الكذب عند الأطفال المشكلة والحل
بقلم: عادل فتحي عبدالله
§
الكذب الخيالي
§
الكذب الدفاعي
§
الكذب الانتقامي
§
الكذب لافتقاد القدوة
§
الكذب والوراثة
§
وصايا علمية
الكذب عند الأطفال هل هو
مشكلة حقًا؟!!
بعد أن تناول أحمد وجبة الإفطار قال لأمه: لقد أمسكت
القطة منذ قليل من ذيلها، والحقيقة أن أحمد لم يخرج من البيت، ولم يرَ أي قطة..
ترى هل أحمد يكذب؟!
إن هناك أحد أمرين: إما أنه يتخيل أنه قد أمسك قطة من
ذيلها..
وإما أن هذا حدث فعلاً لكن في المنام..
* الكذب الخيالي*
إن الطفل في المرحلة العمرية من (2: 5) سنوات لا يستطيع
التفرقة بدقة بين الواقع والخيال، فيخلط بينهما، حتى الأحلام قد يحكيها على أنها
حقائق.
إن هذا الموضوع قد يستمر في حالات نادرة مع طفل المرحلة
الابتدائية، ففي إحدى المدارس الأهلية في مدينة (جدة) بعد أن ذهب أحد الأطفال إلى
بيته في يوم من الأيام، حكى لوالده أن الأستاذ فلان أخذه من يده وذهب به إلى
البحر، ومشيا سويًا على الشاطئ، فاتصل الأب مباشرتًا بالمدرسة مستنكرًا ما حدث،
وكادت أن تحدث مشكلة كبيرة للمعلم.
حيث أن المعلم لم يخرج مطلقًا من المدرسة في ذلك اليوم،
وكذا الطفل لم يغادر المدرسة إلا عند وقت الانصراف.
لكن ماذا يفعل الجميع، والطفل يدّعي أن هذا حدث؟! وفي
اليوم التالي حين جاء الأب بالابن ليستنكر ما حدث وليحقق في الموضوع، وتبين له بما
لا يدع مجالاً للشك أن الابن لم يغادر المدرسة إلا وقت الانصراف، عُرض الطفل على
المرشد الطلابي، والذي توقع أن يكون هذا الموضوع حلمًا لدى الطفل، فأخذ الطفل،
وسأله: أنت طبعًا يا بني تحب الأستاذ فلان؟، قال: نعم، قال: ربما أنك حلمت أن
الأستاذ فلان أخذك في رحلة إلى البحر؟ قال الطفل: نعم..
فقد كان الموضوع كله حلمًا، لا حقيقة له، وتم حل
الموضوع، بحمد الله..
إن غالبية الأطفال دون الخامسة لا يفرقون بين الواقع
والخيال، وبعض الأطفال في الصفوف المبكرة في المرحلة الابتدائية كذلك يخلطون بين
الواقع والخيال ولهذا يجب على الآباء أن يدركوا هذا الموضوع ولا يتسرعوا في الحكم
على الأشياء قبل التثبت والتأكد.
إن هذا النوع من الكذب يسمى (الكذب الخيالي)، وهو كذب
مؤقت يزول مع تقدم الطفل في العمر.
لكن ينبغي على الوالدين أن يبينا للطفل الفرق بين الواقع
والخيال، وأن هذا الذي يدعيه الطفل إنما هو تخيل.. ليس ذلك في كل الأمور طبعًا،
فليسمحا له ببعض التخيل، مدركين أن هذه مرحلة، وسوف تمر بسلام إن شاء الله.
* الكذب الدفاعي *
هذا النوع من الكذب شائع بين الأطفال عمومًا، وهو كذب
لدفع العقاب والأذى، فإذا كسر الطفل شيئًا مهمًا فلابد أنه سينكر هذا الفعل، لدفع
الأذى والعقاب عنه، خصوصًا إذا كان الوالد يسرف في عقاب الطفل.
