مشكلات
التخلف الدراسي
|
و
علاقتها بالقدرات العقلية[i]
|
|
تمهيد:
|
من
أهم القضايا التي عالجها علماء النفس معرفة المشكلات التي تواجه الإنسان،
ومحاولة تحديدها ودراستها وتفسيرها؛ بغية الوصول إلى حلول لها، وضبط ومعرفة
أسبابها؛ حتى يتحول الإنسان من كائن تسيطر عليه المشكلات والمعوقات إلى كائن
يسيطر هو على مشكلاته ويتغلب عليها، وهذه المشكلات تختلف من فرد إلى آخر.
|
وقد
اهتم علم النفس بالمشكلات التي تصل إلى درجة الخروج عن السلوك العادي المألوف
الذي يعوق حياة الفرد العادية، ويؤثر على حياته الدراسية والاجتماعية، ومن هذه
المشكلات مشكلة التخلف الدراسي الذي سنعالجها في هذا الموضوع الذي نأمل ونسأل
الله التوفيق في تناوله.
|
ما
معنى التخلف الدراسي؟
|
هناك
تعريفات كثيرة للتخلف؛ فمن الباحتين في علم النفس من يطلقه على طائفة من ضعاف
العقول يندرجون تحت (العقل الخفيف)، وهؤلاء يتراوح نسبة ذكائهم بين 70-90، وقد
ترتفع هذه النسبة عندهم قليلا، كما عرف بأنه: انخفاض نسبة التحصيل دون المستوى
العادي المتوسط في حدود انحرافين معياريين سالبين وله نوعان:
|
ا-
تأخر دراسي عام يرتبط بالغباء، حيث تتراوح نسبة الذكاء بين 70- 85.
|
2- تأخر دراسي خاص في مادة بعينها كالحساب،
وهو الذي يرتبط بنقص القدرة.
|
وهناك
من يرى أن المتأخرين دراسيا هم الذين يستجيبون استجابات صحيحة إيجابية للمنهج
الدراسي عندما يعالج تأخرهم الدراسي، والتخلف هنا يعتمد على نواح نفسية تربوية
طارئة، وهؤلاء يختلفون اختلافاً كبيرا عن ضعاف العقول الذين لا يستجيبون
استجابات إيجابية لمنهج.
|
ومما
تقدم نلحظ اختلاف المصطلحات أو التعريفات التي حددت أنواع التخلف؛ لاختلاف النظر
إلى العوامل المسببة له؛ فعلى التعريف الأول يكون انخفاض نسبة الذكاء سببا في
التخلف إلى جانب أسباب أخرى.
|
العوامل
المؤدية للتأخر الدراسي:
|
هناك
عوامل كثيرة يمكن أن تؤدي إلى التخلف الدراسي، ترتبط بعوامل اجتماعية ونفسية
وتربوية، ويمكننا أن نحد د هذه العوامل فيما يلي:-
|
1- انخفاض نسبة الذكاء العام عن المعدل
المتوسط، كما رأينا في التعريف الأول؛ لأن تكوين القدرة على اكتساب الوظائف
العقلية المعقدة يحتاج إلى نسبة ذكاء لا تقل عن الحد الأدنى المساعد على التحصيل
المعقول، أي أن الضعف في الناحية العقلية، أو النقص في قدرات الطفل العقلية -
والذي نصفه غالبا بالغباء - عامل مهم في التأخر الدراسي.
|
2- عامل عضوي: مثل ضعف السمع أو البصر،
ودورهما - كما نعلم - هام في عملية التعلم، وكذلك التلف المخي والاضطراب الصحي
العام؛ وذلك كله لأن عملية التعليم تحتاج إلى إنسان صحيح البنية، مكتمل الحواس،
خال من العيوب الخلقية المتصلة بالجهاز العقلي أو الأجهزة العصبية أو العمليات
الحسية المتصلة بها.
|
3- البيئة والمجتمع: في حالات اضطرابات
التنشئة الاجتماعية في الأسرة، وسوء التوافق الاجتماعي كأن يصاحب الطفل أقران
السوء، بأن ينشأ في ظل علاقات اجتماعية مضطربة القيم والمفاهيم والسلوك، أو
حرمان الطفل من المثيرات الثقافية والعقلية.
