Featured Video

الاثنين، 3 نوفمبر 2014

من أنواع التماسك النصي(5)

من أنواع التماسك النصي(5)

أ. م مراد حميد عبد الله
جامعة البصرة – كلية الآداب – قسم اللغه العربية
ومن جانب آخر نلمح – عند تحليلنا لآيات الخطاب القرآني- تكرار جملة ((اعبدوا Q ربي وربكم)) في أكثر من آية(46)، إذ تتوزع في خطابه (u) لقومه أثناء دعوته لهم في التوحيد وذكر Q وترك ما نهى عنه، ونلمحه أيضا في كل خطاب يوجهه إلى قومه فكان حريصاً عليهم – على الرغم مما كان يلاقيه منهم- لذلك يكرر هذه الدعوة بين الفينة والأخرى لهدف دلالي ألا وهو التأكيد والتذكير أن Q هو الإله الواحد الأحد الذي لا اله غيره وللتأكيد على انه عبد شأنه شأنهم فهو ربه وربهم في الوقت نفسه ((فهو أكد في إقراره بالربوبية لأنه ذكر على التفصيل فهو أبعد من الغلط في التأويل)) (47)  فنجد أن تقديم نفسه على قومه في كل آية وردت فيها هذه الجملة دلالة على أنه عبد Q وتأكيد لهم ) إِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ (                  )عمران: 51( ((فأن قول – أي النبي عيسى  (u)- أعبدوا الله ربي وربكم يدل على أنه عبد مربوب مثلهم))(48) في حين أن((تكرار ربي وربكم أبلغ في التزام العبودية من قوله ربنا)) (49).
       ومن جانب آخر نلحظ كثرة دوران فعل القول بصيغة الأمر، قال تعالى: ) قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ ( )آل عمران:64( (50) فهذا التكرار لفعل القول قد حقق ((التماسك النصي بين الآيات التي تدور حوله...فلغة الحوار من الأنماط المحققة للتماسك النصي)) (51) فتكرار لفظ القول وتدويره بين ثنايا الآيات يجعله نسيجاً واحداً لا ينفك المتلقي يخرج عن استمراره في التلقي لان النص لا يزال مستمراً والمعلومات لم تكتمل فيضطر المتلقي إلى المتابعة ((ان هذا الأسلوب من شأنه أن يشرك المتلقي للنص وذلك عن طريق إثارة فضوله لمتابعة تطور حدث النص)) (52)، وهذا ما نلمحه في قصة البقرة من تكرار لفظ القول إذ نجدها مسبوكة سبكاً فلا نجد ثغرة واحدة للتفكك والابتعاد الذهني(53) فهذا التكرار لفعل القول يشعرك بأن الكلام لا زال مستمراً أو متصلاً ببداية الموضوع، ومشعراً للمتلقي بان الخطاب مترابطاً بعضه ببعض بقرينة الحوار، قال تعالى:) إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلى وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدْتُكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنْفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِي وَتُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتَى بِإِذْنِي وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَنْكَ إِذْ جِئْتَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ إِنْ

هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ( )المائدة: 110( فهذا التكرار لكلمة (بإذني) لم يقتصر على هذه الآية فقط بل نلمحه في آية سابقة ولكن التكرار هناك لعبارة (بإذن الله)، قال تعالى:) وَرَسُولًا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآَيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ( )آل عمران: 49(.
        فالتكرار في سورة (المائدة) له مقصد دلالي أختلف عن المقصد الدلالي الذي تضمنته الآية في سورة (آل عمران) ((ووجهه أن آية (آل عمران) إخبار وبشارة لمريم بما منح ابنها عيسى (u)وبمقاله (u) لبني إسرائيل تعريفاً برسالته وتحدياً بمعجزاته وتبرءاً من دعوى استبداد أو انفراد، أما آية (المائدة) فقصد بها غير هذا وبنيت على توبيخ النصارى وتعنيفهم في مقالهم في عيسى (u) فوردت متضمنة عدَّه سبحانه أنعامه على نبيه                           عيسى (u))) (54).
         فالنبي عيسى(u) أراد من خلال خطابه لهم أن يركز على قضية التوحيد الإلهي الذي كان يدعو إليه ، وأن جميع ما في الكون إنما Q خالقهم أجمع فكان ((تذييل خلق الطير بذكر الإذن من غير أن يكتفي بالإذن المذكور في آخر الجملة إنما هو لعظمة أمر الخلق بإفاضة الحياة فتعلقت العناية به فاختص بذكر الإذن بعده من غير أن ينتظر فيه آخر الكلام صوناً لقلوب السامعين من أن يخطر فيها أن غيره تعالى يشتغل دونه بإفاضة الحياة تلبث فيها هذه الخطرة ولو للحظات يسيرة)) (55) في حين أن دلالة تكرارها في سورة (آل عمران) لم تختلف عما قرره فقال:((بإذن Q سبق للدلالة على أن صدور هذه الآيات المعجزة منه (u) مستند إلى الله تعالى من غير أن يستقبل عيسى (u) بشيء من ذلك وإنما كرر تكراراً يشعر بالإصرار لما كان من المترقب أن يضل فيه الناس فيعتقدوا بإلوهيته استدلالاً بالآيات المعجزة الصادرة عنه (u) لذا كان يقيد كل آية يخبر بها عن نفسه مما يمكن أن يضلوا به كالخلق وإحياء الموتى بإذن Q)) (56) فهذا التكرار أسهم في الالتحام النصي وبيًّن أن لا قدرة للحق إلا بقدرته وإذنه تعالى فجاء الخطاب قطعة واحدة متماسكة.
      إن Q سبحانه وتعالى أكد على قضايا متعددة ومهمة أثناء خطابه لأهل الكتاب منها ما هو في صالح هؤلاء القوم ومنها ما جاء مخالفاً لأهوائهم إذ لا يستغرب أن ينعتوا بالفسق في كل خطاب يخاطبون به – ولا أعني جميعهم بل المعاندين



منهم- فلفظة الفسق توزعت عند كل خطاب يدعوهم فيه إلى التوحيد والإيمان برسالة الإسلام فكان الحكم بأن الأكثرية العظمى منكم فاسقون مما دعا هذا التكرار إلى توليد نوع من التجاذب الوظيفي داخل هذا الخطاب،

0 التعليقات:

إرسال تعليق

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More