Featured Video

الأربعاء، 12 فبراير 2014

حاجة طالب العلم الشرعي للعلوم الاجتماعية

بسم الله الرحمن الرحيم

حاجة طالب العلم الشرعي
للعلوم الاجتماعية[1]    
اعلموا أثابكم الله أن ابن خلدون وثلة من العلماء المسلمين - منذ قرون - اهتموا وبشكل علمي بدراسة حالة المجتمع من الناحية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية ، ساعين للتوصل إلى التعرف عن قوانين كبرى يمكن أن تفسر ما يجري في حياة المجتمعات ، بدلاً من التوقف فقط عند الينبغيات الأخلاقية في الغرب والمثالية . ولقد أحدث اهتمامهم هذا اهتماماً واسعاً عند غيرهم من علماء ومفكري الأمم ، وبالذات في الغرب ، نتج عن هذا الاهتمام أن سعت ثلة من المفكرين في القرن الثامن عشر والتاسع عشر لتقدم نظريات وأفكاراً تسعى لتفسير واقع المجتمعات الإنسانية وتُعنى بتعلم دروس التاريخ ، ومن خلال جهود هؤلاء المفكرين والفلاسفة من أمثال هوبس ولوك ورسو وأغوست كونت وسبنسر وغيرهم كثر ولدت العلوم الاجتماعية الحديثة في الجيل الذي جاء بعدهم مباشرة .
وبإمكاننا القول بأن هذه الجهود التأسيسية هي التي ولد من رحمها رجال الطبقة الأولى من رواد علم الاجتماع الحديث . ويمكننا إجمالاً الحديث عن خمس طبقات من علماء الاجتماع .
فالطبقة الأولى هي التي تمثل أبرز العلماء والمفكرين الذين كان لهم قصب الريادة في تشكيل التيارات والاتجاهات النظرية ونحت المفاهيم المفاتيح لهذا العلم ، بل وبلورة القضايا والأسئلة الكبرى التي لا بد من تناولها والاهتمام بها . وهناك اختلاف حول من يمكن أن يدرج ضمن علماء الطبقة الأولى ، لكن معظم علماء الاجتماع اليوم يجعلون : ماركس ودوركايم وفيبر في قوائمهم، قد يضيف البعض باربتوا ومارشال أو سواهما ، لكن الجميع يُسّلم للعلماء الثلاثة الأوائل . ونظراً لذلك فإنني استسمحكم أن تصبروا عليّ حتى أذكر لكم طرفاً من أفكار ومفاهيم هؤلاء الثلاثة .
تُعدّ كتابات كارل ماركس وتحليلاته في دراسة المجتمع الرأسمالي والعلاقة بين أسلوب الإنتاج والعلاقات الاجتماعية ومن ثم ظهور الأيديولوجيات والصراع الطبقي ، وكيف أن أسـاليب إنتاج معينة تشكل ليس فقط العلاقات الإنتاجية ومن ثم الاجتماعية ، وإنما تشكل كذلك صورة الإنسان وقيمه وتصوراته عن ذاته وعلاقاته بمَن ومع مَن حوله . ويعد تناوله لقضايا مثل : الاغتراب والتشيؤ وصنيمته السلعة من أهم القضايا التي تواجه مصير الإنسان الحديث في المجتمعات الصناعية المتقدمة ، أو كيف يجد نفسه ضحية لأعماله ، بل وكيف أن هذه التحولات المادية الإنتاجية تعيد صياغة مفهوم الإنسان وعلاقته بالكون والحياة ، بل لعلنا لا نبالغ إن قلنا أن مفاهيم الاغتراب والأزمات الدورية والصراع الطبقي وأسلوب الإنتاج وغيرها من المفاهيم الجوهرية في فكر ماركس لم تشكل وتبلور الفكر الحديث في مجال العلوم الاجتماعية فقط ، وإنما شكلت مفاهيم الإنسان الحديث ، بحيث لم يعد بإمكانه التفكير والتأمل من خارج إطارها . ولذا يعدّ تأثير ماركس في العلوم الاجتماعية بارز واضح ، حتى قيل إن هذا العلم عالة على أفكاره وأن الانتقادات والتطويرات التي يجري إبداعها إنما تشكل حواراً مع " خيال ماركس ".