فالوعيد الشديد والعقاب المبالغ فيه سيؤديان هنا لمزيد
من الكذب والإنكار، وحتى نعود الطفل على الصراحة وقول الحقيقة، ينبغي أن نراعي
ظروفه، وقدراته، ونلتمس له العذر في كثير من الأحيان، ولا نعاقبه كما نفعل مع
الكبار الذين يفهمون ويعقلون ويدركون.
وحتى لا يكبر هذا النوع من الكذب الدفاعي مع كبر الطفل،
ينبغي علينا أن نتعامل مع الطفل بنوع من الحكمة، ونشجعه على قول الحقيقة، ولا نكثر
من التهديد والوعيد.
* الكذب الانتقامي*
وينشأ هذا النوع من الكذب لدى الأطفال نتيجة لشعور الطفل
بالرغبة في الانتقام من أحد الزملاء، والذي ربما يكون قد تسبب له في الأذى، ولم يستطع
هو الدفاع عن نفسه، فيتهم ذلك الطفل بعمل ما شنيع لينال عقابًا رادعًا.
أو يحدث نتيجة للغيرة من ذلك الطفل لسبب ما، وكثيرًا ما
يلجأ الأطفال لمثل هذا النوع من الكذب، حتى على الأشياء البسيطة والتافهة.
إن الرغبة في الانتقام لدى الأطفال تكون قوية وجامحة
وذلك لأنهم ينفعلون بقوة وبسرعة، وإن كانوا يهدأون بسرعة، وينسون بسرعة، إن الكذب
الانتقامي عادة ما يستمر لدى الأطفال في سنواتهم المبكرة، لكن المشكلة الحقيقية هي
أن بعض الآباء والأمهات قد يساعد في تفاقم هذه المشكلة وليس في دحرها والقضاء
عليها.
وذلك بأحد أمرين:
الأمر الأول: تفضيل أحد الأبناء على الآخر وإظهار ذلك في
طريقة التعامل أمام الآخرين، مما يدفع إخوته للانتقام منه عن طريق حيلة الكذب
وإدعاء ما لم يحدث منه، بغية أن يعاقبه الوالدان.
الأمر الثاني: أن بعض الآباء يصدق هذا الكذب، ويعاقب
المدعي عليه بغير تحقيق في الأمر، مما يجعل الطفل الكاذب يكرر هذا الخطأ مرة ومرة،
لأنه قد وجد نتيجة إيجابية من هذا الكذب، وعلى الوالدين أن يمتلكا الحس الذي
يستطيعون به أن يفرقوا بين كذب الأطفال، وبين صدقهم، وهذا يأتي بالخبرة والفطنة،
والملاحظة المستمرة للأطفال.
* الكذب لافتقاد القدوة *
الحقيقة أن هذا النوع من الكذب هو أخطر أنواع الكذب على
الإطلاق، وفيه يكذب الطفل، ويتعلم الكذب لأنه يرى والديه أحدهما أو كلاهما يكذب.
ومهما تحدث الأب مع الابن عن خطورة الكذب، وحرمته، وقبحه،
فإن ذلك لن يكون مقنعًا للإبن، إذا رأى والده يكذب.
لأن القدوة مهمة جدًا بالنسبة لكل من يقوم بعملية
التربية، وللأطفال بصفة خاصة، ولهذا حث الإسلام على الصدق مع الأبناء، وبيّن
الرسول -صلى الله عليه وسلم- أن الكذب على الأبناء يحتسب كذبًا، ويُحاسب عليه
المسلم.
قال عبدالله بن عامر : (أتانا رسول الله -صلى الله عليه
وسلم- في بيتنا وأنا صبي، قال: فذهبت لألعب، فقالت أمي: يا عبدالله تعالى أعطيك،
فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (وما أردت أن تعطيه؟) قالت: تمرًا، قال: (أما
إنك لو لم تفعلي كُتبت عليك كذبة)([1]).
