من معالم التحكم في الذات
بقلم: عادل فتحي عبدالله
كن نفسك، ولا تكن أحداً آخر
(ليس أتعس من الشخص الذي يتوق إلى أن يكون
شخصاً آخر غير الذي يؤهله له كيانه الجسماني والعقلي) أنجلو باتري
لا يظن
أحد أن المطلوب منه لكي يسيطر على نفسه،
ويتحكم في تصرفاته، أن يحاول تغيير شخصيته ليصبح مثلا فلان أو غيره من الناجحين،
فهذا ليس هو المقصود مطلقاً، كلا وألف كلا، إن محاولة التشبه بشخص -إن نجحت- فهي
في أقصى درجاتها توجد شخصية ممسوخة، وصورة مشوهة لشخصية أخرى.
لقد خلقنا
الله تعالى مختلفين، وهذا الأمر ذو حكمة بالغة، قال تعالى:
(وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ
لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ (118) إِلا
مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ
لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (119 (سورة هود
فلا يوجد اثنان في هذا العالم متشابهان تماماً،
كلا لابد من فروق بين هذه الملايين من البشر، وهي فروق قد تبدو بسيطة، لكنها في
حقيقة الأمر فروق جوهرية.
حينما
تشاهد مثلاً ممثلاً أو فناناً مبتدئاً يقلد في طريقة تمثيله ممثلاً مشهوراً، من
القدماء، الذين تحبهم، وتحب طريقة تمثيلهم، فإنك في نهاية الأمر تقول إنه يحاول
تقليد فلان. لكنك لن تقتنع به كممثل مقنع بما يقوم به من أدوار.. غاية ما في الأمر
إنه صورة من فلان...
لكن
الممثل الذي يقوم بدوره بطريقته هو المميزة له عن غيره من بقية الممثلين، والذي لا
يحاول تقليد فلان أو فلان، هذا الممثل حقيقة إن كانت لديه موهبة حقيقية فإنه يبهرك
بطريقته في الأداء.
وتبذل
كثير من الزوجات جهوداً مضنية في محاولة تغيير أزواجهن، وقد تستمر هذه الجهود
سنوات وسنوات ابتغاء الوصول بأزواجهن لأن يكونوا مثل فلان أو فلان، وعادة ما تبوء
هذه المحاولات بالفشل.
يجب أن
نقتنع جميعاً بأن لكل واحد منا شخصيته المستقلة، التي تتميز بمميزات لا يتميز بها
الآخرون، قد يكون فيها عيوب، نعم، بلا شك، فليس هناك أحد منا ليس له عيوب، وإن
عليه إصلاح تلك العيوب قدر الاستطاعة.
لكن يجب
أن نفرق بين العيوب في الشخصية، وبين ما يميز شخصية عن غيرها، ولا يعتبر عيباً في
تلك الشخصية. بل مجرد اختلاف!!
وهذه نقطة
غاية في الأهمية، أذكر صديقاً كان ناجحاً في التجارة، وكان
يعشق التجارة منذ صغره، وقد وفقه الله تعالى في تجارته، فكان لديه أكثر من محل،
وهو لا يزال في العقد الرابع من العمر، ومع ذلك كان هذا الأمر لا يعجب زوجته،
فكانت كثيراً ما تلح عليه أن يترك هذه التجارة التي هي من وجهة نظرها غير مربحة
بالقدر الكافي، وأن يضع أمواله في (البورصة)، ليضارب بالأسهم، وكم مرة كان يقول
لها: إنني لا أفهم في (البورصة)، ولا يروق لي هذا الأمر!
لكنها
كانت ترد عليه بأن فلان كان لديه من المال أقل بكثير مما لديك ، لكنه الآن أغنى
منك بكثير.. وظلت تلح عليه، حتى أنهى تجارته ووضع كل أمواله في البورصة.
