Featured Video

الأحد، 23 فبراير 2014

حاجة طالب العلم الشرعي للعلوم الاجتماعية- (الحلقة الثانية)

حاجة طالب العلم الشرعي
للعلوم الاجتماعية[1]
(الحلقة الثانية)
ويعد كتابه "الأخلاق البروتستنانية وروح الرأسمالية " من أبرز أعمال فيبر وأكثرها تأثيراً في الفكر الاجتماعي الحديث . إذ أكد في كتابه هذا على أن القيم الدينية التي قال بها رجال الدين الذين راموا إصلاح الكنيسة الكاثوليكية انعكست في قيم وأخلاق العمل عندهم ، ومن ثم أثرت بالتالي في تكوَّن الروح التي تأسست عليها وظهرت من رحمها الرأسمالية الحديثة . ولقد قام فيبر ، نفسه ، بمراجعة نظرية قارن فيها قيم أديان اليهود والصين والهند ومقتطفات من قيم ومعتقدات المسلمين " ليبرهن " على أن هذه الأديان ، وإن توافرت لها معظم الأسباب الكفيلة بقيام وتأسيس الرأسمالية إلا أنها لم تنجح في ذلك ، وكانت قيم المذهب الكالفاني وحدها هي التي شكلت المحفزّ لذلك الظهور .
بالإضافة إلى أطروحته هذه ، قدم فيبر رؤى ومفاهيم دقيقة لدراسة علم الاجتماع الديني موضحاً بنيته التراتيبية لرجال الدين ومن ثم نوعية البيروقراطية والهيمنة في الوسط الديني الذي له علاقة كبيرة بعمليات الإصلاح والتجديد داخل المؤسسة الدينية ودينامكيتها ومن تأثير ذلك على المجتمع والسياسة والاقتصاد في المجتمع . ولقد أفصح بأن المؤسسة الدينية مؤسسة محافظة تقاوم التغير وعندما يقع التغير فإنه يتم من خارجها وغالباً ما يأخذ منحى جذرياً . ويعد فيبر من أبرز مَن أسهموا في دراسة السلطة والنفوذ والهيمنة والبيروقراطية والنظام ، انطلاقاً من تصورات مفاهيمية تتعلق بما أسماه الفعل الاجتماعي ، الذي ينقسم إلى أربعة أنواع من الفعل ، ينتج عنها ثلاثة أنواع من السلطة أو النفوذ تؤدي بالتالي إلى ثلاثة أشكال من البيروقراطية : البيروقراطية الكارزماتية والتقليدية والعقلانية .ولقد أسهب فيبر في توضحيها وضرب الأمثلة عليها من تاريخ وتجارب الأمم .
ولقد اهتم فيبر كثيراً بما يمكن تسميته فلسفة العلوم الاجتماعية وبالذات في جانبها المنهاجي . ولقد طوّر العديد من المفاهيم والقضايا التي أصبحت من ركائز علم الاجتماع الحديث ، لعل من أبرزها مفهوم "النموذج المثالي" و "الحياد الموضوعي". ولقد قدّم في هذا الخصوص تصورات تعكس ما يمكن تسميته بالمدرسة الألمانية في دراسته لمناهج العلوم الاجتماعية وهي - بحسب رأيه - تختلف نوعياً عن مناهج العلوم الطبيعية فلسفة وغاية .
ولقد أثرى فيبر علم الاجتماع بالعديد من المصطلحات التي أصبحت تشكل جزءاً مهماً من مخزون المشتغلين بعلم الاجتماع من أمثال : "أخلاق وقيم العمل" و "الكارزيما" و "الفهم" و "الفعل والفاعل الاجتماعي" و "العقلانية" وغيرها كثير . وربما كان أسلوب فيبر الأكاديمي الصارم ولغته الدقيقة الصعبة وأهمية ما طرح من الأسباب التي أدت إلى سوء فهم ومن ثم استخدام العديد من مفاهيمه وأطروحاته .
هذا ما يتعلق بأهم رواد الطبقة الأولى من علماء الاجتماع الحديث .
