وكثيراً ما كان المعلم الصالح عِوَضاً عن ضُعف المنهج ، وضُعف
الكتاب ، وكثيراً ما كان هو المنهج والكتاب
معاً . ومن هنا كانت عناية النبي صلى الله عليه وسلم بالمعلم ، وتنويهه برسالته ،
وما لها شأن عند الله ، وعند المخلوقات كلها . فهو مشغول بمهمته ، وهي مشغولة
بالاستغفار له(1) .
يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن الله وملائكته ، وأهل
السماوات والأرض حتى النملة في جحرها ،
وحتى الحوت ، ليصلون على معلمي الناس الخير ) رواه الترمذي من حديث أبي أمامة ،
وقال : حديث حسن . وأي فضل أعظم من أن تشتغل هذه المخلوفات المبرأة من الذنوب -في
السماء -بالصلاة والدعاء لمن يعلم الناس الخير .
ويقول عليه الصلاة والسلام : ( لا حسد إلا في اثنتين : رجل آتاه
الله مالاً فسلطه على هلكته في الحق ، ورجل آتاه الله الحكمة فهو يقضي بها ويعلمها
) رواه البخاري ومسلم .
والحسد هنا معناه : الغبطة . وكيف لا يغتبط الغني الشاكر ، العالم
المعلم ؟ بل جاء في الحديث أن الصدقة
بتعليم العلم أفضل من الصدقة بإيتاء المال . فعن أبي هريرة رضي الله عنه ، أن
النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : ( أفضل الصدقة أن يتعلم المرء علماً ثم يعلمه
أخاه المسلم ) رواه ابن ماجة . وقال أيضاً
: ( ما من رجل مسلم تعلم كلمة أو كلمتين أو ثلاثاً أو أربعاً أو خمساً مما فرض
الله عز وجل ، فيتعلمهن ويعلمهن إلا دخل الجنة ) رواه أبو نعيم .
- أهمية المربي :
أشار القرآن إلى دور المعلمين من الأنبياء وأتباعهم ، وإلى أن
وظيفتهم الأساسية دراسة العلم الإلهي وتعليمه . قال تعالى : ) ما كان لبَشَرٍ أَنْ
يُؤْتِيَهُ اللهُ الكتابَ والحُكْمَ والنبوة ، ثم يقول للناسِ كونوا عباداً لي
مِنْ دون الله ولكن كونوا ربَّانيين بما كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الكتابَ وبما
كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ([آل
عمران : 3/ 79 ] . ولقد شرف الله تعالى مهنة التعليم بأن جعلها من جملة المهام
التي كلف بها رسول الله صلى الله عليه وسلم . وقال تعالى : )لقدمَنّ اللهُ على
المؤمنين إذْ بعثَ فيهم رسولاً من أنفُسِهِمْ يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم
الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلالٍ مبين ([
آل عمران : 3 / 164 \] .
ويتضح من هذه الآيات أن للمربي وظائف أهمها (2) :
أ - التزكية أي التنمية والتطهير والسمو بالنفس إلى بارئها
وإبعادها من الشر،والمحافظة على فطرتها .
ب- التعليم أي نقل المعلومات والعقائد إلى عقول المؤمنين وقلوبهم
ليطبقوها في سلوكهم وحياتهم .
ولم تعد وظيفة المعلم اليوم مقصورة على التعليم ، أي توصيل العلم
إلى المتعلم ، كما يظن بعض الناس .ولكن
وظيفته تعدت هذه الدائرة المحدودة إلى دائرة التربية.فالمعلم مرب أولاً وقبل كل
شيء ، والتعليم بمعناه المحدود جزء من عملية التربية . ونحن ننتظر من المربي
المسلم أن ينمي عند الأطفال ذكاءهم ، وأخلاقهم ، ومهارتهم في العمل ، وتذوقهم
للجمال ، وينشئهم على العادات الصالحة ، والمثل العليا ، وإتقان المهارات ،
والتمسك بآداب السلوك الإسلامي الصحيح . وبعبارة أخرى يقع على المربي المسلم أن
يعمل على تمكين الأطفال من أن يلائموا بين أنفسهم وبين البيئة الإسلامية التي
يعيشون فيها ، من النواحي المادية والاجتماعية والروحية .
