من أخطاء الآباء في تربية
الأبناء
إيداع الطفل دار الحضانة في سن مبكرة
بقلم: عادل
فتحي عبدالله
الحمد
لله والصلاة والسلام على رسول الله سيدنا محمد "صلى الله عليه وسلم"
وعلى آله وصحبه ومن والاه.
وبعد
تعتبر قضية عمل المرأة من أهم القضايا التي تجبر الأسرة
على إيداع الطفل دار حضانة في سن مبكرة، ومهما يكن من أمر فإنه لا يجادل أحد في أن
تربية الطفل والاهتمام به خاصة في طفولته المبكرة أمر بالغ الأهمية وشديد الخطورة،
" وقد تقول سيدة عاملة: إن تفوقي في عملي مهم جدا
بالنسبة لي، أما تربية الأطفال فمسألة تجيدها المربيات أو العاملات في دور الحضانة،
أما أنا فلابد لي من أن أثبت أنني لست أقل من الرجل،.
ولا أحد من الممكن أن يقنع مثل هذه السيدة بأن تغير
فكرتها عن الأمومة سوى الأمر الواقع ، فابنها أو ابنتها حين يمر بفترة مراهقة صعبة
فهي الأم ، التي تتحمل مسئولية ما فعلت عندما فضلت العمل في السنوات الثلاث الأولى
من عمر الطفل وأهملت بشكل أو بآخر العناية النفسية بطفلها " [1]
إن غياب الأم عن الطفل لفترات طويلة أثناء الطفولة
المبكرة يكون له عميق الأثر على نفسية الطفل، في المستقبل، ومن ثم لا ينصح خبراء
التربية مطلقا بإيداع الطفل دار الحضانة قبل بلوغه عامه الرابع إلا في حالات
الضرورة
بل ويؤكد الخبراء " إن التوازن العقلي للطفل يرتبط
بضرورة تمتعه بعلاقة حميمة ومستقرة وثابتة مع امه ، أو مع المرأة التي تحل محلها
بشكل دائم [2]
علاقة تمكن الطرفين من العيش بسعادة ورضى ،كما قدم (
بولي) هذا الأمر لمنظمة الصحة العالمية ، مضافا إلى براهين عدة تبين أن اضطراب
الشخصية والأعصاب يكونان غالبا نتيجة الحران من عناية الأم ، أو نتيجة لعلاقة
متقطعة زمنيا ، وغير دائمة بين الأم والطفل .
ولقد أشارت محموعة من البحوث إلى أن غياب الأم يمكن أن
يتفاعل مع عوامل أخرى كجدة المحيط وغرابته ، ونقص العناية بالطفل ،
وعدم توفر الأم المرضعة المناسبة مما يؤدي إلى حزن عميق
وشعور بالضيق والشدة عند الطفل الصغير في عمر سنتين ، فغياب الأم يبقي العامل
الأساسي في تحديد المظاهر الانفعالية وسلوك الاحتجاج
عند الطفل "[3]
قد لا تتصور الأم مقدار الحزن والأسى الذي
يعانيه طفلها حين تتركه لدرا الحضانة وتمضي إلى حال سبيلها، وقد تظن ان هذا الأمر
قد يقتصر فقط على تلك السويعات التي تمر عليه في دار الحضانة أو حتى على فترة
الطفولة، وهذا غير صحيح، بل إن الأمر المؤكد أن أثر هذا الأمر يتعدى مرحلة
الطفولة، ويمتد لسنوات عمره المقبلة، ويؤثر قطعاً على التكوين النفسي لشخصيته.
ومع
هذا فيمكن للمرأة في ظل الظروف الإقتصادية التي قد تجبرها على العمل وترك الطفل أن
تودعه دار الحضانة في سن الثالثة، وليس قبل ذلك، حيث يري د/ سبوك أن " الطفل يمكن إلحاقه بدار
حضانة معتمدة وموثوق بها بعد السنة الثالثة للطفل ، حيث أن للسنوات الثلاث الأولى
في حياة الطفل أثرا كبيرا فيما بعد ، لذلك علينا أن نحرص على أسلوب تكوين الطفل ،
فالطفل يتأثر بمن يلتقي بهم ، ويجلس معهم مدة طويلة سواء من ناحية التفاؤل
والتشاؤم ، ومن ناحية الثقة بالنفس أو التوجس والشك .
