القدوة في تربية الأبناء
بقلم: عادل فتحي عبدالله
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول لله، سيدنا محمد- صلى الله عليه وسلم-
وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد:
قال الله تعالى:( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا
تَفْعَلُونَ، كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ)[1]
تعتمد التربية بدرجة كبيرة على القدوة، وما لم يكن المربي قدوة لمن يتعهد
بتربيته فلن يكون مؤثراً فيه بدرجة كبيرة، بل إن التربية بالقدوة تعتبر من أنجح
وسائل التربية وأعظمها تأثيراً في قلب من يتربى، سواء كان هذا المتربي صغيراً أم
كبيراً.
قال الله تعالى: )لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ
حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ
كَثِيرًا)[2]
وإذا تحدثنا عن تربية الطفل، وجدنا أننا نحتاج إلى المربي القدوة بإلحاح،
لأن الطفل يتعلم بالتقليد، وهو مغرم بتقليد غيره من الكبار، خصوصاً أولئك الذين
يحبهم ويثق بهم، ولهذا كان قول عتبة بن أبي سفيان لمعلم ولده:
" ليكن أول إصلاحك لولدي
إصلاحك لنفسك ، فإن أعينهم معقودة بعينيك ، فالحسن عندهم ما استحسنت، والقبيح
عندهم ما استقبحت "
ومن هنا فإن مهمة الآباء والأمهات في التربية تصبح شاقة، وعظيمة.
لأنه لابد وأن ينظر الآباء والأمهات للأفعال وليس للأقوال، فلا فائدة من
قولنا للطفل لا تكذب، في حين أننا لا نطبق ما ننصح به الأبناء، أو نفعل ما لا
نعتقد أنه كذب لكنه في الحقيقة كذب، صريح،
وانظر لهذه الواقعة التي حدثت أمام رسول الله-صلى الله عليه وسلم- حين نادت
أم عبد الله ابن عامر ولدها، فقالت له تعال أعطك، وكان رسول الله صلى الله عليه
وسلم جالسا ، قال لها : ما أردت أن تعطيه ؟ قالت تمرا ، قال " لو لم تعطه
شيئا كتبت عليك كذبة "[3]
فكم من حادثة مشابهة تحدث من الآباء تجاه الأبناء، ولا يعتبرونها كذباً؟!
هذا فضلاً عن الكذب الصراح الآخر الذي لا يحتمل التأويل، فكيف بالله عليك
نربي أبنائنا ونحن نخالف أبسط قواعد التربية وننصح أبنائنا بما لا نفعله؟!
يأيها الرجل المعلم غيــــــره هلا لنفسك كان ذا التعلـــــــــــيم
تصف الدواء لدى السقم وذي الضنا كيما يصح به وأنت سقيم
ابدأ بنفسك فانهها عن غيــها فإذا انتهت عنه فأنت حكـــــــيم
فهناك نقبل إن وعظت ونقتدي بالقول منك وينفع التعلــــــــــيم
لا تنه عن خلق وتأت مــــثله عار عليك إذا فعلت عظــــــــيم
هذا وقد يظن بعض الآباء أن الطفل غبي ولن يفهم بعض الإشارات، ونقول لهؤلاء
الآباء إن طفلك أذكى مما تتصور، وليس غبياً كما تظن، فهو يفهم ويدرك ما وراء
السطور!!
فحذار من التعامل مع الطفل باعتبار أنه غبي لا يفهم، قد يفهم بعض الأمور
ويسكت، وليس معنى سكوته في بعض الأحيان عدم الفهم، لكنه عادة يستطيع أن يفرق بين
الصدق والكذب، وبين القيم التي تريد أن تعلمها إياه، والأخرى التي تذكرها فقط من
باب أداء الواجب، ولا تلتزم بها.
ومن ثم ينشأ لدى الطفل نوع من الازدواجية في المعايير، ويستطيع ببساطة أن
يميز بين القيم الواجب الالتزام بها حقاً، وتلك التي يلتزم بها من ناحية المظهر
فقط.
وهذه مشكلة كبيرة جداً، وقد لا يدركها بعض الآباء والمربين، على سبيل
المثال حين يذهب الطفل إلى بيت أحد الأصدقاء، ثم يرجع منه بشيء ما، بدون إذن أصحاب
البيت، ولا يجد غضاضة في ذلك، ولا مراجعة من أهله في هذا الأمر، فإنه بلا شك لن
يجد فيما بعد عيباً في أخذ ممتلكات الغير، أو الاستيلاء عليها، بطريقة أو بأخرى.
إنه ببساطة يمكن أن يتعلم السرقة، حين لا يجد من يقوٍم مثل ذلك السلوك الجانح،
فتلك الأمور التي قد يعتبرها الأهل بسيطة، لا تكون كذلك بالنسبة للطفل، بل تعطيه
إشارات، وعلامات على الطريق، لتبين له المعايير والقيم التي يلتزم بها، في مستقبل
حياته.
ليعلم كل أب إذا أراد من ابنه أن يكون صادقاً أن يكون هو أولاً صادقاَ في
كل كبيرة وصغيرةً، وإذا أراد من ابنه الأمانة أن يكون هو نفسه قدوة له في
الأمانة...وهكذا
ليست العبرة بكلمات منمقة في أوقات الصفا، ولكن العبرة بالأفعال، وأن تكون
تلك الكلمات صورة حية تمشي على الأرض متمثلة في أشخاص يؤمنون بها، ويكونون هم
أنفسهم ترجمة عملية لها.
0 التعليقات:
إرسال تعليق