بقلم: عادل فتحي عبدالله
(الحلقة الثانية)
إن الطفل في المرحلة العمرية التي نتحدث عنها عادة ما يجد متعة في التخريب، نعم، إنه يجد متعة في قيامه ببعثرة الأوراق، في الغرفة، كما أنه يجد متعة في ارتطام الأشياء ببعضها وسماع صوتها المزعج،
كما يجد متعة في إلقاء الأشياء من النافذة على الأرض، محاولة منه لسماع صوت ارتطامها بالأرض، أو بحثاً منه عن مصيرها بعد الإلقاء على الأرض!!
كما يجد الطفل أيضاً متعة كبيرة في اللعب بالماء، وإلقاء الأشياء في الماء، وأحياناً في سكب الماء على الأرض، إن بعض هذه الأمور يمكننا تفسيرها على أنها نوع من البحث والاطلاع والتعرف على الأشياء، وبعضها قد يصعب تفسيرها، أو ربما قمنا بتفسيرها بطريقة مخالفة لما يفكر فيه الطفل، إن الطفل له عالمه الخاص به تماماً، إنه يفكر بطريقة مختلفة، وكل يوم نكتشف جديداُ في عالم الطفولة.
ومع ذلك، ومع إقرارنا بتلك الأمور فليس معنى ذلك أن نترك الطفل يخرب ويفعل ما يشاء، كما يدعي البعض، هذا هراء، لكن لا مانع من أن نجد له متنفساً لذلك فيما لا يضر.
كيف نعالج تخريب الأطفال؟
أولاً يجب علينا أن نوجد بديلاً للطفل، فلا نجلس طوال الوقت نقول للطفل مثلاً: كفى تخريباً..كف عن الفوضى..إلخ
هذا ليس حلاً بأي حال من الأحوال، بل نستطيع وببساطة إيجاد البديل المناسب للطفل لكي يفرغ فيه الطاقة، ولكي يمارس فيه هواياته، حتى الطفل الصغير ما دون العامين، يحتاج لكي يفرغ طاقاته بنوع من الألعاب البسيطة والمناسبة لسنه أيضاً،
" فمثلا : أم في سيارة عامة مزدحمة في آخر النهار ، لا تكف عن توبيخ صغيرها الصاخب قائلة له : ألا تجلس ساكتا ؟ اهدأ .. كن مهذبا "
ليس هذا الطفل المسئ هو في سن الرابعة أو الخامسة وليس بالطفل القوي البنية الذي يتصوره المرء جالسا على حجر أمه ، لكن مجرد طفل صغير في نحو الشهر الثامن من عمره ، ولا يزال في دور الطفولة الأولى .
ولا شك أن في الموقف ما يثير الضحك إلى أبعد حد ، سيل من الكلمات الخالية من أي معنى ينهمر على رأس طفل برئ .
ولكن هناك أيضا شيئا محزنا، فأقل ما يقال فيه أن من المؤسف أن نرى أما لا تدرك إطلاقا مبلغ طفولة صغيرها، ومع ذلك فبيننا كثيرون على شاكلتها، لا يحبون لأطفالهم أن يتصرفوا بما يناسب أعمارهم.
إن الخطأ الذي نرتكبه، هو أننا نعتقد أن أبنائنا متعبون جدا لا للشيء سوى أننا نتوقع منهم أن يكونوا أكبر مما يستطيعون، فنعاقبهم لقصور لا يملكون له علاجا،
فالطفل الذي كان بالسيارة العامة مثلا: لعله بدأ لتوه في الشكوى، وأصر على مواصلة البكاء، ومع هذا فلو كانت أمه قد حملته، وتركته يتطلع من فوق كتفها لحظة،
أو لو أنها أعطته بعض المفاتيح ( ليشخشخ بها ) أو على الأصح لو تركت طفلها يتصرف في نطاق سنه ، لكانت في الواقع جعلته سعيدا ، ولانقاد لها في المدة الباقية من الرحلة.
