حياة زوجية بلا ملل
(عـــش بعقــلك أنت)
بعض الزوجات والأزواج يفكرن ويفكرون بعقول الآخرين، فهم
يريدون أن يكونوا مثلهم، غايتهم التقليد والمحاكاة، فهذه الزوجة ما أن ترى جارتها
اشترت شيئًا ما إلا وتريد أن تشترى مثله، بل ربما اشتدت المشابهة إلى طريق اللبس
والمشي والكلام وغيرها.
ولا مانع من التأسي بما نراه خيرًا، ولكن بعض الذوبان فى
الآخرين والعيش بعقولهم، ومحاولة تقليدهم، والتعب النَصَب لعدم نيل ما نالوا.
هذه كلها من الأمور الخطيرة والتى يدخل بها الإنسان فى
دوامة القلق والملل، فليعلم كل من الزوج والزوجة أنه نسيج واحد، خلقه الله تعالى
بصفات وخلال لا يتشابه بها مع أحد من الناس، فلا يوجد اثنان على وجه الأرض
متشابهان فى كل شيء، فلا يلغى الإنسان شخصيته ويذوب فى الآخرين، ولكن ليكن لديه
شخصية مستقلة فى الفهم والتفكير والنظر لأمور الحياة والكون، فلا يسير مع الناس
سواء أحسنوا أم أساؤا، كلا، ولكن عليه أن يوطن نفسه، وفى الحديث الشريف يقول رسول
الله "e":
"لا يكن أحدكم إمَعة،
يقول أن مع الناس إن أحسن الناس أحسنت، وإن أساؤا أساءت، ولكن وطِّنوا انفسكم إن
أحسن الناس أن تحسنوا، وإن أساءوا أن تجتنبوا إساءتهم" (رواه الترمذي).
لقد كان من أكبر دواعى الكفر والبعد عن الله ومن ثم شقاء
الدنيا والآخرة هو إتباع الآخرين بغير هدى من الله، وذلك حين تصدى المشركون لدعوة
الحق قائلين: { إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم
مُّقْتَدُونَ } (الزخرف: 23).
(أيتها الزوجة: لا تكونى
مثل هذه السيدة)
خرج عمرو إلى المدرسة فى الصباح الباكر، وقفت أم عمرو
تنظر إليه من النافذة حتى غاب عن عينها، ثم دخلت الأم وجلست فى شقتها وشرعت فى
أداء واجباتها، لكنها ما لبثت قليلاً إلا وجلست تفكر فى عمرو وتقول فى نفسها:
اليوم شديد البرودة إننى لم أعتن بلبسه جيدًا، إنه سوف يصاب بالبرد، ترى هل سيصل
عمرو إلى المدرسة سليمًا؟ إن الحوادث كثيرة هذه الأيام، إنه لا يراعى السير فى
الطريق بعيدًا عن السيارات، هل من الممكن أ، يتعرض له أحد بسوء؟!
جلست أم عمرو تتخيل كل ما يمكن أن يحدث لابنها من سوء
وتدعو الله أن ينجيه منه وأن يعود لبيته سالمًا.
لقد أتعبت نفسها وضيعت وقتًا طويلاً فى التفكير بدون
جدوى، هذه الأم قلقة ولديها خوف متزايد وشكوك فى غير محلها، فكل الأولاد يخرجون
مثل ولدها ويفعلون ما يفعله كل يوم، وعمرو نفسه يخرج ويعود كل يوم من غير أن يمسسه
سوء، ومع ذلك لا تزال أمه لا تكف عن التفكير كل يوم فى هذا الأمر، إنها لا تعلم أن
الخوف المتزايد على الطفل ينتج آثارًا عكسية، وينشأ الطفل مصابًا بنفس الداء، بل
ربما غير قادر على التصرف فى أموره بمفرده ومنتظرًا دائمًا المساعدة من غيره، كونى
أيتها الأم مصدر ثقة لزوجك وأولادك، ولا تكونى مصدر قلق، واعلمى أن الأشخاص
ميَّالون لاكتساب الثقة التى نضعها فيهم، فإذا وثقت فى طفلك فسوف يكون محل ثقتك،
وسوف يتشجع على ما يُقْدِم عليه من عمل.
