تربية الأبناء على خلق الحياءوالفرق بين الحياء والخجل
بقلم: عادل فتحي
عبدالله
بسم الله
الرحمن الرحيم
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله سيدنا محمد-صلى الله عليه
وسلم- وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد:
فمن المعروف أن خلق الحياء هو خلق هذا الدين العظيم، قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم: (لكل ين خلق ، وخلق هذا الدين الحياء)[1]
وإذا لم يتعلم الطفل الحياء منذ الصغر، فلن يتعلمه كبيراً، لكن يجب
أن نفرّق بين الحياء والخجل، فالخجل مشكلة اجتماعية نفسية، وهو يقف حائلاً بين
تعامل الطفل وأقرانه تعاملاً سليماً، ويجعله يحجم عن التعامل مع الناس تعاملا
طبيعياً، في غالب الأحيان.
ولا يندمج بشكل طبيعي في العلاقات الإنسانية، ومن ثم يواجه الخجول
مشاكل كثيرة، تقف حجر عثرة في طريق قضاء أموره، بصفة عامة، ويعيش حياة تتسم
بالصعوبة، والمشقة، حتى إن لم يشعر هو بذلك.
لكنه عندما يكسر حاجز الخوف من تكوين علاقات أخوية وإنسانية مع
الناس، ويشرع في تكوين مثل هذه العلاقات، ويندمج بشكل طبيعي في المجتمع، يشعر
بتغير كبير في حياته، نحو الأفضل.
ومع أن هذه العلاقات قد يكون لها بعض السلبيات، ولكنه يتعلم مع
الوقت، كيف يفرق بين الناس، وكيف يتعرف على طبائعهم في وقت قصير، ومن ثم يستطيع
بشكل كبير التكيف مع غالبية الناس.
إذاً الخجل صفة مذمومة، بينما الحياء صفة محمودة، ولقد جاء في السنة
المطهرة: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان أشد حياء من العذراء في خدرها، وكان
إذا كره شيئا عرف في وجهه)[2]،
قال النووي في شرحه: (العذراء البكر، لأن عذرتها باقية، وهي جلدة
البكارة، والخدر ستر يجعل للبكر في جنب البيت، ومعنى عرفنا الكراهة في وجهه أي لا
يتكلم به لحيائه بل يتغير وجهه،
فنفهم نحن كراهته، وفيه فضيلة الحياء، وهو من شعب الإيمان، وهو
خير كله، ولا يأتي إلا بخير... قال بن قتيبة: أن الحياء يمنع صاحبه من ارتكاب
المعاصي كما يمنع الإيمان، فسمى إيمانا كما يسمى الشيء باسم ما قام مقامه،
قال الرغاب: الحياء انقباض النفس عن القبيح وهو من خصائص
الإنسان ليرتدع عن ارتكاب كل ما يشتهي فلا يكون كالبهيمة ..وقال غيره: هو انقباض
النفس خشية ارتكاب ما يكره،...
وقال الحليمي: حقيقة الحياء خوف الذم بنسبه الشر إليه، وقال غيره:
إن كان في محرم، فهو واجب، وإن كان في مكروه، فهو مندوب، وأن كان في مباح
فهو العرفي، وهو المراد بقوله الحياء لا يأتي إلا بخير،
ويجمع كل ذلك أن المباح أنما هو ما يقع على وفق الشرع اثباتا
ونفيا، وحكى عن بعض السلف رأيت المعاصي مذلة فتركتها مروأة فصارت ديانه، وقد يتولد
الحياء من الله تعالى من التقلب في نعمه، فيستحي العاقل أن يستعين بها على معصيته،
وقد قال بعض السلف:
خف الله على قدر قدرته عليك، واستحي منه على قدر قربه منك،
والله أعلم )[3]
وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم"
(الإيمان بضع وسبعون أو بضع وستون شعبة، فأفضلها قول لا إله
إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان)[4]
قال النووي: (قوله: والحياء شعبة من الإيمان، وفي الرواية الأخرى:
الحياء من الإيمان وفي الأخرى الحياء لا يأتى إلا بخير، وفي الأخرى الحياء خير
كله، أو قال كله خير، الحياء ممدود وهو الاستحياء، قال الإمام الواحدى رحمه الله
تعالى:
قال أهل اللغة الاستحياء من الحياة، واستحيا الرجل من قوة
الحياة فيه لشدة علمه بمواقع الغيب، قال فالحياء من قوة الحس ولطفه وقرة الحياة،
وروينا في رسالة الإمام الأستاذ أبى القاسم القشيرى عن السيد
الجليل أبى القاسم الجنيد رضى الله عنه قال: الحياء رؤية الآلاء أى النعم، ورؤية
التقصير، فيتولد بينهما حالة تسمى الحياء.
وقال القاضى عياض وغيره من الشراح: إنما جعل الحياء من
الإيمان، وإن كان غريزة لأنه قد يكون تخلقا واكتسابا، كسائر أعمال البر، وقد يكون
غريزة ولكن استعماله على قانون الشرع يحتاج إلى اكتساب ونية وعلم،
فهو من الإيمان بهذا، ولكونه باعثا على أفعال البر، ومانعا من
المعاصى، وأما كون الحياء خيرا كله، ولا يأتى إلا بخير، فقد يشكل على بعض الناس من
حيث إن صاحب الحياء قد يستحى أن يواجه بالحق، من يجله،
فيترك أمره بالمعروف ونهيه عن المنكر وقد يحمله الحياء على الإخلال
ببعض الحقوق، وغير ذلك مما هو معروف في العادة، وجواب هذا: ما أجاب به جماعة من
الائمة منهم الشيخ أبوعمرو بن الصلاح رحمه الله أن هذا المانع الذى ذكرناه ليس
بحياء حقيقة، بل هو عجز وخور، ومهانة، وإنما تسميته حياء من اطلاق بعض أهل العرف
أطلقوه ومجازا لمشابهته الحياء..)[5]
[1] )أخرجه ابن ماجه، ومالك في الموطأ
[2] ) رواه مسلم
[3] ) أبوزكريا يحي بن شرف الدين النووي(صحيح
مسلم بشرح النووي15/78)- دار إحياء التراث العربي- بيروت- 1392-ط2
[4] ) رواه البخاري ومسلم واللفظ له
[5] ) صحيح مسلم بشرح النووي (1/ 63 )- مصدر
سابق
0 التعليقات:
إرسال تعليق