وشبيه بذلك شكوى الأمهات مما يلقينه من متاعب في إطعام وإلباس أطفالهن، ومع ذلك فإن هذا كله ناجم من أننا نهتم جد الاهتمام بأن " يتصرفوا تصرفا لائقا " أي كتصرف الكبار.
والطفل في دفاعه عن نفسه يظهر تحديا وعنادا يقتضيان عدة شهور أو سنين لكي يقلع عنها.
ولربما تحب الأم لطفلها أن يكبر بسرعة ، ولكن الطفل يرفض في حكمه أن ( يكبر ) قبل أن يكون مستعدا لذلك .
لقد كانت لإحدى الأمهات ابنة في التاسعة من عمرها ، و كانت تدخل معها في جدال لا نهاية له ، لأنها تعود إلى بيتها من المدرسة وهي تحجل وتقفز، ولا تمشي مشية السيدة ، وأم أخرى ظنت أن ابنها وهو في الثانية من عمره ، بحاجة إلى استشارة طبيب متخصص ، لأنه دائم الجري لا يهدأ، ومع ذلك كان كل من الطفلة ذات التاسعة من عمرها والطفل الرضيع يسلك مسلكا طبيعيا مناسبا لسنه"[1]
إننا حين ندرك طبيعة الطفل، ونتعرف على مراحل نموه نستطيع أن نستوعب كثيراُ من أفعاله غير المنضبطة، أو المزعجة بالنسبة لنا، أو على الأقل نعذره فيها، ولا نواجهها بالتعصب والانفعال غير المبرر، أو بالقهر والتسلط، كما يفعل البعض.
ولهذا ينصح علماء النفس والمهتمون بالطفولة الآباء والأمهات بالقراءة عن الطفل، حتى يتسنى لهم فهمه بطريقة جيدة، ومن ثم فهم سلوكياته ومحاولة استيعابها وحسن التعامل معها.
يقول د: ( جوليوس شوارتز) وهو اختصاصي بمعهد الأبحاث بنيويورك " يجب على الآباء أن يقرؤوا الكتب المختلفة عن الأطفال ليس من أجل استخلاص الحقائق لتقديمها للأطفال عند سؤالهم ، لكن من أجل توسيع المعلومات والآفاق التي تمهد لدراسة الطفل وفهمه فهما صحصحا"[2]
وتمثل ألعاب الطفولة علاجاً صحيحاً لتخريب الأطفال، حيث يستطيع الطفل أن يفرغ طاقاته الإبداعية في تلك الألعاب، ولا يجب على الآباء أن يوبخوا الأطفال حين يعبثون بتلك الألعاب، أو يقومون بتحطيمها، خصوصاً تلك الألعاب الصيني رخيصة الثمن، والتي يمكننا تسميتها ألعاب المرة الواحدة، فمن الطبيعي أن تتحطم بعد اللعب بها ولو لمرة واحدة.
وإذا أردنا أن نحافظ على ألعاب الطفل فعلاً، فإن علينا أن نختار للطفل تلك الألعاب التي تناسب عمره أولاً، ثم تلك التي لا تنكسر بسهولة، والتي لا تتسبب في إيذائه أيضاً، أي تلك المصنوعة من مواد مرنة، وإن كانت على خلاف ذلك فلا داعي لأن تكون غالية الثمن.
وهذا لا يعني أن الطفل سوف يقوم بتحطيم كل الألعاب، كلا، لكنه بلا شك سوف يقوم بدافع حب المعرفة والاستكشاف، بفك بعضها أو تحطيمها، لمعرفة ما بداخلها!
إن ألعاب الفك والتركيب تفيد الطفل في هذه المرحلة لأنها تشبع عنده هذه الرغبة، في تلك المرحلة العمرية.
وكلما كان لدى الطفل متسع من الوقت للعب مع غيره من الأطفال كلما كان أكثر اتزاناً، وأقل تخريباً.
وللحديث بقية إن شاء الله تعالى.
[2] ) طفلك بين الثانية والخامسة " مجموعة من الباحثين ـ ط. مكتبة النهضة المصرية ـ ترجمة عبد المنعم الزيادي
0 التعليقات:
إرسال تعليق