إن كثيرًا من حالات الملل والقلق نصنعها نحن بأنفسنا،
ولو فكرنا قليلاً لوجدنا انه لا داعى لمثل هذا.. فلا تكونى مثل هذه السيدة.
(تستطيع أن تُطَوِر حياتك
وتُغَيِر عاداتك)
قد يعترى الملل الحياة الزوجية نتيجة للروتين اليومى
والذى قد لا يتغير كثيرًا فيبعث على الملل، نعم الحياة بغير تطور تبعث على الملل،
ولكن ما الذى يجعلك لا تتطور ولا تغير عاداتك؟!
حاول أن تقوم أنت وزوجتك برحلة خلوية فى الأماكن المفتوحة،
حاول أن تغير نمط حياتك اليومي، أنواع الطعام والشراب. قم بزيارة لصديق عزيز، أو
لأسرة ذات صلات وثيقة بك. قم بصلة الرحم لأقاربك وإخوتك، زيارة المرضى، حضور
الحفلات والأفراح واصطحاب الأولاد والأسرة معك، هذا فوق أنه تغيير فى الروتين
اليومى فهو يعطى الأولاد فكرة جيدة عن طبيعة المجتمع والتعايش الاجتماعى، اجمع
أولادك على تلاوة كتاب الله، وقراءة سيرة رسول الله "e" وسير الصحابة الكرام، كما
أن اللهو مع الأولاد ليس مضيعة للوقت، كلا، يقول رسول الله "e":
" كل شيء يلهو به ابن آدم فه وباطل إلا ثلاثًا:
رمية عن قوسه، وتأديبه فرسه، وملاعبته أهله فإنهن من الحق " (رواه البخاري ومسلم).
فلنجعل من حياتنا أوقاتًا للهو المباح والمرح، وهذا رسول
الله "e" مع كثرة مشاغله فى الدعوة
إلى الله تعالى فغنه يجعل بين أوقات الجد والجهاد أوقاتًا للمرح والدعابة، فى إحدى
الغزوات وبعيدًا عن أعين الناس وفى وقت الراحة يتسابق مع زوجته السيدة عائشة
"t" فيسبقها بعد أن تكون سبقته
مرة قبل ذلك، فيضحك "e" ويقول لها: " هذه بتلك "ثم فى إحدى المرات يطاطئ لها كتفه
حتى تنظر إلى الحبشة وهم يلعبون بالحراب فى المسجد، فتقول السيدة عائشة: "والله
لقد رأيت النبي "e" على باب حجرتى والحبشة
يلعبون بالحراب فى المسجد ورسول الله "e" يسترنى بردائه لأنظر إلى
لعبهم بين أذنه وعاتقه ثم يقوم من اجلى حتى أكون أنا التى انصرف، فقدروا قدر
الجارية الحديثة السن الحريصة على اللهو" (رواه البخاري ومسلم).
كما أن الملل قد يتسرب إلى الحياة الزوجية نتيجة بعض
العادات السيئة التى اعتادها الزوج أو اعتادتها الزوجة ولم يحاولا التغلب عليها
بحجة أن هذه عادة ولن تتغير، والحقيقة أن كل عادة قابلة للتغير، نعم قد تكون من
الصعوبة بمكان، لكن ممكن تغييرها، وانظر أيها الزوج الكريم إلى المجتمع الجاهلى على
عهد رسول الله "e" والذى كان يمتلئ بعادات
مرذولة كيف تغير، وكيف تغير الناس فى سنوات قلائل، وكيف تغيرت عاداتهم!!
استعن بالإيمان بالله فى مواجهة تلك العادات السيئة، ولن
تعجز إذا توفرت النية الصادقة، والعزيمة القوية.
"واعلم أن السمات الشخصية لا تورث .. وإن الكثير من
علماء النفس يعتقدون أن الشخص الناضج انفعاليًا يستطيع أن يعدل سمات شخصيته
ويهذبها بنفس السهولة التى يتعلم بها تسيير آلة معقدة"().
0 التعليقات:
إرسال تعليق