ولا يقتصر فكر ماركس فقط على الدوائر الأكاديمية والفكرية ، وإنما تم تبنيه وتطبيقه بأشكال وتفسيرات مختلفة تشكل سياسات وحكومات وأنظمة ، لكن ورغم فشل معظم هذه المساعي لوضع أفكار ماركس موضع التطبيق ، بل ورغم أن جل نبؤاته لم تتحقق ، فإن المعمول به في الدوائر الأكاديمية هو ضرورة فصل أفكار ونظريات وإسهامات ماركس عن ما ظنه البعض تطبيق لأفكاره . ولذا فإنه رغم سقوط المعسكر الشرقي – الذي يرى البعض أنه يجسد أفكار ماركس – إلا أن أفكار وأطروحات ماركس لا تزال قيد التناول بين المختصين في علم الاجتماع ، بل دون مبالغة لا تزال أفكاره وطروحاته نابضة بالحياة ، قادرة على إنتاج فريد من التأمل والتفكير ! .
ويُعدّ دوركايم المؤسس الرئيسي لعلم الاجتماع بالمعنى الأكاديمي والجامعي ، إذ بفضل جهوده وإصراره على أن الدراسات الاجتماعية تختلف نوعياً عن الدراسات الفلسفية والنفسية ، وعمله على تأسيس كرسي أكاديمي لعلم الاجتماع في الأكاديمية الفرنسية ، ظهر علم الاجتماع في شكل مؤسسي . ولقد سعى دوركايم من البداية للتنظير للظاهرة الاجتماعية ، مؤكداً على أنها شيء ملموس ومستقل عن ما حولها ومن ثم يمكن قياسها ، وهي تفرض تأثيرها وحضورها فيما حولها . وفي كتابه "قواعد المنهج" سعى لإبراز "المنهجية العلمية" في دراسة الظواهر الاجتماعية انطلاقاً من فهمه للفلسفة الوضعية . ولعل دراسته لظاهرة "الانتحار" والتي نحى فيها منحى "اجتماعي" بعيداً عن الجوانب النفسية ، إنما تشكل مثالاً نموذجياً لكيفية الدراسات التي سعى دوركايم للتأكيد عليها . لكن تبقى دراسته "عن تقسيم العمل الاجتماعي" والتي نظر فيها لفكرته عن تحولات المجتمع الحديث من مجتمع التكافل والعلاقات الحميمة إلى المجتمع الصناعي الحديث التي تفرض ألواناً جديدة من المفاهيم والقيم الأخلاقية ، بعد الإسهام الأبرز له . ويعد نقده لأطروحة ليفي بروهل حول ما عرف "بالأديان والعقليات البدائية" في كتابه "الأشكال الدولية للممارسات الدينية" من أهم الأطروحات الاجتماعية حول مسألة الدين والمجتمع في الفكر الاجتماعي الحديث ، ولا تزال أطروحات وأفكار دوركايم موضع عناية ، وإن كانت الدراسات الاجتماعية تجاوزت العديد من نتائجه .
صحيح أن مفاهيم من أمثال "تقسيم العمل الاجتماعي" و "التضامن الآلي والعضوي" و "العقل أو الضمير الجمعي" و "الأنومي" وغيرها لا تزال رائجة ومؤثرة في الكتابات الاجتماعية الحديثة والمعاصرة ، لكن المدرسـة ( المذهب العلمي ) التي صدرت عن مفاهيم ونظريات دوركايم وتسمى " الوظيفية " موضع نقد واستهجان لدى غالبية علماء الاجتماع اليوم ، وذلك لسعيها على التأكيد على أهميه استمرارية الحالة القائمة وفرض نوع من التوازن بحجة ضرورة توحيد واستقرار المجتمع ، مما جعلها تسعى إلى الوصف والغائية أكثر منها إلى الشرح والتفسير لما يجري في المجتمع .
أما ماكس فيبر الرائد الثالث من رواد علم الاجتماع الحديث فهو صاحب أفكار ومفاهيم وأطروحات غاية في الأهمية ولا تزال معظم أفكاره راهنة بل وتتلقى مدرسته وأفكاره اهتماماً متزايداً ، بل يمكننا القول بأن أفكاره لا يزال إعادة استكشافها ومن ثم زيادة تأثيرها في توجيه الأفكار الحديثة التي يحتاجها العلماء لتفسير ما يجري على الساحة الاجتماعية راهناً .وتعد دراساته في الاقتصاد والمجتمع ، نقداً عميقاً لأفكار كارل ماركس وبالذات في الجدل الذي دار ولا يزال يدور حول قيام المجتمعات الصناعية وظهور الرأسمالية كأسلوب إنتاج وموجه لتشكيل العلاقات الاجتماعية . ولقد أعطى ماكس فيبر دوراً كبيراً للقيم والمعتقدات الدينية في تأسيس وظهور الرأسمالية ، على عكس ماركس الذي اهتم بالعوامل الاقتصادية في هذا المضمار .




[1] ) أبو بكر أحمد با قادر

0 التعليقات:

إرسال تعليق

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More