بعض الآباء يظن أن الطفل غبي، ولا يلاحظ ما يفعله
الكبار، ولهذا يقوم بالكذب أحيانًا للتخلص من بعض المواقف المحرجة، ويظن أن الطفل
لم يلاحظ هذا الكذب، والحقيقة أن الطفل أذكى مما نتصور، وهو شديد الملاحظة للكبار،
ويستطيع أن يميز الشخصية التي أمامه.
كما يستطيع أن يبدي ملاحظاته حول السلوكيات التي يقوم
بها الوالدان، وقد لا يصارح الطفل والديه بهذا الكلام، لكنه يضمره في نفسه، أو
يحدث به إخوته الصغار، وربما أساتذته في المدرسة، إننا يجب أن ندرك آباء وأمهات أن
الطفل يتعلم بالعادة كثيرًا من الأمور، وهو يقلد الوالدين، فإذا تعود الطفل عمل
ما، أو صفة معينة، وترسخت هذه الصفة في نفسه، بمشاهدته ما يؤيد فعلها عند
الوالدين، فإنه من الصعب أن يتخلص منها في المستقبل.
يقول جون ديوي –وهو من علماء التربية المعروفين-: (كل
العادات تدفع إلى القيام بأنواع معينة من النشاط، وهي تكون النفس، وهي تحكم قيادة
أفكارنا، فتحدد ما يظهر منها، وما يقوي، وما ينبغي أن يذهب من النور إلى الظلام)([2]).
(هل الكذب وراثي؟!)
ومن المشكلات التي تستعصي على الحل، اعتقاد بعض الآباء
أن أبناءهم يكذبون بالوراثة، لأنهم هم يكذبون، وبالتالي فإن الأبناء ينشأون
كذابون، هكذا بالوراثة، ولهذا فهم يستسلمون لهذه المشكلة، ولا يفكرون في علاجها..
وهذا الاعتقاد خاطئ، إذ أن العادات والسلوكيات مكتسبة،
ولا تتحكم فيها الجينات الوراثية.
والصدق والكذب، والبخل والكرم، والجبن والشجاعة، وغير
ذلك من الصفات، أمر مكتسب، تتحكم فيه ظروف البيئة، وطريقة التربية.
ولا يولد طفل كذاب بالفطرة، ولا سارق بالفطرة، بل الفطرة
هي الإسلام وهي الخلق الحسن.
يقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (كل مولود يولد
على الفطرة، وأبواه ينصرانه، أو يهودانه، أو يمجسانه)([3]).
(وقد يلحق الأطفال أذى خطير بسبب المبالغة التي لا مبرر
لها فيما يمكن أن تؤدي إليه الوراثة، إذا إغفلنا ما ينبغي من حيطة لابد منها في هذا
الشأن.
نظرًا لمعرفتنا المحدودة عن هذا الموضوع، ذلك لأن الوالد
أو المعلم إذا لم يلمس في سلوك الطفل سوى صورة لإحدى الخصائص التي كان يتميز بها
واحد أو أكثر من أسلافه، تعرض بذلك لإغفال العوامل المباشرة التي أدت إلى نشوء هذه
الخاصية، لهذا يُعتبر الإيمان التام بالوراثة أمرًا يدفع إلى اليأس والخيبة، بدلاً
من دفعه إلى محاولة إصلاح الأخطاء وتقويمها.
هذا اضافة إلى أن موقف الوالد القلق أو المعلم الخانق
كفيل بأن يزيد الآثار التي تؤذي شخصية الطفل، بالإضافة إلى العوامل التي تكون فيها
من قبل)([4]).
هذا ويؤكد علماء النفس أن السلوك والعادات والأخلاق كلها
أمور مكتسبة ولا دخل للوراثة فيها من قريب أو بعيد (فالسلوك الشاذ سلوك متعلم
ومكتسب وليس وراثيًا، وليس ناتجًا عن خلل في وظائف غدد الفرد)([5]).