الحوار
مع الأبناء
الحمد لله
والصلاة والسلام على رسول الله سيدنا محمد "صلى الله عليه وسلم" وعلى
آله وصحبه ومن والاه.
وبعد:
فإنه مما لا شك
فيه أن الحوار سلاح من الأسلحة الهامة والاستراتيجية، لكنه سلاح يبني ولا يهدم،
ويعمر ولا يخرب، وهو سلاح نحتاجه جميعًا، آباء ومعلمين، بل تحتاجه الفئات المختلفة
من الناس، ولا غنى لأحدنا عنه فى الوقت الراهن.
ولقد أضحى
الحوار مع الأبناء ضرورة من ألزم الضرورات في هذا الزمن الصعب، ذلك لأن طفل اليوم
ليس كطفل الأمس، فمع تعدد أدوات المعرفة وتطورها، بل وتنوعها، ومع تقدم تكنولوجيا
الاتصالات، أصبح الطفل يعرف ما لم يكن يعرفه أقرانه في السابق، خصوصًا وأن الطفل
اليوم قد يعرف ما لا يعرفه الآباء في كثير من الأحيان بخصوص مجالات معينة، نتيجة
لتفوقه فى التعامل مع التكنولوجيا الحديثة والتي قد لا يحسن استخدامها بعض الآباء
نتيجة انشغالهم الدائم أو نتيجة عدم إدراكهم لأهمية تعلمها، ولهذا أصبح أسلوب فرض
الأوامر أمرًا غير مجد مع مثل هؤلاء الأطفال، ولا بد من انتهاج أسلوب آخر ألا وهو
الحوار، حتى نواجه تلك التطورات، ونوجهها توجيهًا بناءً، ولا نصطدم معها.
ونستعرض هنا أهم الآداب العامة التي يجب مراعاتها في الحوار:
1- النيـة: ينبغي ألا يدخل المحاور فى حوار ما إذا لم يكن
متأكدًا أن نيته لله عز وجل، فليس المقصود من الحوار أن يظهر براعته وثقافته وأن
يتفوق على الآخرين، وأن ينزع الإعجاب والثناء ذلك كله أمر يحبط العمل عند الله عز
وجل.
2- ينبغي على المحاور أن ينظر في الظروف التي تحيط به قبل
أي حوار، هل هي مناسبة للحوار والمناقشة أم لا، والظروف المحيطة ثلاثة: ظروف
المكان، وظروف الزمان، وظروف الإنسان.
3-
لا تناقش فى
موضوع لا تعرفه جيدًا، ولا تدافع عن فكرة إذا لم تكن على اقتناع تام بها.
4- يجب على المحاور أن يعرف مستوى الطرف الذى يحاوره فى
العلم والفهم، فإن الطالب لا يخاطب كما يخاطب العالم، والكبير لا يخاطب كما يخاطب
الصغير، لأن الناس ليسوا طرازًا واحدًا.
5- يجب على المحاور ألاّ يستأثر بالكلام لنفسه، ويحرم الطرف
الآخر (أو الحاضرين) من الكلام بالإطالة به عن حدود الذوق واللياقة.
6-
لا تقاطع من
تحاور بل استمع إليه كما تحب أن يستمع إليك، فكن مستمعًا بارعًا كما تحب أن تكون
متحدثًا بارعًا.
7- راقب نفسك وأنت تحاور أو تناقش، انتبه إلى حركاتك، ولهجة
كلامك، ولا تستسلم لعاطفتك، فتتحول من مناقش إلى خطيب.. لا تكرر نفسك أو غيرك، فإن
الناس قد سئموا التكرار.
8-
ينبغى للمحاور
الجيد أن يضبط كلامه وأن يتقن لغته ما أمكن.
9- المتحدث الناجح والمحاور الذكى هو الذى يحسن ضرب
الأمثلة، ويتخذها إما وسيلة لتقريب وجهة نظره من السامع وشرحها، وإما لإقناعه
بفكرته.
10- لا تهمل النقاط المشتركة بينك وبين من تحاور.
11- قد تحصل مناقشة جانبية بعيدة عن الموضوع الأصلى، فمن
الأفضل عند ذلك إقفال المناقشة أو التحاور بالموضوع الأصلى.
12- ينصح بإقفال المناقشة إذا لم يكن الشخص الآخر جادًا
باحثًا عن الحقيقة، أو كان دون المستوى المطلوب للخوض فى الموضوع محل المناقشة.
13- إذا واجهك مناقشك بشيء لا تعرفه فلا تخجل من السؤال
والاستفسار. واعلم أن هناك من الأئمة الكبار من كان لا يخجل أن يقول لا أدرى،
ويتحرج من الفتوى بغير علم.
