيفة المعلم اليوم مقصورة على التعليم ، أي توصيل العلم إلى    المتعلم ، كما يظن بعض الناس .ولكن وظيفته تعدت هذه الدائرة المحدودة إلى دائرة التربية.فالمعلم مرب أولاً وقبل كل شيء ، والتعليم بمعناه المحدود جزء من عملية التربية . ونحن ننتظر من المربي المسلم أن ينمي عند الأطفال ذكاءهم ، وأخلاقهم ، ومهارتهم في العمل ، وتذوقهم للجمال ، وينشئهم على العادات الصالحة ، والمثل العليا ، وإتقان المهارات ، والتمسك بآداب السلوك الإسلامي الصحيح . وبعبارة أخرى يقع على المربي المسلم أن يعمل على تمكين الأطفال من أن يلائموا بين أنفسهم وبين البيئة الإسلامية التي يعيشون فيها ، من النواحي المادية والاجتماعية والروحية .
- الخصائص التي يجب أن تتوافر في المعلم ( المربي ) :
ينبغي أن تتوافر في المعلم خصائص جسيمة وعقلية وخلقية ، تمكنه من أداء وظيفته ومهامه التربوية خير أداء ، وهذه الخصائص هي (3):
1-الخصائص الجسيمة :
- أن يكون سليم الصحة ، خالياً من الضعف والأمراض ، فالمعلم المريض لا يستطيع القيام بوظيفته ، كما لو كان سليماً ، ولاشك أن المرض يصرفه من أداء واجبه ، ويحرم الأطفال كثيراً من الفرص المفيدة في حياتهم المدرسية .
 - أن يكون خالياً من العاهات والعيوب الشائعة ، كالصم والعور ، وحبسة اللسان أو الثأثأة ، لأن هذه العاهات من طبيعتها تجعله يقصر في وظيفته ، وتعرضه لسخرية التلاميذ ونقدهم ، ومن العيوب الشائعة تقوس الساقين ،  واحديداب الظهر ، وتورم ظاهر في بعض الغدد .
-   أن يكون فياض النشاط ، فالمعلم كسول يهمل عمله ولا يجد من الحيوية، ما يحركه للقيام بواجبه ، وقد يكون الكسل عادة ، لا ينتجه لضعف أو مرض ، وقد يكون الكسل شيئاً نفسياً . وعلى أية حال فالتلميذ هذا الذي يعاني نتيجة هذا الكسل .
2  -خصائص العقلية :
-إلمامه بمادته وبما يجد من نظريات،فضعف المعلم في مادته يجعله يقصر في تحصيل التلاميذ لها ، يعرضهم للخطأ فيها . ثم أن هذا الضعف يزعزع ثقة التلاميذ فيه ، وقد يصرفهم عنه فيسقط في نظرهم ، وأثر ذلك في نفسه ارتباك وشعور بمركب النقص ، ويستحيل في مثل هذه الحال أن يقوم المعلم بعمله ، وخير للمعلم أن يعترف بأنه يجهل ما يفعله ، من أن يعطي التلاميذ معلومات خاطئة على أنها صحيحة .
-الإلمام بنفسية التلاميذ وعقليتهم وميولهم واستعداداتهم ومراحل نموهم ،فهو كالطبيب لا يستطيع وصف الدواء ما لم يعرف حقيقة المرض .
 - الإلمام بقواعد التدريس المناسبة للتلميذ والمادة .
 -  الميل إلى التدريس وحب المهنة التربوية .
 - أن يكون كثير الاطلاع ، ميالاً لإنماء معارفه ، وزيادة خبراته .
3 -الخصائص الخلقية :
  - العطف واللين مع التلاميذ : فلا يكون قاسياً عليهم فينفرهم ، ولا يكون عطوفاً لدرجة  الضعف فيفقد احترامهم له ، ومحافظتهم على النظام .
   - الصبر والأناة والتحمل .
  - الحزم والكياسة : فلا يكون ضيق الخلق ، قليل التصرف ، سريع الغضب ، فيفقد بذلك  إشرافه على التلاميذ ويفقد احترامهم له .