أما الطبقة التالية لهم فإنها عمقت وعززت من وجود علم الاجتماع في الجامعات وعملت على تأسيس الدراسات والبحوث العلمية فيها ، وبالذات في الجامعات الأمريكية ، ومن أبرز علماء هذه الطبقة بارك الذي أسس كرسي الدراسات الجامعية بجامعة شيكاغو . ولقد اهتم هو وفريقه العلمي بالدراسات الميدانية للمدنية ، مشكلين توجهات محددة وعملية في الدراسات الاجتماعية التي كانت رائدة في ترسيخ نوعية معينة من الدراسات الأمريكية الاجتماعية في تراث هذا العلم ، وحظيت الدراسات الحضرية فيها بحظ وافر .كذلك كانت إسهامات الفيلسوف جورج هربرت ميد من نفس الجامعة في علم الاجتماع كبيرة ومؤثرة .وكانت لجهود العديد من الباحثين الأمريكيين في تعميق بعض المفاهيم لعلم الاجتماع في هذه المرحلة أثر عمّق مفهومات الدراسات الاجتماعية .
وتعدّ أهمية الطبقة الثانية مبلورة في "إبداع" تيار علمي جذّر أكاديمياً مفهوم علم الاجتماع الحديث من ناحية ، وولّد مجالات علمية شكلت التفسير الجديد لمعنى الحياة الاجتماعية الثقافية للمجتمع الحديث ، الذي تعد الدراسات الميدانية نافذة مهمة لتوجيه الحياة الاجتماعية من خلال إبراز جوانب من الحياة الحديثة ! . ولقد أكسب أبناء هذه الطبقة لعلم الاجتماع هويته العلمية ورواج أفكاره ومفاهيمه على مستوى المجتمع .
أما الطبقة الثالثة فكانت تتمثل في جيل سعى إلى إبراز المذاهب ( المدارس ) الاجتماعية المختلفة والتنظير لها بوصفها منظومات علمية تشكل حوصلة لجهود العديد من العلماء في إسهاماتهم الفردية ، بل كان بعضهم الموجه والمنظر لتلك المذاهب العلمية . ومن أبرز هذه المذاهب المدرسة الوظيفية والتفاعلية الرمزية ومدرسة الصراع ونظرية الأنساق الاجتماعية والاثنوميدلوجيا والظواهرية وغيرها كثير . ولقد سعى العلماء في هذه الطبقة إلى الارتفاع عن الريادة الفردية ، والعمل على تعزيز المذهب / المدرسة النظرية التي يرون أنها توجههم للبحث العلمي الاجتماعي وتحدد لهم الحدود العامة وتقدم لهم المصطلحات المفتاح ومن ثم توجه الاهتمامات والقضايا والأسئلة التي يعالجها الباحث . وهذا الأمر يشبه ما نجده في الفقه من أشكال الاجتهادات والجهود الفقهية داخل المذهب الفقهي الواحد . وفي هذا الإطار تصبح النظرية هي الحدود القصوى التي يعمل في إطارها طالب العلم والمجتهد في هذا المجال العلمي .
وفي ظل هذه الطبقة ظهرت جهود علمية نقدية مهمة عملت على إظهار مكامن الخلل أو العلل في هذه المذهب العلمية وذلك من أجل الخروج على النمطية والجمود الفكري الذي آل إليه العديد من علماء الاجتماع . ولقد أحدث هذا النقد تحولات جذرية وطالت مراجعاته أعمال جميع المذاهب العلمية بل حتى أقطار الرواد . ومن أهم علماء هذه الطبقة تالكوت بارسونز ومرتون ورايتس وفبلن وغيرهم كثير .
الطبقة الرابعة ظهرت في أواخر الثمانينات الميلادية في القرن العشرين ، ولقد أحضرت معها اهتمامات جديدة ومن ثم قضايا وأطروحات جديدة ، لعل من أبرزها ما عرف بالدراسات النسوية وما بعد الحداثية والخطاب ما بعد الكولينالي وانتشار ما عرف بالدراسات الثقافية والتعددية الثقافية . ومجالات علم الاجتماع في هذه المرحلة انفتحت على منجزات النقد الأدبي والدراسات الأدبية عموما وعلى موجات الحركات الاجتماعية والإصلاحية ، بالإضافة إلى بروز إشكاليات المجتمعات الصناعية الحديثة من منظور الأقليات والهجنة والأفكار الجديدة في الاستهلاك والتنمية وأشكال التدين والحركات الأصولية وغيرها .





[1] ) أبو بكر أحمد با قادر

0 التعليقات:

إرسال تعليق

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More