Featured Video

الاثنين، 5 ديسمبر 2016

السيطرة على الذات

السيطرة على الذات

بقلم: عادل فتحي عبدالله 

كلمة السر في السيطرة على الذات هي الإرادة. قوة الإرادة هي أكبر عامل من عوامل النجاح في الحياة، ولا يوجد شخص ناجح إلا ولديه إرادة قوية، وعزيمة لا تلين، وهذه هي كلمة السر.

ويمكن تلخيص هذه الإرادة في قول معجز، وموجز في نفس الوقت، وهو الحديث النبوي الشريف، الذي يقول (استعن بالله، ولا تعجز).
إن الإرادة القوية، والعزيمة الجبارة، تحتاج إلى أن يستعين صاحبها بالله تعالى، وأن يعتمد عليه، ويتوكل عليه.

إن إحساس الفرد، وشعوره بوجود قوة عظمى، أعظم من كل شيء يتخيله، وقادرة على كل شيء، لا يعجزها شيء في الأرض ولا في السماء، تقول للشيء كن فيكون.
وهي قدرة الله تعالى، إحساس الفرد بوجود هذه القدرة، والتوكل عليها، والاعتصام بها، يمنحه أكبر قوة دافعة في هذا العالم، قوة لا تضاهيها قوة، وهي قوة الدفع الربانية، أو ما نسميها قوة الدفع الإيمانية.

وكلمة (استعن بالله) ليس المقصود منها فقط أن يقول الشخص استعنت بالله، فقط باللسان، فما أيسر هذا الأمر، لكنها تعني فيما تعني، أن يكون الشخص مؤمناً واثقاً بربه، وبقدرته اللامحدودة.

وفي ذات الوقت واثقاً بنفسه، وبالقوة الربانية التي يمنحه الله إياها، وبأنه قادر غير عاجز، وبأن لديه الإرادة لفعل ما يريد، وأن الكسل والدعة إنما هما من الإنسان نفسه، وليس بسبب أي شيء آخر،
 ويستطيع هو بنفسه أن يتغلب على الكسل إن أراد ذلك، وإن استعان بالله حق الاستعانة، وتوكل عليه حق التوكل، التوكل وليس التواكل.
فالتوكل يعني الأخذ بالأسباب، وبذل أقصى ما في وسع الإنسان، أما التواكل فيعني الكسل والاعتماد على ما قد يأتي من الخارج بدون بذل المجهود المناسب للعمل.
وقديماً قالوا: «إن السماء لا تمطر ذهباً ولا فضة».

مليونير منذ الصغر
"فاقد الإرادة هو أشقى البشر"   أرسطو

عبد الرحمن بن عوف رجل بسيط، لكن عقله كبير، وإرادته حديدية، وطموحه لا حدود له. رجل يعمل لدنياه كما يعمل لآخرته، فهو رجل بكل ما تحمل الكلمة من معنى.
هاجر عبد الرحمن بن عوف من مكة إلى المدينة مع المسلمين الأوائل من المهاجرين، هاجر وليس معه ديناراً واحداً، كان صفر اليدين.
وحين قدم المدينة، وكانت المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار وقع نصيبه مع سعد بن الربيع، فعرض عليه سعد أن يقتسم معه أمواله.
لكن عبد الرحمن رجل عفيف النفس، لا تسمح له نفسه أن يأخذ شيئا دون تعب وكد وعرق، فقال لسعد: دلني على السوق، فدله سعد على السوق، وكان عبد الرحمن تاجراً، يعرف كيف يشتري ويبيع، فاشترى وباع، واشتغل بالتجارة من يومها.

وخلال ثلاثين عاماً تقريباً استطاع عبد الرحمن بن عوف أن يكون من كبار التجار في جزيرة العرب، بل لا نبالغ إذا قلنا أنه أصبح مليونيراً، في وقت لم يكن فيه مثله كثير..
وفي زمن لا يعرف هذه المسميات (المليونير والملياردير...) ومات بن عوف عن عمر يناهز (75 سنة). يعني كون ثروته تلك من عمر الخامسة والأربعين تقريباً إلى تلك السن العجوز.. فهزم بذلك الشيخوخة والكهولة.