  - أن يكون مخلصاً في عمله ، جاداً فيه .
 - أن يكون طبيعياً في سلوكه مع تلاميذه وزملائه،غير متكلف ، سواء في حجرة الدراسة ،  أو في ميادين النشاط الأخرى .
  - أن يكون مثالاً يحتذى في تطبيق شعائر الدين والتأديب بآدابه .
  - صفات المربي الناجح :
أجريت دراسة على مجموعة من الطلاب الدارسين لمادة التربية وطرق تدريس ، الذين يتم تأهيلهم تربوياً لمهنة التعليم ، وقد سئل كل طالب أن يتذكر المعلمين الذين عرفهم ، في مراحل التعليم المختلفة ، وأن يكتب الصفات المميزة لأنجح هؤلاء المعلمين ، وقد أسفرت الدراسة عن أهم الصفات تتمثل فيما يلي (4) :
-الميل إلى التدريس وحب المهنة التربوية .
-الإلمام التام بالمادة التي يدرسها وإجادتها .
-كيفية تبسيط المادة ونقلها إلى التلاميذ ، وهي مهارة مهنية تتعلق بإجادة طرق
التدريس .
-حب المدرس للتلاميذ وتعاطفه معهم واهتمامه بهم وبذل الجهد من أجل معاونتهم .
-جاذبية الشخصية وتتمثل في قوة الشخصية والتواضع والقدرة على تكوين علاقات ، قوامها الألفة والاحترام والثقة المتبادلة مع الآخرين .
ونستطيع أن نحدد أهم الصفات الأساسية ، التي يجب توافرها في المربي  الناجح (5) :
1-الجانب العقائدي : يجب أن يكون المدرس ( المربي ) في المجتمع   الإسلامي ، مؤمناً بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره   وشره ، وأن يلتزم في سلوكه وعلاقاته بالآخرين المنهج الإسلامي ، حتى يكون أسوة حسنة    لطلابه .
2-الإخلاص : أن يكون مخلصاً ، وهذا من تمام صفة الربانية وكمالها ،أي ألا يقصد بعمله التربوي ، وسعة علمه وإطلاعه إلا مرضاة الله ، والوصول إلى الحق ، ونشره في عقول تلاميذه، وجعلهم أتباعاً له .
3-الصبر : أن يكون صبوراً على معاناة التعليم ، وتعريب المعلومات إلى أذهان التلاميذ ، وبأن الصبر نتيجة طبيعية للأمل في ثواب الله ، والإيمان بجزائه يوم الحساب .  قال تعالى : } يا أيها الذين آَمَنُوا لِمَ تقولونَ ما لا تَفْعَلُونَ ، كَبُرَ مَقْتاً عندَ اللهِ أن، تقُولوا ما لا تَفْعَلونَ { [ الصف : 61/ 2-3 ] .
4- الصدق : إن الصدق يجعل للمدرس المكانة العليا في النفوس ، فعلى المدرس أن يتحلى بكل الأخلاق والتعاليم التي يعرضها على تلاميذه ويحثهم عليها وإذا خالف عمله يدعو إليه ، فإن طلابه يشعرون بعدم عزمه على تحقيق ما يقول ، أو بعدم إيمانه بما يقول ، أو بعدم جدية أقواله
5-الجانب العملي : يجب أن يجيد المدرس المادة التي يقوم بتدريسها ، وأن يكون على إطلاع  مستمر بما يستجد فيها ، حتى يكسب احترام طلابه وثقتهم  به .
6-الجانب الفني في التدريس ، يجب أن يكون المعلم ملماً بأهم طرق التدريس ، وتبسيط المعلومات ونقلها إلى عقول الطلاب ، من خلال أساليب التدريس ، وأن يكون قادراً على ترجمة هذه الطرق أو الأساليب عملياً أو تطبيقياً .