وقد أثبتت دراسة المحللين النفسانيين للأقلية المتفوقة
من الشباب والبنات في مجال الإبتكار سواء في العلوم أو الفنون أن هؤلاء المتفوقين
قد تلقوا رعاية فائقة من أم امتلأت
بالطموح والأمل بالنسبة لأبنائها ،
ودائما عندما
يسألني أب غارق في العمل أو أم طموحة في ميدان العمل عن حل لمشكلة نفسية ما يعاني
منها ابنها ، أقول : دعيني أذكرك بأنه لا قيمة حقيقية تلغي دور الأمومة أو الأبوة
إلا بأن يكون كل أب وكل أم مؤثرا بشكل فعال في تشكيل شخصية الابن .
إن أكثر ما يضر بالوليد الصغير هو أن نتركه دون أن نعطيه
من وجودنا عاطفة حقيقية يحتاجها ويعتمد عليها . وهذا يعني أن رعاية مربية أو جليسة
أطفال للوليد لن تصل دقتها العاطفية إلى دقة الأم ، وصحيح عاطفتها .
إننا نستطيع أن نذهب بأطفالنا إلى الحضانة بعد أن يبلغوا
الثالثة من العمر ، أما قبل ذلك فإنني أتوقع أن يصاب الطفل بأكثر من مرض ، وأن يشب
وهو متأثر بدرجة ما من درجات التوتر النفسي .
إن رعاية الطفل فيما قبل الثالثة مسألة مكلفة وثمنها صعب
نفسيا ، وهي تفوق ما تكتسبه الأم من مال ، والأم المجبرة على العمل لابد وأن توفر
مدة كافية من الوقت بعد الظهر لتنصرف إلى الطفل ، وتلعب معه وتحاوره وتعطيه من
حنانها ما تستطيع .
وبعض الأزواج والزوجات الشباب يحاولون أن يجعلوا أوقات
عملهم تستغرق النصف الأول والثاني من النهار ليضمنوا بقاء الأب أو الأم مع الطفل
صباحا ، وبقاء أيهما مع الطفل مساء ، وفي ذلك تبادل لرعاية الطفل رعاية كاملة "[4]
ولكن ماذا لو اضطرت الأم لوضع الطفل في الحضانة من الوقت
نتيجة ظروف عملها التي لا يمكن أن تغيرها أو تتغلب عليها ولا يمكن لها أخذ أجازة
مثلاً ؟
إنها
عنئذ يجب أن تتخير حضانة ذات موصفات معينة ، حتى تضمن حسن الرعاية لوليدها ، كما
يفضل إن أمكن ذلك أن تودع أخ مرافق أو أخت مرافقة للطفل في دار الحضانة ، لأن هذا
يخفف من وطأة غربة الجو المحيط على الوليد .
حيث " إن مرافقة الطفل لأخ أو لأخت أثناء
الانفصال-عن الأم- قد يخفف الكثير من ردود فعله عند مغادرة الأم .
وتشير
بعض الدراسات إلى أن الأطفال المرافقين لأخ أو لأخت عند دخولهم دار الحضانة
وانفصالهم عن الأم يعانون بصور أقل من غيرهم ، وتكون ردود فعلهم أقل شدة وتكرارا
بالمقارنة مع هؤلاء القادمين وحدهم دون معرفة أحد في الوسط الجديد .
Heinck and westheimer 1966
ويمكن
للطفل أن يصطحب معه شيئا مفضلاً لديه في المنزل إلى الوسط الجديد ، وقد يخفف ذلك
من وطأة الحدث " [5]
وإن كان الأولى من ذلك في حالة غياب الأم أن يكون
الطفل في حضانة أم بديلة ، كالجدة مثلا ، أو الخالة ، أو غيرها مما قد يوفر الحنان
والحب للطفل وعلى الأقل لا يؤذي الطفل من الناحية النفسية ،
0 التعليقات:
إرسال تعليق