14- ينبغى على المتحاور أو المناقش أن لا يتعصب لرأى معين أو
شخص معين أو فئة معينة، ينبغى أن يدور مع الحق حيث دار.
15- يحسن بالمناقش أن يترك العقول الضعيفة والحجج الواهية،
فدليلان قويان لا يمكن الرد عليهما أفضل من سوقهما مع ثلاثة أدلة أخرى يمكن الأخذ
والرد فيها.
16- احترم الحقيقة، وكن أمينًا فى العرض، ولا تقطع عبارة عن
سياقها، أو تعزلها عن مناسبتها، لتفسرها على خدم رأيك.
17- لا تستشهد بأداء وأقوال من لا يطمئن إلى علمه وأمانته.
18- على المحاور أن يحترم الأطراف الأخرى التى يحاورها.
19- من الإنصاف أن يبدئ المحاور إعجابه بالأفكار الصحيحة
والأدلة الجيدة والمعلومات الجديدة التى يوردها الطرف الآخر ويسلم بها.
20- اقتبس من كلام المحاور العبارات الجيدة التى تفوه بها فى
وقت سابق، وهذا يضفى على المحاور صفة الموضوعية.
21- من المفروض أن تكون الثقة متوفرة بين الجانبين عند إدارة
الحوار، فلا يؤول الكلام إلا بخير ما دام هناك محمل للتأويل الحسن.
22- ينبغى ألا يذكر الإنسان بما يكره، وأن لا يتم تنقيصه
وإظهار جهله وقصوره فى العلم.
23- عدم الطعن فى الفكرة وصاحب الفكرة، أو تجريح الأشخاص
والهيئات إلا فى حالات قليلة يستحب الخروج عن هذه القاعدة، وذلك عندما تقتضى مصلحة
الحق هذا.
24- لا تدع من تحاور باسم أو صفة يكرهها.
25- الفكرة التى تحاورها تكون أكثر قبولاً، إذا كنت مقتنعًا
بها، حريصًا على نشرها.
26- حادث المستمعين كأنك واحد منهم، وعبر عن آراءك بإخلاص
وتجرد.
27- أن المحاور الناجح أو المنصف يناقش بتلطف وهدوء، ويهتم
بما يفتح مغاليق القلوب.
28- من الحق ألا تسقه آراء صاحبك، وأن تظهر له الاحترام ولو
كان على غير رأيك.
29- إن أسلوب التحدى فى المناقشة ولو كان بالحجة الدامغة
والدليل المبين يبغض صاحبه للآخرين، فلا تلجأ إليه لأن كسب القلوب أولى من كسب
المواقف.
30- عليك أن تتحاشى إفحام الآخرين وإسكاتهم، لأن ذلك قد يسكت
الخصم لكنه لن يقوده إلى الهداية، بل يترك فى نفسه الحقد والغيظ، وخاصةً إذا كان
أمام الآخرين.
31- يستثنى من الفقرة أعلاه حالات يحسن بالمحاور أن يلجأ
فيها إلى الإفحام وإسكات الطرف الآخر، إذا كان ذلك الطرف رجلاً فاسد النية يعادى
الحق. لا ينبغى الوصول إلى الحقيقة واحترام الدليل، ويسيء إلى الفكرة ويهينها، أو
يتجاوز حدود الآداب، فيكون إفحامه عقوبة له.
32- إن المناظرة والمناقشة والحوار – فى غالب الأحيان – تؤثر
فى القلوب، وتكدر الخواطر، فتذكر ذلك جيدًا. ولا تخرج – ما أمكن – معلنًا الخصومة
على أحد.
33- يجب التركيز فى الحديث والنجاة من الاستطراد والشتات،
وأن يصل الحديث إلى نتيجة واضحة محددة.
34- لا تتوقع أن يوافقك الناس على رأيك، إذا كنت مصيبًا،
وأقمت على ذلك الدليل، فالنفس الإنسانية مزيج عجيب من عوامل شتى. منها عامل الهوى.
فإذا سيطر الهوى على المرء فلا حجة ولا منطق ولا دليل يؤثر فيه.
35- الابتعاد عن سرد الكلام سردًا، بل تجزئته وترتيبه
والتمهل أثناء الكلام ليفكر فيه السامع.
36- يحسن بالمحاور ألا يرفع صوته أكثر مما يحتاج إليه السامع
فذلك رعونة وإيذاء والمحاور ليس خطيبًا.
37- يحسن بالمحاور فى نهاية الكلمة أن يجمع شتات الموضوع فى
نقاط محددة يوردها فى آخر الحديث، تلخصه فى عناصر محددة لأن كثرة الكلام ينسى بعضه
بعضًا، وربما لا يبغى فى أذن السامع أكثر من هذه النقاط المحددة.
0 التعليقات:
إرسال تعليق