7-سعة الأفق والثقافة العامة : يجب أن يلم المدرس الناجح بالأحداث الجارية وأهم خصائص مجتمعه وأهدافه العليا . وأن يكون واعياً للمؤثرات والاتجاهات العالمية ، وما تركه في نفوس الجيل ، من أثر على معتقداتهم ، وأساليب تفكيرهم ، فاهماً لمشكلات الحياة المعاصرة ، وعلاج الإسلام لها .
8-أن يكون عادلاً بين طلابه : لا يميل إلى أي فئة منهم ، ولا ينفصل أحداً على أحد إلا بالحق ، وبما يستحق كل طالب حسب عمله ومواهبه . فقد أُمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ وهو قدوة المعلمين ـ بالعدل ، في قوله تعالى : ) واسْتَقِمْ كما أُمِرْتَ ولا تتبع أهواءَهُمْ ، وقُلْ آمَنْتَ بما أَنْزَلَ اللهُ من كتابٍ ، وأُمِرْتُ لأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ ( [ الشورى : 42/ 15 ] .
- رسالة المربي :
يعد التعليم أشرف رسالة ، فالرسول صلى الله عليه وسلم ، يقول إنه بعث معلماً وقد علم الله سبحانه وتعالى رسوله الكريم ، وكانت أول آية نزلت هي : )اقرأ باسم ربك الذي خلق {  [ العلق : 96/ 1 ]، ويقسم سبحانه وتعالى بالقلم في سورة القلم : ) ن والقلمِ وَمَا يَسْطُرُونَ ([ القلم : 68/1 ] .ورسالة المربي ، في المدرسة الحديثة ، واسعة متعددة الجوانب والأطراف :
- فهي رسالة ربانية : تهدف إلى تنشئة الأطفال على رقابة الله عز وجل،وتوحيده ودوام الصلة به ، وإخلاص العبادة له ، والرغبة في ثوابه ، والخوف من عقابه ، والتواصي بالحق والتواصي بالصبر .
- وهي رسالة تربوية : ترمي إلى تنمية عقول التلاميذ وعواطفهم ، وتنشئتهم على التفكير بالطريقة الصحيحة ، كما تهدف إلى تربية جسدهم وصحتهم وأذواقهم تربية سليمة .
- وهي أيضاً رسالة أخلاقية : غايتها تعويد التلميذ أن يتخلق بأحسن الأخلاق ، من صراحة ومروءة وأمانة ، وأن يمارس ذلك تلقائياً .
-وهي رسالة اجتماعية : هدفها إيجاد التجانس والوحدة بين أبناء الأمة وتزويدهم بثقافة واحدة وإجماعهم على هدف واحد . وهدفها أيضاً تزويد الطالب بكل وسائل الفاهم الاجتماعي من لغة وتقاليد حميدة ، وبكل ما أجمع عليه مجتمعه من مثل إسلامي أعلى ، وأهداف سامية ومصالح خيرة ، حتى يصبح أبناء الأمة الواحدة، كما وصفهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ترى المؤمنين في تَرَاحُمِهِمْ وَتَوادِّهِمْ وتعاطُفِهِم كَمَثلِ الجسد إذا اشتكى عضوٌ تداعى له سائر جسده بالسَّهرِ والحُمَّى ) رواه البخاري ومسلم .
___________________________
-         المراجع :
(1) د . يوسف القرضاوي : الرسول والعلم ، ص 110  مؤسسة الرسالة ، بيروت ط (5) 1991م
(2) عبد الرحمن النحلاوي : أصول التربية الإسلامية ص 171 دار الفكر ، دمشق ط (2) 1983م
(3)  أ . صالح عبد العزيز و د . عبد العزيز عبد المجيد : التربية وطرق التدريس ، 1 / 160 - 163
(4) د . محمد أحمد عبد الهادي : المربي والتربية الإسلامية ، ص 8 1 دار البيان العربي ، جد  ة  ط   (1) 1984 م

(5) المرجع السابق ، ص 82 - 83





[1] ) بهاء الدين الزهوري

0 التعليقات:

إرسال تعليق

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More