|
4- علاقة الطفل بالمدرسة؛ ولأن المدرسة
متعددة النشاطات فإن كراهية الطفل لوجه من أوجه النشاط المدرسي قد يكون سببا في
كراهيته للمدرسة، وبالتالي للدراسة، وعدم توافقه وانسجامه معها، كما أن الجو
العام للمدرسة، أو الفجوة بين المواد التي يدرسها والواقع الذي يعيش فيه، أو
صعوبة الطرق التي تدرس بها المناهج، أو انعدام التوجيه والضبط التربوي السليم؛
كل هذه العوامل تلعب درراً هاما في التخلف الدراسي.
|
5- الاضطرابات الانفعالية: مثل عمليات
الإحباط المستمرة، سواء في البيت أو المدرسة، والاضطراب العصبي، وعدم الاتزان
الانفعالي والحرمان الدائم.
|
6- ضعف الدوافع والدافعية - كما نعلم - لها
دور مهم في التعلّم، كما أن عدم بذل الجهد الكافي في التحصيل وقلة الاهتمام
مرتبطة بضعف الدافعية.
|
7- أسلوب التربية للطفل، ونوع المعاملة
التي يجدها من أسرته، وعلاقة أفراد الأسرة ببعضها، ومدى اضطرابها أو توفر المودة
والرحمة فيها، وعدم التناسب بين قدرات الطفل وطموحاته وسنه.
|
8- عدم اعتماد الطفل على نفسه وتحمل
مسؤولياته، واعتماده على والديه أو المدرس الخصوصي.
|
9- ضعف الذاكرة: إذ إن التذكر هو أساس
العمليات العقلية، والوسيلة التي يخزن بها ما يكتسب من خبرات ومعلومات، ولأن
النسيان عامل كبير في التأخر الدراسي فالعلاقة بين التذكر والحفظ قوية، وقوة
الذاكرة وعدم النسيان مظهران من مظاهر النشاط العقلي، وعاملان هامان في تذكر
الخبرات السابقة وتخزينها.
|
10- ظروف الطفل الاقتصادية: ومع أن
الاقتصاد عامل بيئي إلا أن العامل الاقتصادي - مثل توفير احتياجات الطفل من
الأدوات المدرسية، وامتلاكه ما يمتلكه زملاؤه - أمر مهم، وفقدانه لذلك قد يجعله
متخلفا في الدراسة.
|
مميزات
وسمات المتأخرين عقلياً:
|
1- من حيث النواحي الجسمية: فنموهم أقل من
المتوسط إذا ما قورنوا بزملائهم العاديين، وقد يختلفون في نموهم العقلي وإن
كانوا لا يختلفون في الانفعالات والاتجاهات والدوافع والرغبات الجسمية والجنسية،
وربما ظهر المتأخرون في الدراسة أطول قامة وأضخم بنية من أقرانهم في الدراسة،
وذلك إما لتخلفهم عاماً أو عاميين عن أقرنهم في الدراسة برسوبهم، أو لتأخر
التحاقهم أساسا بالمدرسة، كما أنهم يتميزون بارتفاع نسبة الإعاقة في السمع
والبصر عن أقرانهم.
|
2- من حيث الناحية العقلية: فهم ضعاف
الذاكرة والقدرة على التفكير الاستنتاجي، كما أنهم ضعفاء في قدرتهم على حل
المشكلات التي تحتاج إلى المعاني العقلية، وهم لا يستطيعون اختزان المعلومات
لفترة طويلة، ويعجزون عن تكرار الأعداد والجمل التي تحتاج إلى تكرار - عقب
سماعها مباشرة - دون أن يجدوا صعوبة في ذلك، كما أنهم سطحيو الإدراك، وضعاف من
حيث الحفظ والفهم العميق للأمور، الأمر الذي يجعل استفادتهم الكاملة من الخبرات
السابقة أمراً قليلا، وهم إلى جانب ذلك كله أقل تقديراً للعواقب أو إدراكاً
للنتائج وما يترتب على تصرفاتهم، مما يجعلهم يتصرفون بتلقائية وسهولة.
|
3- أما من الناحية الانفعالية فغالبا ما يسيطر
عليهم إحساس عدائي نحو المدرسة، ونحو الزملاء أو المدرسين؛ نتيجة لإحساسهم
بالنقص أو شعورهم بالذنب، وهم لذلك يحبون الانطواء على أنفسهم والهروب من
المدرسة أو المجتمع، كما أنهم سلبيون في اتجاهاتهم نحو المدرسة؛ بحيث يقنعون
أنفسهم بأنهم فاشلون وبالتالي منبوذون من مجتمع المدرسة، ومن لهم مثل هذا النوع
من الإحساس يصعب تعديل سلوكهم.