والحقيقة
أنه ربح من البورصة أموالاً طائلة، وظل كلما زادت ثروته اشترى أسهم أكثر وأكثر،
حتى كانت الكارثة في منتصف التسعينات إذ خسر كل أمواله في البورصة دفعة واحدة.
فأصيب بصدمة عنيفة، أودت بحياته، وندبت زوجته
حظها في الحياة، وندمت حين لا ينفع الندم، لقد خسرت كل شيء، حتى خسرت زوجها.
لا مانع
مطلقاً في أن يحاول المرء تطوير نفسه، وتغيير أفكاره إلى الأفضل، لكن احذر كل
الحذر من محاولة تغيير نفسك لتشبه فلان أو فلان.
اعتز
بنفسك وبشخصيتك واكتشف إمكانياتك، وطور أفكارك، وافعل ما تحب فعله، وانطلق على
سجيتك، ولا تسمح لأحد أن يملي عليك أفكاره هو، أو يفرض عليك عمل لا ترغب فيه، أو
لا تحبه، عندئذ، وعندئذ فقط ستجد نفسك، وستحقق النجاحات تلو النجاحات بإذن الله
تعالى.
يقول
(أنجلو باتري) المتخصص في التربية: (ليس أتعس من الشخص الذي يتوق إلى أن
يكون شخصاً آخر غير الذي يؤهله له كيانه الجسماني والعقلي).
لقد كان
صديقي أ.غ متفوقاً في دراسته، لكنه للحقيقة كان محباً للتجارة، وفي السنة الثانية
من المرحلة الجامعية قرر فجأة أن يتفرغ للتجارة، ويترك الجامعة، ولقد نصحه أصدقاؤه
كلهم-وكنت أحدهم- بأن يكمل العامين الباقيين من الكلية ويستمر في التجارة، لكن كان
رأيه أن يترك الجامعة لأنه لن يستطيع الجمع بين التجارة والدراسة في آن واحد.
مع أنني
كنت ساعتها من أشد المعارضين لهذه الفكرة، لكنه كان مقتنعاً تماماً بها، وعندما
أمر عليه الآن في أفخم محلاته التجارية أجده مفعماً بالحيوية، والنشاط، مع أنه في
نهاية العقد الخامس من العمر.
لقد كانت
فكرته جيدة، وكان يتصرف وفق سجيته، لقد أصبح رجل أعمال، ولديه أسرة مستقرة، وهو
بصفة عامة شخص متسق مع نفسه، ولو كان قد أكمل تعليمه، ربما لم يستفد كثيراً منه،
حيث أنه كان ينظر لكل شيء بطريقة تجارية،
وكان يجد
نفسه في تجارته، تلك هي حياته، وخيراً فعل، لأنه لم يكن لينجح في مجال آخر، وحينما
قرأت عن معظم العظماء في العالم وجدت أن أكثرهم لم يكمل تعليمه الجامعي.
وهذه ليست
دعوة لترك التعليم الجامعي، كلا، لكن هناك أشخاص قد لا يناسبهم هذا النوع من
التعليم، وهم يميلون للصناعة أو للتجارة.
لقد كان
سيكيرو هوندا طالباً فاشلاً، حيث كان يميل إلى الصناعات المعملية، وكان يكره العلم
النظري، وينتقد ذلك أمام معلميه، فكانوا يصفونه بالطالب الفاشل، وتسببوا في أن
يترك التعليم في الصف الثاني الإعدادي.
ووصفوه بأفظع الألفاظ، لكنه كان واثقاً من نفسه،
ويعرف ماذا يريد، فترك التعليم ليفتح ورشة ميكانيكية صغيرة، كانت هي بداية حياته
العملية التي كان يعشقها، وبعد عدة سنوات كان مجمل اختراعاته 150 اختراعاً، ثم كان
فيما بعد صاحب أكبر شركات السيارات في العالم وهي سيارات هوندا، كما ذكرنا من قبل.