كيف
تعتني بطفلك من الناحية العقلية[i]
لا شك أن النمو اللغوي عند الطفل يتبعه نمواً
فكرياً، فاللغة أداة الفكر كما يعتبرها الكثير من العلماء والتربويين.
و كما
يرى البعض فإن(( اللغة تجسد البنية النهائية للتفكير..وعندما تصبح اللغة أداة
للتفكير يأخذ التفكير شكل الكلام المتلفظ به، ويعمل الصراع بين اللغة والتفكير على
مد حدود إمكانات التفكير بطرائق عديدة....إن اللغة ليست جوهرية بالنسبة للتفكير
ولكنها بمثابة المادة المحفزة له أو هي بمثابة المادة المنشطة له كما يقول (برونر)،
وقد تكون ذات أهمية كبيرة للمستويات العليا من عمليات التجريد ،والصراعات الضرورية
للارتقاء يمكن أن تقدم فقط من خلال اللغة.
ومن ثم فإن اللغة جوهرية بالنسبة للارتقاء
المعرفي،وتكون هناك حاجة لإعداد الطفل بشكل مناسب من خلال الخبرة والعمليات
العقلية الأولية قبل استخدام اللغة، ولكن بعد معرفة اللغة فإنها يمكن أن تستخدم
كأداة للوصول للمستويات العليا من التفكير،... واستخدام اللغة في التفكير يتم من
خلال التراكم.
إن الطفل عندما يصبح إجرائياً كما يقول (بر ونر)
(أي يفكر رمزياً) فإنه يستطيع من عمر الخامسة أو السادسة أو السابعة أن
يطبق القواعد الأساسية للغة على العالم وكذلك على كلماته)) ([1]).
ولا
شك أن القراءة من الأمور المهمة في تنمية لغة الطفل ورقيها، ولهذا ينبغي على
الآباء والأمهات تشجيع الطفل على القراءة واختيار الكتب التي تناسب مرحلته العمرية.
والطفل
عادة يبدأ في الاهتمام بالقراءة واقتناء الكتب من سن الحادية عشر تقريباً، وهو يحب
الكتب التي تحتوي على قصص.
وخصوصاً القصص المصورة والخيالية، وينبغي على
الأم أن تقرأ مع الولد لتشجيعه على القراءة، حتى يتعود على القراءة بمفرده،
والكتاب يساعد الطفل على التخيل.
إن
القراءة بلا شك معين هام للتفكير والإبداع، ومن غير القراءة لا يمكن أن يصبح الطفل
مفكرا جيداً.
2- توفير البيئة
الثقافية المحفزة للطفل:
يعرف الجميع التأثير العظيم للبيئة على الفرد،
وخصوصاً تأثيرها الواضح على الطفل، من الناحية العقلية، فهي توفر العوامل الأساسية
للطفل في هذا المجال.
((وثمة إجماع على أن المبدعين قد نشئوا في
بيئات امتازت بالتحفز والإثارة الذهنية، ومن المرجح أن يكون ذلك من الأسس التي تساعد
الشخص فيعمل بعد على التفاني والإخلاص لعمل علمي وبيئي.
وتمتاز البيئة أو الأسرة التي تشجع على
الإثارة الفعلية بمظاهر منها: شيوع قيم ثقافية،
أو وجود أحد من أفراد الأسرة المقربين (أب، أخ، أم، جد....) ممن يولي اهتمامه لهذا
الجانب الثقافي.
يتذكر الفيلسوف الفرنسي جان بول سار تر شيئاً من
هذا القبيل عن الطفولة فيقول:"في حجرة مكتب جدي كانت الكتب في كل مكان، وكنت
لا أعرف القراءة بعد..فقد كنت أجلّها، وسواء كانت قائمة أم متزاحمة كقطع الطوب فوق
أرفف المكتبة، أو مزدحمة بعضها فوق بعض، فقد كنت أشعر أن ازدهار عائلتي موقوف
عليها".
وذكر "برتراند رسل" أن والده كان
يميل للفلسفة والدرس وكان متحرر الفكر، وكان يملك مكتبة غنية، وكانت أمه بالمثل تفيض
بالحيوية والقدرة على الابتكار. أما جوته فقد كانت أمه معتادة أن تقرأ له بصوت
عالي في طفولته المبكرة، وبهذه الطريقة استطاع أن يلم بالأدب الانجليزي الماماً
كبيرا في طفولته...........والحقيقة أن التحفيز الثقافي قد يمتد لأعمق من وجود كتب
أو مثقفين داخل الأسرة.
إن الخبرة تعلمنا – وهي غير خاطئة في هذا- إن هناك ميادين أخرى وعباقرة نشئوا في أسر مختلفة عن ذلك اختلافاً كبيراً.