|
4- أما من الناحية الاجتماعية: فيرى بعض
الدارسين أن التأخر في الطبقات ذات المستوى الاجتماعي المنخفض أعلى منه في
الطبقات ذات المستوى العالي، وهؤلاء يرجحون جانب العلاقات الاقتصادية، أما البعض
الآخر فيرى أن التأخر لا علاقة له بالمستوى الاقتصادي أو الثقافي؛ لأنه يشمل
جميع الطبقات باختلاف مستوياتهم المادية، وهم من الناحية الاجتماعية ينقادون
بسهولة للمربيين وللخارجيين عن القانون كتنفيس لإحساسهم نحو المجتمع أو للانتقام
منه.
|
5- من الناحية الشخصية: فهم - كما ذكرنا -
أقل تكيفا، وتنعدم فيهم روح الابتكار والقيادة.. وحب الاستطلاع والتحصيل
والمثابرة معدوم عندهم؛ نتيجة الإحباط الدائم من الناس والأقران، ووصفهم
بالأغبياء والبلهاء، زيادة على السلبية في اتجاهاتهم وميولهم، وإن كانوا لا يختلفون
عن أقرانهم في النواحي الإنسانية المتعلقة بالطاعة، بل قد يكونون أكثر طواعية
وانقيادا من غيرهم.
|
علاقة التأخر الدراسي
بالقدرات العقلية
|
يذكر
الدكتور أحمد زكي أن (وظيفة التعلم الأساسية هي مساعدة الكائن الحي على أن يتكيف
مع بيئته الخارجية، بأبسط طريقة ممكنة، بأقل مجهود ممكن، على أصح طريقة ممكنة،
بواسطة تنمية أساليب سلوك مكتسبة تساعده على مواجهة المواقف الخارجية، والتغلب
على مشكلاتها بنجاح).
|
ومن
هنا كانت أهمية دراسة العلاقة بين التأخر الدراسي والقدرات العقلية؛ لأن عملية
التعلم بالطريقة التي حددها الدكتور أحمد زكي لا يمكن إتمامها بالصورة المرضية
للمتأخرين عقلياً؛ لأن عملية التعلم تعتمد أساساً على عمليات عقلية تسهم فيها،
وسنحدد هذه العمليات العقلية لنحدد موقف المتأخرين عقلياً منها.
|
ا-
التذكر ضعيف عند المتأخرين دراسيا، وهو كما ذكرنا أساس عمليات التعلم، وبما أن
المتخلف لا يستطيع أن يتذكر خبراته القديمة، وبالتالي يربطها بالخبرات الجديدة؛
فإنه يفتقد عاملا هاما من عوامل التعلم الأساسية.
|
2- الحفظ: يتميز المتأخرون دراسيا بأنهم لا
يحفظون، وبالتالي لا يتذكرون الخبرات الماضية، ولا يستطيعون استدعاء ما تعلموه
في المواقف الجديدة؛ فسريعوا التعلم يحفظون أكثر من ضعاف التعلم؛ لأن الحفظ مظهر
من مظاهر الذكاء، والمتأخر أقل ذكاء من الشخص العادي.
|
3- التفكير: فعن طريقه ينظم العقل بين
الخبرات وإدراك العلاقات بين المواضيع والمواقف؛ وبما أن التفكير يتطلب نشاطا
عقليا أكبر من نشاط المستويات العقلية الأخرى، فإن المتأخرين دراسيا يعجزون عن
أداء هذه العملية العقلية العليا، وبالتالي لا يستطيعون اكتساب عادات فكرية صحيحة
وتدريب تفكيرهم وتوجيهه بالقدر الذي تسمح به قدرة الإنسان.
|
4- الاستدعاء: وهو استرجاع الذكريات مع ما
يصاحبها من ظروف الزمان والمكان، وهذه مرحلة عقلية يمكن تدريب المتأخرين عليها،
إلا أن سرعة الاستدعاء عندهم أقلّ من السرعة عند أقرنهم من زملائهم.
|
علاج التأخر الدراسي
|
فرق
الدكتور حامد الفقى بين نوعين من التأخر هما:
|
(أ) التأخر الخلِقي: ذلك
راجع إلى قصور أو تغير في نمو الجهاز العقلي، أو الأجهزة العصبية، أو العمليات
الحسية المتصلة بها.
