أسس ومبادئ نظرية الإسلام السياسية[1]
(الحلقة الأولى)
في حكمة ظاهرة
فرض الإسلام نظرية سياسية سهلة الاستيعاب والتطبيق، رغم عمقها الفكري ومكاسبها غير
المتناهية. ففي ائتمان كامل للأمة والجماعة أطلق الله سبحانه وتعالى كل شأن ولاية
الأمر في الدولة الإسلامية من بعد الرسول صلى الله عليه وسلم، لشورى المسلمين كشرط
وحيد وفريضة دينية مؤكدة بنص آية الشورى قال تعالى: [[وَأَمْرُهُمْ شُورَىٰ
بَيْنَهُمْ]][2]،
حيث إن أمرهم تعني كل شؤون إمارتهم وسياستها، وبينهم تعني كلهم بلا تمييز. علماً
بأن المشاركة في مسار وفعاليات هذه الفريضة واجب إسلامي لا يمكن تجاوزه، لأنها
أمانة لحديث الرسول صلى الله عليه وسلم: [[المُسْتَشَارُ مُؤْتَمَنٌ]][3].
وهذا يقطع الطريق أمام كل من يقول بأن الشورى معلمة وليست ملزمة، فشورى المسلمين
في السلطة والحكم في الإسلام فريضة لازمة بنص القرآن الكريم، ومشاركة المسلمين في
مسارها أمانة واجبة الأداء بنص الحديث.
وبهذا
التفويض للجمهور - المنفعل بقيم الدين وهديه – لاختيار ولاية الأمر الإسلامية من
بعد الرسول صلى الله عليه وسلم ثم فرض المشاركة السياسية على كل مسلم ومسلمة في
هذا الاختيار، يكون الإسلام في خطوة إدارية متقدمة قد أطلق سلطة القرار والحكم في
الدولة الإسلامية لكل المسلمين يبايعون من يتولى أمرهم تحت شروط هي دستور ملزم
للجميع – أكرر يبايعون من يتولى أمرهم تحت شروط هي دستور ملزم للجميع – وهكذا
يشترك المسلمين بمختلف توجهاتهم وخلفياتهم الاجتماعية والاقتصادية والثقافية في
إدارة أمرهم. ومعلوم للدارسين للعلوم السياسية اليوم إن نتيجة مثل هذه التفاعلات السياسية
في الأمة، هو اكتساب عقل جمعي يزيد وينقص بحسب ثراء وفقر مكونات الأمة البشرية
وثقافتها وتشربها للقيم والمبادئ السامية. علماً بأن هذا العقل الجمعي ينمو إذا
كانت أسس انتخاب القائمين على ولاية الأمر تستند على الكفاءة والمقدرة على
الإنجاز، ويضمحل إن كانت أسس الانتخاب تستند على المكانة الاجتماعية أو الاقتصادية
أو الدينية.
هذا وقد دعم
الله سبحانه وتعالى هذا التفويض وجعل طاعة من تنتخبه الأمة لولاية أمرها من طاعته
جل شأنه قال تعالى: [[يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللَّهَ
وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ]][4]،
لاحظ طاعة أولي الأمر منكم وليس من السابقين. وكذلك دعم الرسول صلى الله عليه
وسلم قرار هذه الشرعية وجعله سنة كسنته بنص الحديث: [[فإنه من يعش منكم بعدي فسيرى
اختلافاً كثيراً فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، فتمسكوا بها وعضوا
عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة]][5].
من دون تحديد في الحديث لعدد الخلفاء الراشدين أو زمن للخلافة الراشدة. وهذا دليل
واضح على أن ولاية الأمر الشرعية المنتخبة من قبل المسلمين في أي زمان وأي مكان،
طاعتها من طاعة الله سبحانه وتعالى، وقرارها سنة كسنة الرسول صلى الله عليه وسلم.
عليه فولاية
الأمر الشرعية المنتخبة بالشورى هي المرجعية العليا الوحيدة - أكرر المرجعية
العليا الوحيدة - للأمة الإسلامية في التشريع وصنع القرار والفصل في المسائل
الفقهية والدنيوية كل بحسب طبيعته، فتأخذ بالشريعة في الدين لقوله تعالى: [[شَرَعَ
لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّىٰ بِهِ نُوحاً وَالَّذِيۤ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ]][6].
وتأخذ بالتراكم والتجديد على شرط من بايعها لولاية الأمر [السلطة والحكم] لقوله
تعالى: [[وَأَمْرُهُمْ شُورَىٰ بَيْنَهُمْ]][7].
دون قيد أو شرط أو ثوابت مما يعني خلافة متكاملة الأركان للرسول صلى الله عليه
وسلم، مبايعة تحت شرط الجمهور الذي فوضه الله سبحانه وتعالى لإدارة إمارته
بالكامل، والشرط هنا مكتوب أو غير مكتوب يكون دستوراً صلاحيته بيد جمهور المسلمين
عبر الاستفتاء ويحدد منهج وصلاحيات سلطات ولاية الأمر ويحدد آمادها مما يضمن
استمرارية مراقبة وتوجيه ولاية الأمر بعد انتخابها من قبل الجمهور.