ولهذا
فإن التحفيز العقلي أو الإثارة الذهنية قد تمتد لتشمل التشجيع العام على حرية
التفكير وحرية ممارسة الخبرة واحترام أفكار الطفل مهما كانت تافهة.
وإبداء التفهم لها والتقبل والمدح، ...وقد تأتي
التحفيزات الأخرى" كتوافر الكتب" موافقة لهذا النمط من التنشئة أو تالية
عليه))([2]).
لا شك أن التحفيز الثقافي لا يتوقف فقط على
توفر البيئة الثقافية، بل أيضاً قد يشتمل على التحفيز المعنوي.
وهذا
التحفيز الثقافي المعنوي أمر هام جدا،ً وضروري للغاية، إذ أن الوالدين من خلال
تحفيزهما للطفل يمكن أن يجعلانه يحلق في سماء الإبداع، ومن خلال تثبيطه أو السخرية
من قدراته وإمكاناته قد يتسببان في قتل ووأد الإبداع عنده وهو لا يزال في المهد.
وهذا يدعونا لتناول النقطة الهامة التالية:
(3) التشجيع المادي والمعنوي للطفل:
وهذا بلا شك أمر لابد منه خاصة للصغار لأن التشجيع
يلعب دوراً هاماً وكبيراً في حياتهم، (( والدراسات التي قام بها العالم الانجليزي
"أو- سبرجيون"تدل على هذا التأثير السلبي
الذي مارسه الأهل على الأولاد.
ولنأخذ مثالاً قصة فتاة في العاشرة من عمرها
حاولت مراراً كتابة بعض الأقاصيص، وحين كانت تحاول قراءتها أمام والدتها كانت
والدتها تقول لها:
"أي خرافات هذه التي تكتبيها؟"
إن كلاماً كهذا جعل الطفلة تبتعد عن كل أنواع
الكتابة الابتكارية حتى اليوم، مما جعلها فتاة خجولة لا تستطيع شيئاً ولا تقدر على
التعبير عن نفسها أمام غيرها.
وهناك حالات كثيرة يقضي فيها الأهل على العمل الابتكاري
عند أبنائهم مما يسئ إليهم لاحقاً)) ([3]).
والتشجيع المعنوي ليس كافياً، بل لابد من
التشجيع المادي أيضاً، مع ملاحظة إن التشجيع يختلف من طفل لآخر، فقد يكون الطفل متأخراً
قليلاً، وبالتالي سوف يكون عمل ما بالنسبة له يمثل انجازاً، بينما قد لا يمثل هذا
العمل بالنسبة لغيره انجازاً.وهناك دراسات نفسية كثيرة تبين مدى أهمية التحفيز
المادي في التفوق والنجاح، وهي لا تخفى على المطلعين.
(4) توفير الجو العاطفي الدفيء:
يجدر بنا هنا أولاً التساؤل:هل للبيئة
العاطفية تأثير على ذكاء الطفل؟
الجواب الذي تؤكده البحوث الكثيرة في هذا
المجال هو:نعم، للبيئة العاطفية تأثير كبير وفعال في ذكاء الطفل.
ولقد
((أثبتت دراسات حديثة كثيرة أن مستوى الذكاء لدى الطفل يتأثر تأثيراً واضحاً
بالبيئة العاطفية التي يحيا فيها، وبمقدار العناية التي يلقاها من البيئة العائلية
خاصة، ومن البيئة الاجتماعية عامة وعلى سبيل المثال لا الحصر تلك الدراسات التي
قام بها بعض الباحثين حول مشاهير الرجال والعباقرة عبر التاريخ "مثل الدراسة
التي قام بها كوكس Cox وشملت السير الذاتية لثلاثمائة عبقري" حيث أكدت بعد التحليل
والدراسة الدور الذي لعبته البيئة المنزلية في تكوين هؤلاء العباقرة وبينت أن معظم
هؤلاء هيئت لهم منذ الطفولة عناية تربوية كثيفة من قبل آبائهم أو أمهاتهم )) ([4]).
وفي التقرير الذي قدمه لمنظمة الصحة العالمية قام ["بولبي"
بصياغة المبدأ القائل بأن التوازن العقلي للطفل يرتبط بضرورة تمتعه بعلاقات حميمة،
ومستقرة وثابتة مع أمه، أو مع المرأة التي تحل محلها بشكل دائم –عند غياب الأم-
علاقة تمكن الطرفين من العيش بسعادة ورضا.
ولقد قدم هذا المؤلف براهين عدة تبين أن اضطراب
الشخصية والأعصاب يكونان غالباً نتيجة الحرمان من رعاية الأم أو نتيجة لعلاقة
متقطعة زمنياً، وغير دائمة بين الأم والطفل] ([5]).