- الخصائص التي يجب أن تتوافر في المعلم ( المربي ) :
ينبغي أن تتوافر في المعلم خصائص جسيمة وعقلية وخلقية ، تمكنه من
أداء وظيفته ومهامه التربوية خير أداء ، وهذه الخصائص هي (3):
1-الخصائص الجسيمة :
- أن يكون سليم الصحة ، خالياً من الضعف والأمراض ، فالمعلم المريض
لا يستطيع القيام بوظيفته ، كما لو كان سليماً ، ولاشك أن المرض يصرفه من أداء
واجبه ، ويحرم الأطفال كثيراً من الفرص المفيدة في حياتهم المدرسية .
- أن يكون خالياً من
العاهات والعيوب الشائعة ، كالصم والعور ، وحبسة اللسان أو الثأثأة ، لأن هذه العاهات
من طبيعتها تجعله يقصر في وظيفته ، وتعرضه لسخرية التلاميذ ونقدهم ، ومن العيوب
الشائعة تقوس الساقين ، واحديداب الظهر ،
وتورم ظاهر في بعض الغدد .
-
أن يكون فياض النشاط ،
فالمعلم كسول يهمل عمله ولا يجد من الحيوية، ما يحركه للقيام بواجبه ، وقد يكون
الكسل عادة ، لا ينتجه لضعف أو مرض ، وقد يكون الكسل شيئاً نفسياً . وعلى أية حال
فالتلميذ هذا الذي يعاني نتيجة هذا الكسل .
2 -خصائص العقلية :
-إلمامه بمادته وبما يجد من نظريات،فضعف المعلم في مادته يجعله
يقصر في تحصيل التلاميذ لها ، يعرضهم للخطأ فيها . ثم أن هذا الضعف يزعزع ثقة
التلاميذ فيه ، وقد يصرفهم عنه فيسقط في نظرهم ، وأثر ذلك في نفسه ارتباك وشعور
بمركب النقص ، ويستحيل في مثل هذه الحال أن يقوم المعلم بعمله ، وخير للمعلم أن
يعترف بأنه يجهل ما يفعله ، من أن يعطي التلاميذ معلومات خاطئة على أنها صحيحة .
-الإلمام بنفسية التلاميذ وعقليتهم وميولهم واستعداداتهم ومراحل
نموهم ،فهو كالطبيب لا يستطيع وصف الدواء ما لم يعرف حقيقة المرض .
- الإلمام بقواعد التدريس
المناسبة للتلميذ والمادة .
- الميل إلى التدريس وحب المهنة التربوية .
- أن يكون كثير الاطلاع ،
ميالاً لإنماء معارفه ، وزيادة خبراته .
3 -الخصائص الخلقية :
- العطف واللين مع
التلاميذ : فلا يكون قاسياً عليهم فينفرهم ، ولا يكون عطوفاً لدرجة الضعف فيفقد احترامهم له ، ومحافظتهم على
النظام .
- الصبر والأناة والتحمل
.
- الحزم والكياسة : فلا
يكون ضيق الخلق ، قليل التصرف ، سريع الغضب ، فيفقد بذلك إشرافه على التلاميذ ويفقد احترامهم له .
- أن يكون مخلصاً في عمله
، جاداً فيه .
- أن يكون طبيعياً في
سلوكه مع تلاميذه وزملائه،غير متكلف ، سواء في حجرة الدراسة ، أو في ميادين النشاط الأخرى .
- أن يكون مثالاً يحتذى
في تطبيق شعائر الدين والتأديب بآدابه .
