كيف تحصل على السعادة الحقيقية
يرى كثيرين
علماء النفس أن الإنسان يسعد كلما شارك في إسعاد الآخرين، وكلما أسدي معروفا إلى
غيره من الناس، فسعادة الشخص في سعادة عن حوله، وحين يشعر المرء أنه قد فعل معروفا فإنه حقا يشعر بالسعادة.
وليس يفعل معروفا من أجل أن يشكره
الناس، لا، ولكن من أجل الله، من أجل الخير وفعل الخير، النية هنا تختلف...إن فعل
هذا المعروف لله فعلا سوف يشعرك بالسعادة والراحة.
أما أن من قدم المعروف لأي هدف آخر،
فإنه لن يشعر بالسعادة، وهذا شيء حقيقي ومجرب،
ولقد جاء رجل إلى رسول الله ﷺ يشكو قساوة ووحشه في صدره، فقال له
رسول الله «امسح رأس
اليتيم. وأطعم المسكين» هذه الأعمال الخيرية تسعد الإنسان، وتزيل الوحشة من صدره
حتى مجرد أن يمسح رأس اليتيم- من الرحمة- وإن لم يدفع له شيء، لكن مجرد منحة دفعه
من الحب والحنان، والطمأنينة.. هذا كله يعود بالنفع على الشخص نفسه، قبل أن يعود
على اليتيم أو غيره من يحتاجون للمساعدة.
حتى إن إدخال السرور على الناس
بالبسمة أو بالكلمة أو مساعدتهم بالمال،
إدخال السرور على الناس بصفة عامة أمر محبب إلى الله تعالى، والهدف منه أن يحب
الناس بعضهم بعضا. فأنت حين تدخل السرور على قلبي بخبر سار أو بفعل شيء أحبه، فأنت
تحبني، ومن ثم أنا أحبك، ويعم الحب والخير بين الناس.
فإن لم تستطيع إسعاد غيرك بما تملك، فليس أقل من إسعاد غيرك
بالبسمة، انطلاقاً من قوله صلى الله عليه وسلم: (تبسمك في وجه أخيك صدقة).
اعلم أن أكثر
ما يسبب للناس التعاسة في هذه الدنيا، ويسبب لهم القلق والتوتر إنما هو الأنانية والأثرة..
لا شك أن كل إنسان يحب نفسه، هذا أمر طبيعي، لكن الأنانية والنظر للمصلحة
الشخصية في كل شيء يمكن أن تقدمه لغيرك، وعدم فعل الخير إلا من باب ما يعود على
الشخص منه مباشرة.. كل هذا من أسباب شقاء البشر في هذا الزمن الذي نعيش فيه.
إن الأثرة
والأنانية نقمة على صاحبها، وليست نعمة، أما الإنسان الذي يفعل الخير، ويحب الناس،
ويقدم من غير انتظار لمنافع ما تعود عليه، فهو فعلا الذي يعيش حياة السعداء، هذا
ليس عن وعظ وإرشاد،
بل هو حقيقة نفسية علمية حسب قانون الرجع فما
تفعله من خير يعود عليك بنفس الخير، أما أثرتك وأنانيتك وسلبيتك فتعود عليك بنفس
السلبية وبالتعب النفسي.
وقصص الحياة الواقعية تقول هذا، تقول
ديل كارنيجي: ( وإني ليسعنى أن أملأ كتابا كاملا بقصص أناس نسوا أنفسهم، فاكتسبوا
الصحة والسعادة، والاطمئنان، ولأضرب لك مثلا.
«مسيز بيتش (كاتبة روائية) لكن واحدة
من روايتها الممتعة لا تعادل في روعتها تلك القصة الحقيقية التي حدثت وقائعها لها
يوم أغارت اليابان على بيرهاربور، في الحرب العالمية الثانية كانت (مسز بيتس)
مريضة بداء القلب منذ سنتين،
وكانت تلازم فراشها اثنتين وعشرين
ساعة في اليوم، وكانت أطول مسافة يمكنها أن تقطعها سيرا على قدميها لا تزيد عن
محيط صديقتها الصغيرة.
قالت لي (مسز بيتش) أنها كانت خلفية
أن تقضى ما تبقى من حياتها ملازمة للفراش، لولا أن أغارت اليابان على بلدها،
لندعها تروى القصة بنفسها، تقول:
«عندما وقعت الإغارة على (بيرهاربور)
استحال الأمر في بلدنا إلى فوضي واضطراب لا نهاية لهما. وانفجرت إحدى القنابل
بالقرب من بيتي، فألقتني قوة الانفجار من فراشي.
وأسرعت
سيارات الجيش تخرج من (هيكام)، (سكوفيليد) ومطار (خليج كانو) تحمل زوجات رجال
الجيش والبحرية وأطفالهم إلى المدارس العامة بعيدا عن الخطر، واتصل الصليب الأحمر،
بكل من لديه مكان حالي ليؤدي بعضا من هؤلاء الناس.
وكان رجال الصليب الأحمر يعلمون أن
في بيتي آلة تليفون (وكان شيء نادر في تلك الأيام) فاتفقوا معي على أن أجعل من
بيتي ما يشبه مكتبا للاستعلامات. وأطلعوني على أماكن زوجات وأطفال رجال الجيش
والبحرية، وطلبوا منى أن أطلع عائلاتهم على أماكن إقامتهم،
ولم ألبث حتى علمت أن زوجي سليم معافى، فحاولت
أن أسري على الزوجات اللاتي لم يعرفن هل سلم أزواجهن أم لا ...كما رحت أواسي تلك اللاتي
فقدن أزواجهن... وكنت في مبدأ الأمر أجيب على المحادثات التليفونية
وأنا في فراش مستلقية على ظهري من التعب؟
ثم شيئا فشيئا
رحت أجيب على التليفونات وأنا جالسة في الفراش، وأخيرًا زحمني العمل، وشملني
التأثر حتى أنني نسيت مرضي تماما، ونهضت من الفراش.
ومنذ ذلك اليوم
لم أعد إلى فراش قط إلا وقت نومي كغيري من الأصحاء، إنني أدرك اليوم أنه لو لم
يهاجم اليابانيون (بيرل هاربور) لكان من الأرجح أن أمضى ما تبقى من عمري طريحة
الفراش.
ولقد كانت مأساة
(بيرل
هاربور) من أشد المآسي فجيعة في تاريخ أمريكا،
لكنها بالنسبة لي كانت نعمة من أفضل النعم، فقد أمدتني بقوة لم أحلم بمثلها، وحولت
انشغالي بنفسي إلى انشغالي بالآخرين،
فلم يعد لدي وقت لأفكر في نفسي، أو حتى لأهتم
بها.. إن ثلث الذين يشكون من أمراض نفسية يسعهم على الأرجح أن يشفوا بأنفسهم لو
حولوا انشغالهم بأنفسهم إلى الانشغال بالآخرين...
وقد كان أرسطو
يسمى هذا الضرب من معاونة الناس (الأنانية المستنيرة) وقد كان (زورد ستار) يقول :
«إن معاونة الناس ليست واجبًا محتوما، ولكنها متعة تزيدك صحة وسعادة، قال بنجامين
فراتكلين: (عندما تسعد الناس تسعد نفسك)
وكتب (هنري, س
لنيل) مدير المكتب الخدمات السيكولوجية بنيويورك يقول:
(أن السعادة لا تأتي إلا من طريق إنكار الذات،
ورياضتها على التضحية).
قال الله
تعالى:
(مَنْ عَمِلَ
صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً
طَيِّبَةً ۖ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) النحل:97