حــدود الاختـلاط بين الجنســين[i]
بسم الله الرحمن
الرحيم
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم
وعلى آله وصحبه ومن والاه.
وبعد ....
لقد جاءت إلى
بلادنا الإسلامية عدوى الاختلاط بين الجنسين من بلاد الغرب، ولم تكن بلاد الإسلام
تعرف الاختلاط بهذه الصورة الوقحة التى عرفتها بلاد الغرب، وبالرغم من أن الاختلاط
بصورته المستوردة من بلاد الغرب لم يأت من وراءه إلا الخراب والدمار، إلا أننا
تتبعنا سننهم شبرًا بشبر وذراعًا بذراع، والاختلاط هذا كان جناية على المرأة أكثر
من الرجل، كما هو جناية على المجتمع ككل فى النهاية، تقول الكاتبة الإنجليزية
"اللادى كوك" فى جريدة (الايكو): "إن الاختلاط يألفه الرجال، ولهذا
طمعت المرأة بما يخالف فطرتها، وعلى قدر كثرة الاختلاط تكون كثرة أولاد الزنا،
وهاهنا البلاء العظيم على المرأة"([1]).
وإن مجتمعنا ليحسُّ آثار الاختلاط خصوصًا فى المدارس
والجامعات، وإن شبح (الزواج العرفى) الذى سرى بين بعض الشباب والفتيات فى الجامعات
ليدعو أولوا البصائر إلى الوقوف أمام هذا السيل الجارف من انتهاك الحرمات تحت
مسميات مختلفة، وإن هذا يدعو أولى الأمر-في البلاد التي تسمح بالتعليم المختلط-
على العمل تدريجيًّا على إنشاء مدارس وجامعات غير مختلطة ، والدعوة إلى الفضائل،
والتحلى بمكارم الأخلاق، ونتيجة للآثار المأساوية للاختلاط اضطرت دول كثيرة إلى
فتح جامعات غير مختلطة، ففى أمريكا أكثر من (100) من فروع الجامعات غير المختلطة،
كذلك فى روسيا أيضًا فروع جامعية غير مختلطة، وفى بعض دول أوروبا مدارس غير
مختلطة، وحتى فى المراحل الأولى من التعليم كما فى بلجيكا.
هذا عن اختلاط الرجال بالنساء فى النوادى والمسارح
والسينما والجامعات والمدارس والحفلات ونحوها مما يكون فيه نظرات خائنة وتبرج فاحش
ولمسات وضحكات مستهترة وغيرها مما يغرى الشباب ليقع فى الرذيلة أو يقترف الآثام.
أما "اللقاء بين الرجال والنساء فى ذاته ليس
محرمًا، بل هو جائز أو مطلوب شرعًا إذا كان القصد منه المشاركة فى هدف نبيل من علم
نافع أو عمل صالح أو مشروع خير أو جهاد لازم"([2]).
فليس المقصود من منع الاختلاط هو أن لا يرى الرجال
النساء أو لا ترى النساء الرجال مطلقًا، فإن هذا ليس معقولاً، ولكن قد تحتاج
المرأة لأن تبيع أو تشترى من الرجال أو تطلب العلم أو غير ذلك من أمور الحياة
المختلفة، وفى ذلك يقول المارودى وهو يتحدث عن أعمال المحتسب([3]).
وإذا رأى وقفة رجل مع امرأة فى طريق سابل([4]) لم تظهر
منهما امارات الريب لم يعترض عليهما بزجر ولا إنكار فما يجد الناس بدًا من
هذا"([5]).
لكن المرأة المسلمة حين تخرج لحاجة ما، فإنها ليست
كالمرأة الغربية التى لا تلبس ما يستر الجسد، وتتزين بكافة أنواع الزينة حتى تحلو
فى أعين الرجال .. كلا، فالمجتمع المسلم من المفترض أنه مجتمع تحكمه العفة
والطهارة، يحارب الرذيلة بكل صورها، بل يحارب مقدماتها، وأول مقدماتها النظرة
الحرام، فقد أمر الشارع عَزَّ وَجَلَّ عباده المؤمنين بغض البصر، ثم أمر النساء
ألا يبدين زينتهن للرجال إلا ما ظهر منها وهو الوجه والكفان، على الأكثر، وحارب
الإسلام الفاحشة وجعل لها أقصى العقوبات وأشدها.
ومن ثم حث الإسلام المرأة على:
1-
غض البصر
والالتزام بستر العورة:
قال الله تعالى: { وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ
مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ ولا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا
مَا ظَهَرَ مِنْهَا }([6]).
وقال رسول الله "e":
"صنفان من أهل النار، لم أرهما: قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس،
ونساء كاسيات عاريات، مميلات مائلات، رءوسهن كأسنمة البخت المائلة، لا يدخلن
الجنة، ولا يجدن ريحها، وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا ..." ([7]).
2-
عدم اللين فى
القول لاستمالة قلوب الرجال:
قال الله تعالى: { فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ
الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَّعْرُوفًا * وَقَرْنَ فِي
بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأولَى }([8]).
3-
عدم الخلوة مع
الأجانب:
وذلك لأن النفس بطبيعها أمارة بالسوء، والرجال والنساء
بطبيعتهم يميلون لبعضهم البعض، وعند خلوة الرجل والمرأة، قد يوقع الشيطان بينهما
فيحدث ما لا يحمد عقباه، ولا ينفع الندم بعد ذلك، يقول "e":
"لا يخلون رجل بامرأة إلا مع ذو محرم"([9]).
4-
ألاَّ تستعطر
عند الخروج:
إن الله سبحانه وتعالى وضع فى حركات المرأة وطريقة
كلامها، وكذلك رائحتها عامل جذب للرجل، فالمرأة حين تضع عطرًا جذابًا، ثم تمر على
الرجال فإن العطر يحرك الشهوة فى قلوبهم نحو هذه المرأة، وفى هذا إيذاء للمرأة،
لذلك أمر رسول الله "e"
النساء بألاَّ يستعطرن إذا أردن الخروج من المنزل حتى ولو ذهبن ح إلى المسجد، فقال
عليه الصلاة والسلام: "إذا شهدت إحداكن المسدد فلا تمس طيبًا"([10]).
وقال أيضًا عليه الصلاة والسلام: "المرأة إذا
استعطرت فمرت بالمجالس فهى كذا يعنى زانية"([11]).
5-
ألا تسافر
المرأة وحدها سفرًا طويلاً:
وذلك حفاظًا على المرأة حتى لا يصيبها سوء من أحد من
المنحرفين، قال عليه الصلاة والسلام: "لا تسافر المرأة مسيرة يوم وليلة إلا
ومعها محرم"([12]).
وفى الحديث أيضًا: "لا يحل لامرأة تؤمن بالله
واليوم الآخر أن تسافر سفرًا يكون ثلاثة أيام فصاعدًا إلا ومعها أبوها، أو أخوها،
أو زوجها، أو ابنها، أو ذو محرم منها"([13]).
وفى رواية اخرى: "لا تسافر المرأة يومين من الدهر
إلا ومعها ذو محرم منها أو زوجها"([14]).
والظاهر من اختلاف الأحاديث فى عدد الأيام أن ذلك يختلف
حسب الأحوال وتوفر الأمن فى السفر، وقد أفتى بعض العلماء بجواز السفر إن كانت
المرأة فى صحبة رفقة مأمونة.
*=*=*=*=*=*=*=*=*=*=*=*=*
0 التعليقات:
إرسال تعليق