- صفات المربي الناجح
:
أجريت دراسة على مجموعة من الطلاب الدارسين لمادة التربية وطرق
تدريس ، الذين يتم تأهيلهم تربوياً لمهنة التعليم ، وقد سئل كل طالب أن يتذكر
المعلمين الذين عرفهم ، في مراحل التعليم المختلفة ، وأن يكتب الصفات المميزة
لأنجح هؤلاء المعلمين ، وقد أسفرت الدراسة عن أهم الصفات تتمثل فيما يلي (4) :
-الميل إلى التدريس وحب المهنة التربوية .
-الإلمام التام بالمادة التي يدرسها وإجادتها .
-كيفية تبسيط المادة ونقلها إلى التلاميذ ، وهي مهارة مهنية تتعلق
بإجادة طرق
التدريس .
-حب المدرس للتلاميذ وتعاطفه معهم واهتمامه بهم وبذل الجهد من أجل
معاونتهم .
-جاذبية الشخصية وتتمثل في قوة الشخصية والتواضع والقدرة على تكوين
علاقات ، قوامها الألفة والاحترام والثقة المتبادلة مع الآخرين .
ونستطيع أن نحدد أهم الصفات الأساسية ، التي يجب توافرها في
المربي الناجح (5) :
1-الجانب العقائدي : يجب أن يكون المدرس ( المربي ) في المجتمع الإسلامي ، مؤمناً بالله وملائكته وكتبه ورسله
واليوم الآخر والقدر خيره وشره ، وأن يلتزم في سلوكه وعلاقاته بالآخرين
المنهج الإسلامي ، حتى يكون أسوة حسنة
لطلابه .
2-الإخلاص : أن يكون مخلصاً ، وهذا من تمام صفة الربانية وكمالها
،أي ألا يقصد بعمله التربوي ، وسعة علمه وإطلاعه إلا مرضاة الله ، والوصول إلى
الحق ، ونشره في عقول تلاميذه، وجعلهم أتباعاً له .
3-الصبر : أن يكون صبوراً على معاناة التعليم ، وتعريب المعلومات
إلى أذهان التلاميذ ، وبأن الصبر نتيجة طبيعية للأمل في ثواب الله ، والإيمان
بجزائه يوم الحساب . قال تعالى : }
يا أيها الذين آَمَنُوا لِمَ تقولونَ ما لا تَفْعَلُونَ ، كَبُرَ مَقْتاً عندَ
اللهِ أن، تقُولوا ما لا تَفْعَلونَ { [ الصف : 61/ 2-3 ] .
4- الصدق : إن الصدق يجعل للمدرس المكانة العليا في النفوس ، فعلى
المدرس أن يتحلى بكل الأخلاق والتعاليم التي يعرضها على تلاميذه ويحثهم عليها وإذا
خالف عمله يدعو إليه ، فإن طلابه يشعرون بعدم عزمه على تحقيق ما يقول ، أو بعدم
إيمانه بما يقول ، أو بعدم جدية أقواله
5-الجانب العملي : يجب أن يجيد المدرس المادة التي يقوم بتدريسها ،
وأن يكون على إطلاع مستمر بما يستجد فيها
، حتى يكسب احترام طلابه وثقتهم به .
6-الجانب الفني في التدريس ، يجب أن يكون المعلم ملماً بأهم طرق
التدريس ، وتبسيط المعلومات ونقلها إلى عقول الطلاب ، من خلال أساليب التدريس ،
وأن يكون قادراً على ترجمة هذه الطرق أو الأساليب عملياً أو تطبيقياً .
7-سعة الأفق والثقافة العامة : يجب أن يلم المدرس الناجح بالأحداث
الجارية وأهم خصائص مجتمعه وأهدافه العليا . وأن يكون واعياً للمؤثرات والاتجاهات
العالمية ، وما تركه في نفوس الجيل ، من أثر على معتقداتهم ، وأساليب تفكيرهم ،
فاهماً لمشكلات الحياة المعاصرة ، وعلاج الإسلام لها .