مات عبد الرحمن بن عوف، وخلف وراءه ألف بعير، وثلاثة آلاف شاه، ومائة فرس..
وكان متزوجاً أربعة من النساء، فترك ميراث لكل واحدة منهن 100 ألف دينار، يعني 400 ألف دينار، ومن المعروف أن ميراث الزوجة عند وجود الولد (1/8 التركة) يعني ترك ثروة تقدر بحوالي 400000 x 8 = 3200000 دينار، ثلاثة ملايين ومائتي ألف دينار.
وهي ثروة هائلة في ذلك الزمان، عام 32 هجرية، هذا الزمان الذي باع فيه إعرابياً كنزاً من ذهب بمبلغ ألف دينار، فقال له الناس: إنه يساوي أكثر من ذلك، قال: (والله لا أعرف بعد الألف عدداً!!)

في هذا الزمان استطاع عبد الرحمن بن عوف بتوفيق الله ثم بجده وتعبه وتقواه وورعه أن يكون مثل هذه الثروة الهائلة، من غير سرقة، ولا استغلال نفوذ، ولا غير ذلك من الأساليب الملتوية.

وهذا هو سر البركة في المال، وفي الرزق.
وقد يتخيل البعض أن عبد الرحمن بن عوف لكي يكون مثل هذه الثروة الهائلة انقطع للعمل، وودع كل ما يشغله عن التجارة، وكون الدينار فوق الدينار، والدرهم فوق الدرهم..

الحقيقة التاريخية الثابتة أن عبد الرحمن بن عوف كان من أكثر المتصدقين على الفقراء، والمساكين، وأنه ذات مرة تبرع للفقراء بقافلة كاملة تقدر بسبعمائة بعير محملة بكل الخيرات، ليس هذا فحسب، بل إنه جهز جيشاً بكامله للغزو في سبيل الله، فقد حمل ألف وخمسمائة راحلة في سبيل الله.
وقد يتصور البعض أن ابن عوف، اكتفى بالتصدق من ماله، ولم يخرج للجهاد بنفسه، وللتضحية بحياته في سبيل الله ونصرة الحق.
وهذا كله غير صحيح، فقد شهد بن عوف الغزوات كلها ولم يتخلف عن واحدة منها، وقاتل قتال الأبطال المغاوير، وأصيب يوم أحد بنيف وعشرين جرحاً، وأصيب في فمه وسقطت ثنيته، فأصبح أهتماً.

أي عزيمة تلك الجبارة، التي كانت لدى عبد الرحمن بن عوف، وأي حياة تلك التي كان يحياها، بين الجهاد والتجارة والصدقات، حقاً لقد استحق أن يكون أحد العشرة المبشرين بالجنة.
كل واحد منا لديه الكثير والكثير من الطاقات الهائلة، والقدرات الجبارة، لكنه لا يحسن استغلالها، ولا الاستفادة منها بحق.
يرى كثير من العلماء أن الإنسان لا يستخدم سوى 10 % فقط من قدراته العقلية، في حين يختلف آخرون مع هذه الرؤية، لكن الحقيقة التي نراها نحن جميعاً أن هناك أناس لا يستخدمون عقولهم مطلقاً، ولا يستفيدون ولو بجزء يسير من الطاقات الهائلة التي وهبهم الله إياها.

من المعلوم أن الجهاز العصبي للإنسان يحتوي على 100 ألف مليون خلية (مائة مليار خلية عصبية)، ويرى البعض أن الإنسان لو استغل 40 % من قدراته العقلية لكان في استطاعته أن يتكلم 7 لغات بطلاقة، وأن يحفظ 100 ألف مجلد عن ظهر قلب، إن لدينا الكثير والكثير. لكننا نحن لا نهتم!!
لكن باستطاعتك فعل الكثير، وتحقيق الكثير من أمنياتك وأكثر، فقط إذا كانت لديك الإرادة الفاعلة وإذا تخلصت من الكسل.


0 التعليقات:

إرسال تعليق

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More