|
هذا
النوع من التخلف يصعب علاجه؛ لأنه راجع إلى قصور في النمو، أو سبب في التكوين
البيولوجي للمخ، وهؤلاء لا أمل في زيادة نسبة ذكائهم، ولكن من الممكن رفع
كفايتهم التحصيلية، وزيادة فعالية استعدادهم، وذلك عن طريق إثارة الدوافع، ويمكن
أيضا تغيير اتجاهاتهم السلبية وتخليصهم من الاحساسات التي يحسون بها من مشاعر
مؤلمة؛ فالصعوبة في علاجهم أنهم معوقون من النواحي الاجتماعية والانفعالية
والتربوية التي ترجع إلى العيش في ظروف ينخفض فيها المستوى الثقافي والاجتماعي
في الريف والأحياء الفقيرة في المدن، كما أنهم يفتقرون إلى الخبرات والتجارب
التي تجعلهم مستعدين للعملية التربوية بالإضافة إلى سوء التغذية والمسكن.
|
(ب) التأخر الوظيفي:
|
يرجع
إلى أسباب يمكن علاجها؛ لأنها ترجع إلى أسباب تتعلق بالظروف الاجتماعية والأسرية
التي يعيشون فيها، وغالباً ما يكون آباؤهم وأمهاتهم أميين وقدراتهم محدودة،
ويمكن لعلاجهم تحديد برامج لهم قبل دخول المدارس لإثارة الحماس والنشاط وإكسابهم
خبرات جديدة افتقدوها في بيئاتهم، كذلك الأسباب الانفعالية يمكن علاجها بإزالة
الأسباب المؤدية إليها كاضطراب الأسرة، وسوء العلاقة بين الطفل وأسرته؛ فالعلاقة
الطبيعية لها دور في نموه الانفعالي، وتحسينها سيؤدى إلى تحسين مستوى الطفل، كما
يمكن علاج هذه الحالة بتحسين أساليب الآباء في التربية.. وطريقتهم في تأديب
أولادهم، زيادة على اهتمام الأمهات بالرعاية الصحية لأبنائهن وأسرهن، وإتاحة فرص
الترفيه واللعب للأطفال، وتوجيه عواطف الآباء نحو أولادهم، بحيث تسود مشاعر الحب
والاحترام بدلا من الكراهية.
|
كما
يمكن معالجة التأخر الناتج عن تفكك الأسرة بتوجيه الأسرة إلى التماسك وسيادة
مشاعر الحب والانتماء للأسرة.
|
أما
التأخر الناتج من سوء التغذية فيمكن علاجه برفع مستوى التغذية، بحيث يعود للطفل
نشاطه وحيويته، ويمكن أيضا تغيير نظام المساكن وإقامتها على أسس صحية اجتماعية،
بحيث يتوفر للطفل الجو المناسب لممارسة حياته وعلاقاته الاجتماعية وإشباع حاجاته
وميوله، وتوفير الجو الملائم للمذاكرة.
|
خاتمة:
|
رأينا
فيها سبق أنماطا من الأطفال تتحكم فيهم ظروف غير طبيعية، تؤدي إلى تأخرهم
الدراسي، هذه الظروف ليست خاصة بالريف، وإنما هي ممتدة لكل المدن وشاملة لكل
الطبقات العليا والدنيا الفقيرة والغنية، ورأينا أن بإمكاننا التغلب على هذه المشكلة
إذا اهتمت الدولة بعلاجها عن طريق رجال التربية ووفرت لها الإمكانيات المادية
والعلمية حتى يمكن أن يعالج ما يمكن علاجه، ويوقف تدهور ما لا يمكن، كالتخلف
العقلي حيث تكون الأجهزة العقلية معيقة عن أداء وظائفها، ورأينا أن بإمكاننا
تكوين الاتجاهات والقيم لدى المتأخرين دراسيا، عن طريق الخبرات والانتظام في
الدراسة، وتشجع الوالدين والمدرسة وإزالة مشاعر الاضطهاد والنقص وغيرها.
|
وآمل
أن أكون قد وفقت في تناول المشكلة تناولا أقرب إلى الموضوعية.. والله الموفق.
|
مراجع
البحث. للدكتور حامد الفقى
|
1- التأخر الدراسي
أحمد ذكى صالح
|
2- علم النفس
التربوي
حامد زهران
|
3- علم نفس
النمو
فؤاد البهى
|
4- ا
لذكاء
آرثرجيست وآخرين
|
5- علم النفس
التربوي
ترجمة إبراهيم حافظ وآخرين
|