8-أن يكون عادلاً بين طلابه : لا يميل إلى أي فئة منهم ، ولا ينفصل
أحداً على أحد إلا بالحق ، وبما يستحق كل طالب حسب عمله ومواهبه . فقد أُمر رسول
الله صلى الله عليه وسلم ـ وهو قدوة المعلمين ـ بالعدل ، في قوله تعالى : ) واسْتَقِمْ كما
أُمِرْتَ ولا تتبع أهواءَهُمْ ، وقُلْ آمَنْتَ بما أَنْزَلَ اللهُ من كتابٍ ،
وأُمِرْتُ لأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ ( [
الشورى : 42/ 15 ] .
- رسالة المربي :
يعد التعليم أشرف رسالة ، فالرسول صلى الله عليه وسلم ، يقول إنه
بعث معلماً وقد علم الله سبحانه وتعالى رسوله الكريم ، وكانت أول آية نزلت هي : )اقرأ باسم ربك الذي خلق { [ العلق : 96/ 1 ]، ويقسم
سبحانه وتعالى بالقلم في سورة القلم : ) ن
والقلمِ وَمَا يَسْطُرُونَ ([
القلم : 68/1 ] .ورسالة المربي ، في المدرسة الحديثة ، واسعة متعددة الجوانب
والأطراف :
- فهي رسالة ربانية : تهدف إلى تنشئة الأطفال على رقابة الله عز
وجل،وتوحيده ودوام الصلة به ، وإخلاص العبادة له ، والرغبة في ثوابه ، والخوف من
عقابه ، والتواصي بالحق والتواصي بالصبر .
- وهي رسالة تربوية : ترمي إلى تنمية عقول التلاميذ وعواطفهم ،
وتنشئتهم على التفكير بالطريقة الصحيحة ، كما تهدف إلى تربية جسدهم وصحتهم
وأذواقهم تربية سليمة .
- وهي أيضاً رسالة أخلاقية : غايتها تعويد التلميذ أن يتخلق بأحسن
الأخلاق ، من صراحة ومروءة وأمانة ، وأن يمارس ذلك تلقائياً .
-وهي
رسالة اجتماعية : هدفها إيجاد التجانس والوحدة بين أبناء الأمة وتزويدهم بثقافة
واحدة وإجماعهم على هدف واحد . وهدفها أيضاً تزويد الطالب بكل وسائل الفاهم
الاجتماعي من لغة وتقاليد حميدة ، وبكل ما أجمع عليه مجتمعه من مثل إسلامي أعلى ،
وأهداف سامية ومصالح خيرة ، حتى يصبح أبناء الأمة الواحدة، كما وصفهم رسول الله
صلى الله عليه وسلم : ( ترى المؤمنين في تَرَاحُمِهِمْ وَتَوادِّهِمْ وتعاطُفِهِم
كَمَثلِ الجسد إذا اشتكى عضوٌ تداعى له سائر جسده بالسَّهرِ والحُمَّى ) رواه
البخاري ومسلم .
___________________________
-
المراجع :
(1) د . يوسف القرضاوي : الرسول والعلم ، ص
110 مؤسسة الرسالة ، بيروت ط (5) 1991م
(2) عبد الرحمن النحلاوي : أصول التربية الإسلامية ص 171 دار الفكر
، دمشق ط (2) 1983م
(3) أ . صالح عبد العزيز و د . عبد العزيز عبد
المجيد : التربية وطرق التدريس ، 1 / 160 - 163
(4) د . محمد أحمد عبد الهادي : المربي
والتربية الإسلامية ، ص 8 1 دار البيان العربي ، جد ة
ط (1) 1984 م
0 التعليقات:
إرسال تعليق