استخدام
أسلوب القسوة والعنف في التربية
بسم الله
الرحمن الرحيم
الحمد لله،
والصلاة والسلام على رسول الله، سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم -وعلى آله وصحبه
ومن والاه، وبعد
يعتقد البعض
أن استخدام أسلوب القسوة والعنف في التربية يعد الأسلوب الأمثل لتقويم سلوك الأبناء وجعلهم يتبعون الأوامر وينفذونها بدقة
، ولا يحيدون عن جادة الصواب .
وقد تسمع من
بعضهم أحيانا القول : هكذا تربينا وعلى هذا يجب أن نربي أبنائنا ، وبهذه الطريقة
سوف ينشأون على أفضل ما يكون .
فهل يا ترى
أسلوب القسوة والشدة والعنف في التربية هو الأسلوب الأمثل ، أم أن له من المثالب
ما يفوق المزايا بمراحل كثيرة .
يقول
العلامة عبد الرحمن ابن خلدون في مقدمته تحت عنوان: " فصل في أن الشدة على
المتعلمين مضرة لهم "
" إن
إرهاف الحد مضر بالمتعلم لا سيما صغار الولد ، لأنه من سوء الملكة ، ومن كان مرباه
بالعسف والقهر من المتعلمين أو المماليك أو الخدم سطا به القهر ،
وضيق على النفس في انبساطتها ، وذهب بنشاطها ،
ودعا إلى الكسل ، وحمل على الكذي والخبث ، والتظاهر بغير ما في ضميره خوفا من
انبساط الأيدي بالقهرعليه،
وعلمه المكر والخديعة لذلك ، وصارت له هذه عادة
، وفسدت لديه معاني الإنسانية من حيث الإجتماع والتمدن ، وهي الحمية والمدافعة عن
نفسه ومنزله ، وصار عيالا على غيره في ذلك ،
بل وكسلت النفس عن اكتساب الفضائل والخلق الجميل
، فانقبضت عن غايتها ، ومدي انسانيتها ، فارتكس وعاد في أسفل السافلين ، وهكذا وقع
لكل أمة حصلت في قبضة القهر ، ونال منها العسف .
فينبغي
للمتعلم في متعلمه ، وللوالد في ولده أن لا يستبدوا عليهم في التأديب .
وقال أبو
محمد بن أبي زيد في كتابه الذي ألفه في حكم المعلمين والمتعلمين : لا ينبغي لمؤدب
الصبيان أن يزيد في ضربهم إذا احتاجوا إليه على ثلاثة أسواط شيئا .
ومن كلام
عمر رضي الله عنه : " من لم يؤدبه الشرع لا أدبه الله "
حرصا على
صون النفس من مذلة التأديب ، وعلما بأن المقدار الذي عينه الشرع لذلك أملك له فإنه
أعلم بمصلتحته
ومن أحسن
مذاهب التعليم ما تقدم به الرشيد لمعلم ولده محمد الأمين فقال:
" يا أحمران ، أمير المؤمنين قد دفع إليك
مهجة نفسه ، وثمرة قلبه ، فصير يدك عليه مبسوطة ، وطاعته لك واجبة ، فكن بحيث وضعك
أمير المؤمنين ،
أقرئه القرآن ، وعرفه الأخبار ، وروّه الأشعار ،
وعلمه السنن ، وبصره بمواقع الكلام وبدئه ، وامنعه من الضحك إلا في أوقاته ، وخذه
بتعظيم مشايخ بني هاشم إذا دخلو عليه ، ولا تمرن بك ساعة إلا وأنت مغتنم فائدة
تفيده إياها .
من غير أن
تحزنه فتميت ذهنه ، ولا تمعن في مسامحته فيستحلى الفراغ ويألفه ، وقومه ما استطعت
بالقرب والملاينة ، فإن أباها فعليك بالغلظة والشدة " [1]
إنها فلسفة
الشد والجذب ، والثواب والعقاب ، والرفق واللين أولا وقبل كل شئ وليس الشدة
والغلظة ،
إنما اللجوء إليها يكون في حالات نادرة ، وعند
استنفاذ الوسائل الأخرى وبالقدر المناسب لكن لا يمكن
.اعتبارها اسلوبا في التربية .
عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ
فِي الْأَمْرِ ۖ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ
الْمُتَوَكِّلِين ) ٍسورة آل عمران:159
:ما
يؤكده ابن سينا في ( السياسة ) حيث يقول
" إنه من الضروري البدء بتهذيب الطفل
وتعويده ممدوح الخصال منذ الفطام ، وقبل أن ترسخ فيه العادات المذمومة ، التي يصعب
إزالتها إذا تمكنت من نفس الطفل ، أما إذا اقتضت الضرورة الالتجاء إلى العقاب فإنه
يجب مراعاة منتهى الحيطة والحذر.
فلا يؤخذ
الوليد أولا بالعنف ، وإنما بالتلطف ثم تمزح الرغبة بالرهبة ، وتارة يستخدم العبوس
، أو ما يستدعيه التأنيب . وذلك وفق كل حالة خاصة .
ولكن إذا
أصبح من الضروري الإلتجاء إلى الضرب ينبغي أن لا يتردد المربي على أن تكون الضربات
الأولى موجعة . فإن الصبي يعد الضربات كلها هينة ، وينظر إلى العقاب نظرة استخفاف
.
ولكن
الالتجاء إلى الضرب لا يكون إلا بعد التهديد والوعيد وتوسط الشفعاء لإحداث الأثر
المطلوب في نفس الطفل " [3]
إن التربية
علم وفن حيث يختار المربي الأسلوب المناسب في الوقت المناسب ، وليست المسألة مسألة
شدة وعنف وكفى .
شدة وعنف وكفى .
والمربي
الذي يلجأ للقسوة والعنف فقط حقيقة هو مربي ضعيف ، ليس لديه القدرة على التعامل
التربوي السليم .
وهو كذلك
يعتبر الشدة والقسوة هما الأسلوب الأسهل وليس الأمثل للتأديب والتربية ، حيث أنهما
ـ أي الشدة والقسوة ـ لا يحتاجان دراسة ولا قراءة ولا اطلاع ولا فن في العامل مع
الإبن ، وأنهما وسيلة سريعة للتأثير ، وتأتي بنتائج مرجوة من وجهة نظرة.
والحقيقة أن
هذا الكلام غير دقيق ، نعم قد تكون النتيجة الملاحظة مرغوبة بصورة مؤقتة ، وقد
يخاف الولد فيفعل ما يريد الأب ، لكن هل يستمر سلوك الابن على نفس المنوال ؟ هل
يجدي معه العقاب والعنف وهو في مرحلة المراهقة ؟
هل يمكن
ضربه وهو شاب في ريعان الشباب وإن حدث هل يكون هذا الأسلوب ذا تأثير إيجابي أم
سلبي ..
إن الآثار الضارة
لهذا الاسلوب تظهر بوضوح في مرحلة
المراهقة على الشباب المراهق ويمكن أن تدمر شخصيته .
0 التعليقات:
إرسال تعليق